سرّ نسب فضحته الحرب
"بقي فترة وهو يعيش صراعه بنفسه متخبطاً بين ماضٍ وحاضر ومستقبل لا يعلم مصيره، الصراع بين فقر والدته وثراء والده الذي ما إن رآه حتى أنكره دون أن يثبت صدقه من كذبه."
وحدها الحرب هي من كانت السبيل لمعرفة هويته ووطنه الأم. وحده الخوف هو من منعها من قول الحقيقة ووحده أيضاً من أجبرها على الاعتراف لاحقاً …
سعاد سيدة سورية، ضحية من ضحايا الزواج المبكر. تزوجت من رجل أردني يكبرها بعشرين عاماً، بقرار أخذه أهلها يومها. ليخففوا من حملهم ومسؤوليتهم كما قالوا. انتقلت للعيش معه في الأردن حيث أقامت في نفس المنزل مع زوجته الأولى وأبناءه وهم في مثل عمرها تقريباً.
بين مسؤوليتها كخادمة وزوجة ومربية أمضت سعاد غربتها. لم تكمل عامها الأول حتى انفصلت عن زوجها الذي لم يتوقف عن ضربها وشتمها وإهانتها. لم تكن تدرك حين عودتها بأنها حامل بطفله. وخوفاً من العودة إليه أو حرمانها من ولدها أخفت هذا الأمر هي وعائلتها.
شاءت الأقدار انها حينما عادت التقت مجدداً بشاب من أبناء حيها المتواضع. كان يحبها قبل أن تتزوج. لم يكن مستعداً يومها للزواج منها أو ربما لم يكن يصدق أنه من الممكن أن هذه الطفلة قد يقبلون أهلها أن يزوجوها.
حب بريء جمعهما ثانيةً، فعرض عليها الزواج خوفاً من خسارتها مرة أخرى، كان على استعداد أن يفعل المستحيل لأجلها، حينها اعترفت سعاد بسرها لمؤيد علها تبرر عدم قدرتها الاقتران به، أو ربما ليستر حملها ويساعدها في إخفاء سرّها.
وافق مؤيد على شرط سعاد، وتقدم لأهلها طالباً يدها ومشاركاً لهم في ما يخفونه. وتزوج منها سريعاً، وسافرا إلى مدينة أخرى ريثما تلّد وليدها. وعادت سعاد إلى حيّها وفي حضنها طفلها الأول. أسمته غسان وحمل اسم عائلة مؤيد كما اتفقا.
عاش غسان في كنف سعاد ومؤيد بسعادة وحنان 20 عاماً. لم يكن يشعر يوماً أن والده الحقيقي هو شخص آخر. الحياة تحمل في جعبتها الكثير من المفاجآت غير المتوقعة. شاءت الأقدار أن تحمل سعاد دون أي تخطيط مسبق وترزق بطفلين.
بسبب الحرب في سوريا أصبح غسان مضطراً لأداء خدمة العلم، كونه لم يعد وحيد أسرته. وخوفاً عليه من الذهاب للعسكرية، اضطرت سعاد للاعتراف له بسرها، علّه يذهب لوالده ويحمل اسمه وجنسيته.
فوجئ غسان بما سمعه من والدته ورفض طلبها السفر لوالده. لكن تحت ضغط وإقناع منها وافق على ذلك. استدان تكاليف رحلته وسافر إليه، أنكر والده نسبه وتخلّى عن المسؤولية رافضاً حتى فكرة إجراء فحص تحديد النسب، ليس هو فقط بل إخوته الذين رأوا فيه شخصاً غريباً سيدخل حياتهم.
عاد إلى والدته وهو يحمل خيبته في حقيبته مدهوشاً مما حدث، بقي فترة وهو يعيش صراعه بنفسه متخبطاً بين ماضٍ وحاضر ومستقبل لا يعلم مصيره، الصراع بين فقر والدته وثراء والده الذي ما إن رآه حتى أنكره دون أن يثبت صدقه من كذبه
مرّ وقت من الزمن وغسان على حاله يمكث في عزلته دون أي ردة فعل. وحدهما الانتظار والصمت لازماه إلى حين تلقى اتصالاً من أخيه الأكبر يطلب منه القدوم لإجراء الفحوصات لأن والده بحالة صحية سيئة، ويخاف الموت قبل أن يبرأ ضميره. وخصوصاً انه في بلد يعاني حرباً ولولا حدوثها لما ذهب إليه أو كُشف أمره. وبالفعل وافق للسفر مرة أخرى ليقطع الشك باليقين وليثبت لنفسه قبل والده أنه ابن تلك العائلة وذاك الوطن.
فور وصوله إلى الأردن أجرى فحوصات تحديد النسب وظهرت النتيجة بأنه ابن ذاك الرجل الثري الذي تزوج بفتاة صغيرة من خارج وطنه. أعيد نسب غسان إلى والده الحقيقي واستقر بجانبه وشيئاً فشيئاً ابتعد عن فقره قبل ماضيه ليغوص في ثراه وحاضره ومستقبله ناكراً ومتناسياً من وقفوا بجانبه في الماضي …..
سرّ أخفته سعاد علّها تحمي ولدها لكنها لم تكن تعلّم أن القدر سيأخد ولدها منها، ليس المهم ما فعله غسان أو ما يفكر به … لكن تبقى مصائب قوم عند قوم فوائد .
لانا صلاح (30 عاماً) من دمشق صحافية مهتمة بقضايا المرأة والطفل.