سوريات في صفوف الدفاع المدني
إحدى المسعفات تعاين طفلة في مركز الدفاع المدني السوري في معرة النعمان
"كان لا بدَّ من مشاركة المرأة في مجال الدفاع المدني... فهي تندفع بعاطفتها لتمد يدَّ العون والمساعدة، إضافةً إلى وجود حالاتٍ نسائية حرجة أثناء القصف تتطلب وجود المنقذات"
لم تكن عبير (31 عاماً) لتتخيل نفسها يوماً بلباس الدفاع المدني السوري، لكن الهدف النبيل في إنقاذ الأرواح دفعها إلى ذلك.
عبير ابنة معرّة النعمان، تقول عن هذه التجربة: “واجهتُ في البداية صعوباتٍ كثيرة، أولها الخوف والتأثر بالمشاهد المأساوية التي نعيشها، ولكنني تحلّيتُ بالشجاعة والصبر والإصرار، فتمكّنت من التكيُّف مع الواقع وتخلّيتُ عن خوفي لأداءٍ مهامٍ نبيلة وسامية.
كما واجهتُ غبير صعوبة في تقبُّل جزء من المجتمع لفكرة عمل النساء في الدفاع المدني، إذ بدت لهم فكرةً غريبةً لأن هذه المهمة يُعتقَد أنهُا مخصَّصة فقط للرجال وتحتاج للشجاعة والقوة التي يتصف بها الرجال.
تُصيف عبير: “كثر شككوا بقدراتنا على تحمُّل صعوبة العمل، ولكننا أثبتنا كفاءتنا في مواقفٍ كثيرةٍ، وفي أصعب الظروف حتى باتت عائلاتٌ كثيرة اليوم تشجّع بناتها على الانضمام إلى الدفاع المدني”.
من المواقف المؤثّرة التي تتذكّرها عبير والتي لا يمكن أن تفارق ذاكرتها، حادثة الطفلة عامرة من قرية جرجناز وكان عمرها 10 سنوات. نجت مع أخيها بعد غارةٍ جوية استهدفت منزلهم في القرية، لتجد نفسها بين الغبار الممزوج برائحة البارود والدم… تخدّرت قدما عامرة العالقتَين تحت الأنقاض من شدة الآلم، وحينها تمكّنت المنقذات في الدفاع المدني من القيام برفع الركام عن قدميها وإسعافها إلى إحدى المشافي الميدانية.
تقول عبير: “لا يمكنني أن أنسى دموع الألم والحزن في عينَي الطفلة، وموقف أخيها الذي بكى بحرقةٍ عليها، وفي آن كان يحاولُ قول عباراتٍ ليصبّرها ويدعوها للتحمُّل”.
ويجمع بين أفراد الدفاع المدني بشكلٍ عام، والنساء من بينهن، هدفٌ واحدٌ، وهو مساعدة الناس ومحاولة رفع أعباء الحالات الإنسانية الصعبة التي يعيشها بعض الأهالي. وقد صار للدفاع المدني السوري، مراكز خاصة بالنساء.
مدير الدفاع المدني في محافظة إدلب مصطفى الحاج يوسف ( 39عاماً)، يتحدّث لحكايات سوريا عن دوافع افتتاح المراكز النسائية، ويقول: “إنّ الظروف الصعبة التي نعيشُها تتطلّب مشاركة الجميع في عمليات الإنقاذ والإسعاف بعد كل عملية قصف، لذا كان لا بدَّ من مشاركة المرأة في مجال الدفاع المدني… فهي تندفع بعاطفتها لتمد يدَّ العون والمساعدة، إضافةً إلى وجود حالاتٍ نسائية حرجة أثناء القصف تتطلب وجود المنقذات“.
وبحسب الحاج يوسف تم افتتاح تسعة مراكز في إدلب وريفها، وسوف يُستكمل افتتاح بقية المراكز خلال فترةٍ قصيرة إلى أن تصل إلى 14 مركزاً. ويضمُّ كلٌّ منها 8 متطوعات من ذوات الخبرة والشهادة العلمية في التمريض، يتم اختيارهن ضمن مسابقة.
