سوريا: مرور عشر سنوات على حكم بشار الأسد
كان فجر الألفية الجديدة بالتأكيد، فاتحة لعصر جديد في سوريا. الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي حكم البلاد بلا رحمة لأكثر من ثلاثة عقود، توفي. واستلم السلطة عندها، ابنه بشار، الشاب وطبيب العيون الذي أخذ تحصيله العلمي من الغرب.
كثيرون هم من عقدوا آمالهم على الرئيس الجد
يد، معتقدين أنه سيجلب معه التحديث والإصلاحات الديمقراطية. بعض المراقبين على أية حال، استمروا على تشاؤمهم، مراهنين على صعوبة هز الأسس الصلبة لقواعد السلطة في البلاد، وإحداث تغييرات حقيقية، خاصة على المستوى السياسي.
عشر سنوات مرت على وراثة الأسد الابن للسلطة، وربما أن كلا الرؤيتين قد صدقتا بشكل أو بآخر. فمن جهة، أصدر الأسد قوانين جديدة وأحدث إصلاحات للانتقال من اقتصاد منعزل وممركز بيد الدولة إلى شكل أقرب لاقتصاد السوق. هذا التحرك أثر ولا يزال على التركيبة الاجتماعية في سوريا.
الأشكال الجديدة للثروة التي وجدت طريقها إلى الكثير من أوجه حياة السوريين، ترافقت بازدياد معدلات البطالة والفقر. هذه المشاكل ستكون ضاغطة أكثر مع تحديات النمو السكاني السريع واستمرار تضاؤل العائدات النفطية في البلاد.
في هذه الأثناء، كان المشهد السياسي راكدا. رغم الوعود التي قطعت من قبل حزب البعث الحاكم، لا تزال البلاد بدون قانون للأحزاب. استمر قمع الحريات الأساسية، وإن بدرجة أقل من العقود السابقة. وفي مقابل الركود الواضح للحياة العامة واستثناء المجتمع المدني من المشاركة في عمليات صنع القرار، نشأ جيل شاب من مستخدمي الانترنت، يناضل من أجل التعبير عن نفسه والتحدث عن مشاكله عبر العالم الافتراضي.
وفيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، قوت دمشق من علاقاتها مع إيران، لمقاومة السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، لكن في الوقت نفسه، حاولت سوريا تأسيس قنوات أكثر صلابة للتواصل مع الدول الغربية النافذة، لتأكيد دور أكثر بروزا لها في المنطقة.
تختلف الآراء اليوم حول ما إذا كانت سوريا تنتظر مرحلة جديدة من الازدهار والقوة على الصعيد الاقليمي، أم أن البلاد ستعاني من تفاقم المشكلات الداخلية والخارجية.
وبينما ندرك أن تقييم أداء الأسد خلال العقد الماضي هو مسألة متنازع عليها، فإن سلسلة المقالات التي سننشرها تباعا، تحاول أن تتفحص عن قرب تلك السنوات العشر من حكمه.
تلك المقالات التي كتبت من قبل فريق من الصحفيين والخبراء، سوف تتناول التغيرات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، التي حصلت في البلاد، في محاولة لإلقاء الضوء على الاتجاه الذي تسلكه سوريا.
—————————-
الإعلام: تغيرات كبيرة، انتكاسات كبيرة
بينما بقيت العديد من أوجه الحياة السياسية السورية راكدة خلال السنوات العشر الماضية، فإن حقل الإعلام شهد العديد من التغيرات المهمة.
قبل عام 2000، سيطر النظام بشكل كامل على كل ماكان ينشر ويذاع. ثلاثة صحف رسمية، وقناة تلفزيونية رسمية كانت المصدر الوحيد المتاح للمعلومات بالنسبة للسورين لسنوات طويلة.
ركز الخطاب الحكومي على ثلاثة محاور أساسية: ترسيخ صورة الرئيس كزعيم منزه كامل القوة، تحويل الانتباه إلى محنة الشعب الفلسطيني، والنيل من السياسات الغربية في الشرق الأوسط. لم يكن من المسموح الحديث عن أية انتقادات فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية.
في عقد التسعينات، سمح انتشار الفضائيات للسوريين بالانفتاح على العالم، لكن لم يسمح لمطبوعات خاصة ومستقلة بالوجود قبل عام 2000.
منذ ذلك الوقت، العديد من الصحفيين والمواطنين العاديين وجدوا مساحة من حرية التعبير خاصة عبر الانترنت. للمرة الأولى، بدأت القضايا الداخلية تناقش علانية.
