زواج القاصرات جريمة بحق الطفولة السورية

في مقر منظمة بارقة أمل النسائية ندوة حول مخاطر زواج القاصرات.

تعيش الطفلة عهد (15 عاماً) حالة من القلق والخوف، بعد أن عقد والدها قرانها على شاب تقدم لخطبتها. هو شاب يكبرها بـ 11 عاماً. أريد لعهد أن تترك المدرسة لتتحمل مسؤولة بيت وزوج والتزامات سبقت عمرها بكثير.

ليست عهد الوحيدة في هذه المعاناة.فقد تحول زواج القاصرات في سوريا إلى ظاهرة، وذلك نتيجة تحكم ظروف الحرب بأقدار السوريين، فضلاً عن غياب الوعي وقصور دور منظمات المجتمع المدني في نشر التوعية حول مخاطر هذا الزواج.

الوضع الأمني والمعيشي دفع بالكثير من العائلات السورية إلى السعي للتخلص من بناتهن عبر ما يسمى “الزواج والسترة” وتقديمهن لطامع أو ثري، معظمهم متزوج أو متقدم في السن مقابل ما يدفع من مهر. 

تقول عهد: “لم أكن أعرف عن الزواج غير ارتداء الثوب الأبيض ولبس الحلي، وفجأة كان علي التأقلم مع متطلبات الزوج وأهله، مما جعلني أمر بظروف صعبة للغاية قبل أن أتأقلم مع حياتي الجديدة”.

ويرغب بعض الآباء بالحفاظ على بناتهن بالزواج، نتيجة الظروف الأمنية الصعبة في سوريا، وخوفاً عليهن من التعرض للاعتقال أو الاختطاف.

زوّج بناته الثلاث في سن مبكر أبو وائل (45 عاماً) يوضح لحكايات سوريا سبب ذلك بقوله: “ليست هناك مشكلة في هذا الزواج، وهو ليس محكوماً بنهاية فاشلة، لأن الشهادات العلمية تعلق على الجدران، والفتاة ليس لها سوى منزل زوجها في النهاية مهما كثرت شهاداتها”. 

وتتفاقم ظاهرة زواج القاصرات في مخيمات النزوح واللجوء بشكل خاص، حيث الفتيات لا يذهبن إلى المدرسة، فالمدارس بعيدة ولا اهتمام بالتعليم لدى النازحين واللاجئين الذين أكبر همومهم تأمين متطلبات الحياة بسبب انتشار البطالة والفقر. ويسكن أفراد الأسرة جميعهم في خيمة واحدة، فيستغل طالب الزواج ذلك من خلال تقديم الوعود الوردية من أموال وملابس وحياة كريمة ستعيشها العروس في بيته بعيداً عن حياة الفقر داخل المخيم .

أمل (15عاماً) نزحت مع أسرتها من ريف حماة إلى المخيمات الحدودية، تحذر جميع الفتيات من الوقوع فريسة الزواج المبكر. وعن ذلك تقول: “الحرب غيرت مجريات حياتنا، فبعد موت والدي وتهدم منزلنا اضطررت للزواج وأنا طفلة ليتخلص أهلي من مصروفي، ورغبة منهم بالستر علي في منزل زوجي. ولكنني لم أكن على دراية بحقوق الزوج أو كيفية التعامل معه، فكان مصيري الطلاق بعد سنة من زواجنا الذي كان ضحيته الأكبر الطفل الذي ينمو في أحشائي، ليولد في أسرة مفككة دون ذنب”.

وعلى الرغم من تشريع القانون السوري لزواج القاصرات، إلّا أّن أغلب عقود الزواج تتم خارج المحاكم. ويتم الاكتفاء ب”كتاب الشيخ”أو الكتاب العرفي وهو لا يعتبر عقد زواج يمكن اعتماده قانونياً لإثبات حقوق المرأة في الحصول على مهرها. ولا يعتمد كوثيقة لتسجيل الأولاد والحصول على شهادة ميلاد تسمح لهم بالدخول إلى المدرسة أو الحصول على بطاقة شخصية في المستقبل. كما يحرم المرأة من جميع حقوقها في حال وقعت التفرقة بين الزوجين.المرشدة الاجتماعية عائشة الخمورة (33 عاماً) من معرة النعمان تتحدث عن مخاطر زواج القاصرات وتقول: “هي مشكلة في سوريا وانتشرت بشكل كبير خلال سنوات الحرب، بسبب الظروف التي فرضت على الأهل، فالفقر والتشرد والنزوح من مكان إلى آخر دفعهم إلى تزويج بناتهم لأول طالب لهن، بغض النظر عن كونها قرارات خاطئة يكون الفشل نهايتها لتتضاعف المأساة وتكبر”.

