سوريات من السجن إلى معتقل العادات والتقاليد
هاديا منصور
“لا يهمني ما يتحدث به البعض عني وسأتابع حياتي الطبيعية مع أولادي وسأدعو الله دائما بأن تنال جميع المعتقلات حريتهن”
(جبل الزاوية- سوريا) تمنّت فيروز الشيخ نجيب في لحظة ما لو أنها لم تخرج من السجن، شعرت بنظرات أهلها التي تحمل اللوم والتشكيك أشد وطأة من التعذيب الذي لاقته في فرع عدرا التابع لسجن دمشق المركزي حيث أمضت ستة أشهر.
فيروز الشيخ نجيب (35 عاماً) واحدة من ثلاث معتقلات من جبل الزاوية نلن حريتهن أخيراً، تقول:” أنا من بلدة حاس وزوجي من كفرومة. هو قائد إحدى الكتائب في الغوطة الشرقية في دمشق، كنت في طريقي لزيارته مع ولديّ عندما أوقفني حاجز القطيفة في دمشق وتم إرسال ولديّ إلى كفرومة”. وتتابع فيروز “سجنت مع محامية ساعدتني كثيراً مادياً ومعنوياً, وبعد أن أطلقوا سراحها عملت على إخراجي من السجن. تم إطلاق سراحي بعد ستة أشهر قضيتها في الزنزانة, لم أتعرض للاغتصاب ولكنني تعرضت للتعذيب”. وتضيف فيروز”شعرت بسعادة عارمة بحريتي وأنا عائدة إلى منزلي، ولكنني فوجئت بفتور الاستقبال من قبل أهلي وعائلة زوجي وكأنني أرتكبت جرماً ما, هم لم يوجهوا لي أي كلام أو نقد ولكن كانت عيونهم تلومني وتهينني. تمنيت لو أنني لم أخرج من السجن لأنني وجدت نفسي أمام سجن أكبر وهو سجن العادات والتقاليد التي لطالما تحكمت بحياتنا”.
تجلس أم سامر (50) عاماً بوجه كئيب وعينين حزينتين أمام باب بيتها المواجه للطريق العام يومياً علها تحظى بأحدٍ يأتيها بخبر ما عن ابنتها المعتقلة سمر (30 عاماً) . سمر مفقودة منذ تسعة شهور. تقول أم سامر: “نحن من قرية بسقلا، ابنتي سمر متزوجة بشرطي من دير سنبل وهي أم لولدين, هما عمّار وأمجد، انشق زوجها عن النظام بعد سنتين على قيام الثورة. تم اعتقال زوج ابنتي عند حاجز الطراف الواقع بين دير سنبل ومعرة النعمان. أرسلوه إلى السجن في دمشق”. وتضيف أم سامر: “سمر لم تتوقف عن البحث عن وسيلة لتزور بها زوجها وتطمئن عليه إلى أن اتت إحدى قريباتها لزيارتها وأخبرتها أنها ذهبت لزيارة زوجها منذ يومين في دمشق وسمحوا لها بزيارته بعد أن قامت بعدة إجراءات , وما إن سمعت سمر هذا الكلام حتى سارعت لتحضير الأوراق اللازمة للسفر وفعلاً سافرت في اليوم التالي إلى دمشق مع زوجة خال زوجها المعتقل أيضاً.”
وتتابع أم سامر”حين وصلتا دمشق نزلتا بضيافة عائلة أحد الأقرباء وفي اليوم التالي بدأتا المعاملات للحصول على بطاقة زيارة, واختفت سمر وقريبتها بعد وصولهما إلى فرع الأمن. وبدأ البحث عنهما من قبل أقربائنا ولكن دون جدوى”. تتوقف أم سامر عن الكلام لبعض الوقت وتتابع “نحن فقراء، إمكانياتنا ضعيفة ووالدها ضرير ويعاني ضعفا في السمع، ولسانه لا ينطق به إلا القليل من الكلمات “. وتضيف أم سامر “ليتني أعلم أين هي الآن وما هي أخبارها، أنا لن احزن إذا علمت بأنها ماتت فالموت حق ولكنني أتألم حينما أفكر أنها تتعذب وتعاني في أحد السجون ولا نستطيع أن نفعل شيئاً من أجلها”.