في الوقت نفسه، استمر قمع الصحفيين. العديد من وسائل الإعلام الخاصة أغلقت أو خضعت للترهيب خلال السنوات الأخيرة.
السياسات الداخلية: استمرار الهيمنة
عكست الشهور القليلة التي تبعت وفاة الأسد، إلى أي مدى كان المجتمع المدني في سوريا مقموعا خلال فترة حكمه. في ذلك الوقت، مثقفون ونشطاء بدؤوا بعقد اللقاءات والدعوة إلى تغيير ديمقراطي سلمي في البلاد.
هذا الحراك الذي اصطلح على تسميته بربيع دمشق، تم سحقه بسرعة من قبل بشار. الحملة القاسية ضد المجتمع المدني دللت على أن السنوات العشر القادمة ستكون ممثلة بقمع الحريات والحقوق.
في عام 2000، لم يكن يعترف رسميا بغير الجبهة الوطنية التقدمية التي أسست عام 1972 كتحالف لعدد من الأحزاب تحت سيطرة حزب البعث. لم تكن توجد أية جماعات تمثل المجتمع المدني. الشبكة الواسعة والقوية من أجهزة الأمن فرضت سيطرتها على النقابات وعلى جميع عناصر المجتمع المدني.
آلاف المعارضين للنظام كانوا يقضون أحكاما بالسجن أو كانوا مفقودين.
بعد عشرة سنوات، ربما يكون القمع قد خف قليلا. الناس أصبحوا يتحدثون أكثر عن أوضاعهم، وعدد سجناء الرأي انخفض، لكن تم تجاهل حقوق الانسان واستمر غياب حياة سياسية حقيقية. لا تزال حالة الطوارئ معلنة منذ عام 1963 حيث تستخدم في تنفيذ الاعتقالات التعسفية، منع السفر وغيرها من أشكال القمع والترهيب التي لا تزال تشكل ممارسات روتينية.
الاقتصاد: السوق ولكن بأي ثمن؟
الصرافات الآلية، سيارات آخر موديل، مطاعم فارهة، ومحلات لبيع الملابس باهظة الثمن، أصبحت من المظاهر الشائعة في بعض أحياء دمشق. لكن تلك المشاهد البراقة لا تعكس الحقيقة كلها حول التغيرات الاقتصادية الأساسية في ظل حكم بشار.
بعيدا عن مظاهر الاستهلاك السريع، ينمو الفقر بسرعة، ومع انتشار التضخم والبطالة، تزيد حدة السخط لدى الناس. عام 2000، عندما تولى بشار السلطة، كانت البلاد لا تزال إلى حد بعيد تتبع النمط السوفييتي القائم على الاقتصاد الاشتراكي ذو المركزية الشديدة. قلة المحاسبة، الفساد وإساءة استخدام الموارد البشرية والطبيعية كانت أمرا شائعا.
ثروة البلاد، كانت مركزة بأيدي عائلة الأسد والمسؤولين المقربين منه. وكانت سوريا تصنف في مراكز منخفضة جدا فيما يتعلق بالتنمية البشرية. الأسد ورث أيضا قطاع عام ضخم يفتقر إلى الكفاءة ويحظى بإنتاجية منخفضة.
بعد عشر سنوات، تفتخر سوريا بوجود العديد من المصارف الخاصة، كما أنها جذبت استثمارات أجنبية، وفتحت حدودها للتجارة. أطلقت البلاد أيضا سوق للبورصة للمرة الأولى في تاريخها. مع ذلك، فإن الثروة الجديدة المستشكفة لم تتدفق بعد.
العلاقات الدولية: حدد خياراتك وامض
عندما جاء بشار إلى السلطة، واجه بالتأكيد تحدي المحافظة على علاقات والده الخارجية غير التقليدية. عرف حافظ بكونه رئيسا ذكيا. كان قادرا على الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول العربية المهمة مثل السعودية ومصر، واللعب على اختلافاتهما.
في الوقت نفسه، تلقى مباركة المجتمع الدولي للسيطرة على جارة سوريا الصغيرة لبنان. خلال الحرب الباردة، تدبر الإبقاء على روابط مع الاتحاد السوفييتي بينما حافظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
أيضا، مد يده إلى إيران من دون إغضاب القوى الغربية. بالنسبة للأسد الابن، الحفاظ على هذا التوازن الهش كان أكثر صعوبة.