وتنبّه الخمورة من “أن الزواج المبكر يؤثر كثيراً في عملية التربية، حيث تكون الأم صغيرة ولن تستطيع أن تقدم لطفلها ما تقدمه الأم الناضجة. ناهيك عن الآثار السلبية التي تعيشها القاصر المتزوجة والتي قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية تتحول في الكبر لأمراض خطيرة مثل الاكتئاب والفصام”.

من جهة ثانية تتناول الطبيبة أسماء الحسين (39 عاماً) من ريف إدلب المخاطر الصحية للحمل والإنجاب والأمومة المبكرة على القاصرات وتقول: “كلما صغر عمر الأم زادت المخاطر، حيث تلحق الأمراض البدنية بالفتيات اللواتي يقعن في براثن الزواج المبكر، كما تعتبر مضاعفات الحمل والولادة هي السبب الرئيسي للوفاة بين الفتيات في الفئة العمرية بين 15 و19 عاماً”.

وتضيف الطبيبة الحسين: “من أهم المضاعفات التي تصيب القاصرات هو تسمم الحمل وضعف الجنين، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم أثناء فترة الحمل وبالتالي ارتفاع نسبة الوفيات للأطفال حديثي الولادة. كما أن تسمم الدم أثناء الحمل يؤدي أيضاً إلى مشاكل تسبب ارتفاع نسبة وفيات الأمهات. وبالمقابل فإن الفتيات اللاتي يتزوجن في وقت لاحق ويؤخرن الحمل إلى ما بعد سن المراهقة تتاح لهن فرصة أكبر للتمتع بصحة أوفر، وبناء حياة أفضل لأنفسهن ولأسرهن”. سلمى (14 عاماً) من معرة النعمان تزوجت قبل 6 أشهر وتعرضت للإجهاض مرتين على التوالي وعن ذلك تقول: “تعرضت للإجهاض ولكن زوجي يحب الأطفال وعلي أن أتعالج لإتمام الحمل، لكن الطبيبة المعالجة أكدت بأن علي أن أتوقف عن الحمل لمدة ثلاث سنوات لصغر سني”.

ورغم أن سلمى لم تستطع تحقيق حلم زوجها بأن يكون أباً إلا أنها أكثر حظاً من فاطمة التي فارقت الحياة بعد حملها الأول. لأن جسمها لم يكتمل ليكون مؤهلاً ليحمل داخله حياة أخرى، توضح والدة فاطمة ما جرى: “زوجت ابنتي في سن الـ 15، وبعد ذلك عانت من مشاكل صحية بسبب حملها في سن مبكر، لكونها بالأساس تعاني من أزمة صحية بسبب بنية جسمها النحيل”.

تصمت الأم قليلاً وتضيف بصوت تخنقه غصة وحسرة: “ساءت حال فاطمة خلال الأشهر الأخيرة من الحمل، وبعد ولادة معسرة تم إسعافها إلى تركيا بحالة حرجة، حيث بقيت في غيبوبة حتى فارقت الحياة”.

سوسن السعيد إحدى الإداريات في منظمة بارقة أمل النسائيةوحول انتشار الظاهرة تقول: “نجد فتيات يمتلكن من البنية والإدراك ما يجعلهن مناسبات للزواج، وكثيراً ما نجد العكس يجبرن على الزواج المبكر بسبب العادات والتقاليد التي تعتبر تجاوز عمر العشرين عاماً يعني دخول مرحلة العنوسة بالنسبة للفتيات. ولكن السبب الأكبر هو غياب معيل الأسرة لموت أو اعتقال، الأمر الذي يدفع الأم إلى تزويج بناتها لتخفيف المسؤولية عنها، فضلاً عن ترك الفتيات لمقاعد الدراسة بسبب ظروف القصف والتهجير.”

وتشير السعيد إلى أن المنظمة تحاول التوعية حول مخاطر الظاهرة من خلال عقد الندوات التوعوية، ولكن الحل يكون بزوال المسبب، والتحاق الفتيات بمقاعد الدراسة، وتوفير غطاء مادي للأسر الفقيرة يكفيها العوز والحاجة، إضافة إلى نشر التوعية من منظمات المجتمع المدني.

فتيات بعمر الزهور، يتركن مقاعد الدراسة وساحات اللعب ليتحولن إلى رقم جديد في ملف زواج القاصرات الذي يسرقهن من تعليمهن وصحتهن، ويحصر دور المرأة في حدود دورها الإنجابي، مع تهميش دورها في العملية التنموية .