قمر (22عاماً) من مدينة كفرنبل في سنتها الثالثة قسم جغرافيا في جامعة حلب معتقلة منذ 15 يوماً تقول والدتها أم أحمد (43 عاماً) “هي تذهب دائماً إلى الجامعة دون أن تتعرض لمشاكل ولكن هذه المرة لا أدري ما الذي حدث أثناء عودتها إلى المنزل, صاحب السيارة الذي كانت إبنتي قمر إحدى الركاب معه أخبرني أنهم على حاجز التفتيش التابع للنظام, طلبوا البطاقات الشخصية للركاب بما فيهم بطاقات الفتيات وعندما أخرجت ابنتي بطاقتها الشخصية ونظروا فيها أمروها بالنزول من السيارة”. وأضافت أم أحمد “صاحب السيارة وصديقاتها اللواتي كن معها وجميع الركاب حاولوا سؤال الضابط المسؤول في الحاجز عن سبب أخذها لكنه لم يقدم لهم أي توضيح عن سبب الاعتقال”. وأوضحت أم أحمد “ربما صلة القربى بأحد قادة الثورة كانت سبب الاعتقال، لأن ابنتي لا تقوم بأي نشاطات ضد النظام ولا تخرج إلى الجبهات أو تشارك في المعارك”.
وأضافت أم أحمد “وكّلنا إحدى المحاميات فأخبرتنا بأنها توفيت داخل المعتقل, هي لا تعاني من أي مرض، لا بد أنها توفيت من اثر التعذيب الذي تعرضت له داخل السجن”. وتنهي أم أحمد حديثها “والدها يعاني أزمة نفسية حادة من هذه القضية ويرفض التحدث بها مع أي أحد كان لأن كلام الناس قاسي ولا يرحم”.
الجارة أم عبدو تقول “أعان الله بيت أبو أحمد على هذه المصيبة الكبيرة , من جهة مصيبة اعتقال أبنتهم ومن جهة أخرى كلام الناس الجارح ” وتهمس أم عبدو بصوت منخفض “في الواقع أن أبنتهم ليست ميتة وهي مازالت معتقلة وهم على الأغلب يقولون بأنها توفيت ليمنعوا الناس من التحدث عنها”. وتضيف “بعضهم يقول أنها ربما تعرضت للاغتصاب داخل المعتقل وهذا ما يؤزم وضع عائلتها ويجعلهم يقولون أنها توفيت, وربما تكون قذ توفيت فعلاً لا أدري”.
عبد الستار كفرجومي (50 عاماً) من قرية بسامس من جبل الزاوية جرى اعتقال ابنته ابتسام (20 عاماً) في 28 آب/أغسطس 2013، حين كانت في كلية التربية في جامعة حلب حيث تتابع سنتها الجامعية الثانية. يقول كفرجومي “أسعى بكل الوسائل وبشتى السبل لأعرف أي شيء عن ابنتي ولكي أساعدها على نيل الحرية “. ويضيف”لا يهمني ماذا يقول الناس أنا أعرف من هي ابنتي وإن ما تعرضت له من اعتقال وغيره ليس بيدها وأي فتاة أو امرأة أو أي شخص معرض لهذا الأمر طالما أننا في حالة حرب وثورة عارمة أشعلت البلاد “. وبحسب أكثر من محام وكّله كفرجومي تفيد المعلومات أن ابتسام في سجن فرع 285 في دمشق .
عبد السلام الرحمون قائد لواء الحق إبن قرية جبالا المجاورة لكفرنبل (48 عاماً) يقول لـ “دماسكو بيور”: “قلما نسمع عن فتيات معتقلات لأننا لا نتلقى أي شكاوى من أهلهن وبالتالي هذا يعني عدم إمكانية مقايضتهن مع أسرى النظام لدينا”.
يقول مختار مدينة كفرنبل محمد البيوش (68 عاماً) : “على الأهل ألا يخجلوا من بناتهن لأنهن تعرضن للاعتقال بل عليهم أن يفخروا بهن فهن لم يقمن بأية جريمة تستدعي اعتقالهن ولكن كل ما فعلنه هو أنهن تابعن حياتهن الطبيعية وذهبن لإكمال دراستهن وأعمالهن مناضلات ومتحديات بذلك كل الظروف والمصاعب فتم اعتقالهن من قبل هذا النظام المجرم الذي لا يفرق بين امرأة ورجل وطفل ومسن”.
“لا يهمني ما يتحدث به البعض عني وسأتابع حياتي الطبيعية مع أولادي وسأدعو الله دائما بأن تنال جميع المعتقلات حريتهن” هذا ما قالته فيروز عندما أنهت حديثها .