مع الاستقطاب الذي حصل في العالم بعد هجمات الحادي عشر من أيلول على أمريكا، تصاعد الضغوط على إيران لمحاولاتها المزعومة الحصول على سلاح نووي، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، أجبرت دمشق على الانحياز.
أكثر من ذلك، واجهت السلطة عزلة دولية عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، الجريمة التي ألقي فيها باللوم بشكل واسع على دمشق. استجاب بشار إلى ذلك بالتقرب أكثر إلى طهران، تعزيز دعم الميليشيا اللبنانية حزب الله، والحركة الفلسطينية الراديكالية حماس.
خلال السنوات الأخيرة على أية حال، بدأ الغرب سياسة جديدة للانخراط مع سوريا لإبعادها عن إيران.
استجابة دمشق كانت متناقضة. بدت البلاد مرة أخرى متورطة في لعبة خطرة لمحاولة إرضاء جميع الأطراف. مثلما كان عليه الحال أثناء حكم والده، أعلن بشار أنه اختار السلام مع إسرائيل “كخيار استراتيجي” لاسترجاع هضبة الجولان المحتلة اسرائيليا منذ عام 1967.
في هذه الأثناء، لم تبد دمشق مستعدة للتخلي عن تحالفها مع إيران في المدى المنظور. مع أيدي واشنطن المكبلة في المنطقة نتيجة فوضى حربين في العراق وأفغانستان، يمكن أن تكون دمشق قادرة على كسب المزيد من الوقت. لكن إلى أي مدى يمكن للنظام أن يبقي على الوضع الراهن؟
الأكراد: لا تزال أقلية مضطهدة
باعتبارهم الأقلية القومية الأكبر في سوريا، كان الأكراد يأملون عام 2000 بأن حقوقهم السياسية والاجتماعية والثقافية سيتم الاعتراف بها أخيرا من قبل الرئيس الجديد.
لكن السنوات العشر الماضية كانت مخيبة للآمال. الأكراد الذين يشكلون تقريبا 10% من مجموع السكان البالغ عددهم 22 مليون، لا يزالون ممنوعون من تدريس لغتهم في المدارس أو الترويج لثقافتهم الخاصة.
نحو 300،000 كردي جردوا من جنسيتهم السورية منذ عام 1962 عقب إجراء إحصاء سكاني اعتبرهم كأجانب.
العقد الأخير أيضا شهد صدامات دامية مع النشطاء الأكراد بالإضافة إلى اعتقال العديد من القيادات الكردية.
المجتمع: تنامي التناقضات والتأثير الإسلامي
عام 2000، كان عدد سكان سوريا 18 مليون نسمة. أكثر من نصفهم كانوا تحت عمر التاسعة عشر، بينما حظيت سوريا بمعدلات نمو سكاني هي من بين الأعلى في العالم.
بعد عشر سنوات، الازدياد السكاني السريع شكل أحد أبرز التحديات الاجتماعية التي تواجه البلاد. اقترن ذلك بازدياد الهوة بين الأغنياء والفقراء، تدهور الطبقة الوسطى، وموجة كبيرة من الهجرة الريفية إلى المناطق المدنية.
ماهو جدير بالملاحظة أيضا كان ازدياد تأثير الإسلام على المجتمع. رجال الدين المسلمون، ارتفاع أعداد النساء المحجبات، المدارس الشرعية، هي بعض الأوجه التي تعكس مكانة الدين في حياة العديد من السوريين.
بينما تعتبر هذه ظاهرة آخذة في التوسع في المنطقة العربية بالمجمل، يقول بعض المراقبين أن جذورها في سوريا تعود إلى سياسات حافظ الأسد في عقدي الثمانينات والتسعينات.
حيث يعتبرون أنه بعد سحق الجماعات الإسلامية في بداية الثمانينات، أراد الأسد الأب احتواء الغضب السني في البلاد بتشجيع بناء الجوامع والمعاهد الإسلامية التي لا تخوض في السياسة، وتشجيع رجال الدين الموالين للسلطة للحصول على دور أكثر بروزا في المجتمع.
في هذه الأثناء، كان المجتمع المدني أيضا يخوض معركته. شهد العقد الأخير جهودا ضد ما يعرف بجرائم الشرف، قوانين الأحوال الشخصية، واللامساواة بين المرأة والرجل.
على المستوى الثقافي، استمرت الرقابة المكثفة على المسرح، السينما، والأدب.