“سوريا بالأخضر” حلم أنور بنّود يتحقق بعد وفاته

عارف حاج يوسف

(كفرنبل وسراقب، سوريا) – عبرت الحدود التركية يوم 17 آذار/ مارس عدة شاحنات محملة بسلل غذائية، فرشات، بطانيات، معدات دفاع مدني، سيارات للنظافة، معدات تأهيل مدارس كاملة، ومعدات إغاثية أخرى بحماية “جبهة ثوار سراقب” و”كتائب فرسان الحق“. وحطت هذه المساعدات رحالها في مدينتي كفرنبل وسراقب في ريف إدلب، حيث تم تسليمها إلى المجلسين المحليين تمهيداً لتوزيعها.

إفراغ المساعدات من "بالأخضر" في كفرنبل. تصوير: عارف حاج يوسف
إفراغ المساعدات من “بالأخضر” في كفرنبل. تصوير: عارف حاج يوسف

وتأتي هذه المساعدات في إطار برنامج “سوريا بالأخضر” الذي يقوم على التعاون بين نشطاء إغاثة والمجالس المحلية. ويحظى البرنامج بدعم من عدد من الجهات الرسمية المعارضة كـ”الائتلاف الوطني السوري” ممثلاً بذراعه الإغاثي “وحدة تنسيق الدعم” والحكومة السورية المؤقتة. وكانت قد طُرحت فكرة “بالأخضر” لأول مرة من قبل الناشط الإغاثي أنور بنّود الذي توفّي جرّاء حادث سير في تركيا بعد عودته من ريف إدلب حيث كان يجهّز لانطلاق المشروع.

يحمل برنامج “سوريا بالأخضر” شعار “لأنّ مجتمعنا مسؤوليتنا” بحسب منظميه، وهو سيستمر ويمتد ليشمل كافة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال السوري، عدا تلك التي تقع تحت سيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” المعروف اختصاراً بـ “داعش”. يُذكر أن مدينتي معرة النعمان في ريف إدلب وأعزاز في ريف حلب ستشهدان انطلاق البرنامج في الأيام المقبلة.

رئيس المجلس المحلي لمدينة كفرنبل عدنان القاسم يعبر عن رضاه عن هذا البرنامج ولكنه يقول: “تحتاج كفرنبل إلى مشاريع خدمية عديدة كالماء والكهرباء والصحة والتعليم وتجهيز الطرقات والنظافة، كما تحتاج على المدى البعيد إلى مشاريع تنموية تشغيلية حتى يأكل الإنسان ممّا يعمل وألّا يعتمد بشكل دائم على المعونات الإغاثية”.

الغالبية الساحقة في مدينتي كفرنبل وسراقب بحاجة للمساعدة دائماً، المساعدات الإغاثية لا تصل بشكل دائم حسب ما يقول سكان المدينتين، لذلك فهم بحاجة ضرورية إلى فرص عمل داخل مدنهم.

“التوزيع قلّما يكون عادلاً” يقول أبو حسين (57 عاماً) وهو شرطي منشق في كفرنبل يعمل حالياً سائق أجرة، ويضيف: “عندما ترى أنّ من يملكُ بيتاً وعَمَلاً براتب ثابت يأخذ معونات إغاثية بينما من كان موظّفاً أو شرطياً في الحكومة السورية وجلس في بيته بدون عمل لا يُحسب حسابه ولا حتى بحصة غذائية فاعلم أنّ هناك شيئاً ما خاطئاً”.

يهدف برنامج “سوريا بالأخضر”، بحسب ما يوضح منشوره الدعائي، إلى رفع مستوى العمل في المجالات الإدارية والإنسانية في المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة عن طريق تقديم الدعم الإغاثي ودعم مشاريع الصحة والدفاع المدني والعناية بالبيئة والتعليم. كما يسعى البرنامج إلى دعم المشاريع الصغيرة ورفع كفاءة الأفراد في المجتمع. أمّا الأهداف البعيدة للبرنامج فتندرج ضمن إعادة بناء ثقة المجتمع المحلي والدولي بالأداء الإغاثي للثورة، والعمل على بناء قدرات الشباب السوري وعودة الروح المدنية للثورة ما أمكن وتعزيز الاستقرار الإداري والاجتماعي.