ويُضيف الحاج يوسف: “تخضعُ النساء المسعفات لدوراتٍ من أجل تطويرِ قدراتهن في التعامل مع الحالات الصعبة وتقديم الإسعاف الطبي في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى تدريبهن على عمليات البحث والإنقاذ”.
نرمين الحسن ( 27عاماً) من قرية تلمنس في ريف إدلب انتسبت إلى الدفاع المدني لتساعد الناس وتخفّف من آلامهم. تتحدّث لموقعنا عن عملها قائلةً: “لا شيء يُفرحُنا أكثر من مشاهدة يدٍ تتحرّك بين ركام الأنقاض أو سماع زفرةٍ تتحدّى الموت، غير مُبالين بالموت الذي قد يتربّص بنا أيضاً…”
وتضيف الحسن “نحنُ أولُّ مَن يهرعُ إلى مكان القصف لإزالة الأنقاض والبحث عن ناجين، وقد يتم استهداف ذات المكان بغارةٍ ثانية، ممّا يعرّض حياتنا للخطر، لكنّ الصعوبات والأخطار لن تعيقنا عن مزاولة عملنا الإنساني… فنحنُ مستمرّون.”
وتلفت الحسن إلى أنّ المراكز النسائية تقدّم أيضاً الخدمات الصحية والإسعافات الضرورية للنساء والأطفال كمداواة الجروح والحروق، والكشف عن أمراض سوء التغذية، إضافةً إلى معالجة مرض اللشمانيا الجلدية الذي ينتشرُ بكثرةٍ بين الأهالي في الصيف، ومراقبة حالات النساء المصابات بأمراض الضغط والسكري.
عضو المجلس المحلي في قرية تلمنس جابر المصطفى (36 عاماً) يقول: “لا يقل دور المرأة البطولي عن دور الرجل خلال سنوات الحرب، حيثُ تعمل النساء بشجاعة لإنقاذ الأرواح تحت النار، وتتحدينَ القصف والدمار”.
ويضيف جابر: “إنَّ قوة الإرادة لنساء الدفاع المدني، تشكِّلُ دافعاً للنساء الأخريات للانضمام إلى هذا العمل المحفوف بالمخاطر… فهنَّ يقارعنَ الموت وجهاً لوجه ويسهرنَ على راحة المدنيين الأبرياء، كما يفعل زملاؤهم”.
أصيبَتْ السيدة أم عادل (39 عاماً) من معرة النعمان بجروحٍ وحروقٍ نتيجة انفجار مدفأة الغاز في منزلها، فتمكنت نساء الدفاع المدني من مداواة حروقها والإشراف على حالتها حتى تماثلت للشفاء.
تروي أم عادل عن تجربتها مع نساء الدفاع المدني، بالقول: “إنَّ وجود النساء المنقذات في مجتمعنا المحافظ غاية في الأهمية، نظراً لإمكانية قيامهن بمداواة النساء المصابات، وسهولة زيارة البيوت والمدارس لتقديم المساعدات الطبية والنفسية والتوعية الصحية”.
وتشكرُ أم عادل نساء الدفاع المدني اللواتي “سمت أخلاقهن وارتفعت إلى المستوى البطولي الرفيع، وكنَّ اليد الرحيمة الحانية التي تلمس برفق الجسد القادم من الموت للعودة به إلى ضفة الحياة”.
تقف النساء إلى جانب الرجال في صفوف الدفاع المدني، وتقمنَ بالواجبات ذاتها… وبعضهن تتخلينَ عن الخوف، وتتحدين نظرة بعض أطياف المجتمع، وربما تخاطرنَ مع أنهنَّ شابات أو ربما أُمهات، ولهنَّ مسؤوليات أُخرى… تكبرُ المسؤوليات لتسطّر نتيجة واحدة… نساء سوريات رائدات في زمنِ الحرب.