علي الشلاش (22 عاماً)، أحد القائمين على البرنامج داخل سوريا، يقول “اختيار كفرنبل وسراقب كبداية كان على أساس احتياجات هاتين المدينتين بعد الفراغ الحاصل في ساحة العمل المدني”. يضيف الشلاش أن “الهدف الرئيسي، والذي طرحه أنور بنود، هو العمل على دعم المجتمع المدني وتقوية مؤسساته في الداخل لتكون مؤهّلة لممارسة دور السلطة المدنية، سيكون هناك ما يُسمّى بالتدخل الأولي والذي سيكون عبارة عن قوافل مساعدات غذائية وغير غذائية”.

يقول الشلاش أنه لا يوجد مصدر واحد للتمويل، واصفاً الجهات المانحة بأنها تمثل “أصدقاء الشعب السوري” من جهات حكومية وغير حكومية، أُرسلت الدعم إلى الحكومة السورية المؤقتة و”وحدة تنسيق الدعم”. ولكن يلفت الشلاش إلى أن “كلّ من ذكرتهم لا تستطيع أن تعتبرهم قائمين على المشروع، فالبرنامج يمتلك العديد من المشاركين لكن لا توجد جهة قائمة عليه بشكل رسمي”.

اتهامات بالسرقة والتخابر كانت قد وُجّهت إلى برنامج “بالأخضر” من عدة جهات وشخصيات في المدينتين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. من هذه الاتهامات أنّ الجهات المانحة قدّمت ملايين الدولارات والبرنامج لم يدفع منها سوى النسبة القليلة. وأنّ المشروع مموّل من المخابرات الأميركية لأغراض أيديولوجية معاديّة للتوجّه الاسلامي الموجود.

موقع “دماسكوس بيورو” التقى وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة عثمان بديوي، خلال زيارته مدينة سراقب لمواكبة توزيع المساعدات. أجاب بديوي رداً على سؤال حول هذه الاتهامات، بالقول “الدعم الموجّه للبرنامج لم يكن مخابراتياً ولم تكُن هناك شروطاً مخابراتية… فالحدود مفتوحة ومخابرات أيّ دولة عالمية تستطيع أن تصول وتجول في الداخل السوري، لكننا كوزارة إدارة محلية أوعزنا للمجالس المحلية أن يكون التعامل مع المنظمات حصراً عن طريق الحكومة”.

ويتوقع رئيس المجلس المحلي لمدينة سراقب أسامة الحسين (31 عاماً) من البرنامج أن يعود بفائدة كبيرة على المجتمع المدني “ليس فقط في المدينة بل في عموم المناطق المحررة في الشمال السوري”، أما بالنسبة للاتهامات الموجهة للبرنامج فيقول الحسين “لا يوجد شخص في مكان عمل غير معرض للاتهام والتشكيك، توجد عقود واتفاقيات موقعة بين المجالس المحلية والبرنامج و”وحدة تنسيق الدعم”، ومن يريد أن يكيل الاتهامات فليقدّم الدلائل القانونية ويطرحها أمام الرأي العام”.

وفي الختام يتمنى رضا العبودي (25 عاماً) إبن مدينة كفرنبل “أن تستطيع حملات كهذه أن تغطي احتياجات كفرنبل وأهاليها، خاصة أن المدينة تحتوي على عدد كبير من المنشقين والعاطلين عن العمل. المدنيون وصلوا إلى حال من انعدام الثقة تجاه المؤسسات الإغاثية المحلية أو الدولية بسبب التقصير الخارجي تجاه المحتاجين في الداخل”.