روعة التي تعيل زوجها المريض وطفلها

روعة خلال ورشات التدريب تصوير هاديا منصور

أحبت روعة (25 عاماً) زوجها أحمد (28 عاماً) كان زواجهما تقليديا، “الحب يأتي بعد الزواج” هكذا قالت لها أمها. عاشت معه أياماً سعيدة وتعلقت به وأنجبت منه طفلاً.

حين انشق عن جيش النظام، توجهت معه نحو المناطق المحررة. استقر بهم المطاف في مدينة كفرنبل، هناك في منزل يخلو من كل وسائل الراحة عاشت روعة. كانت الغرفة صغيرة وبدت الحجارة الذي بنيت به واضحة. الأرضية كانت خشنة والمطبخ دون حنفيات أو رفوف، حتى الأبواب والنوافذ كانت غائبة.

ولم يكن في المنزل أي خزان للمياه، وهو ما كان يضطر بروعة أن تحمل وعاءً لجلب المياه من المنازل المجاورة. اعتادت أن تحمل المياه يومياً، بجسدها الضعيف والنحيل للقيام بأعمال المنزل وسد احتياجات عائلتها. وما دفعها لقبول العيش في هذا المنزل أنه بالمجان، في ظل فقر زوجها وتوقفه عن عمله.

حاول أحمد مراراً وتكراراً أن يجد عملاً يحسن من خلاله أوضاع عائلته ولكن عبثاً كان يحاول. اضطر أن يعتاش فقط على السلة الإغاثية الذي كان المجلس المحلي يمنحها لهم شهرياً. وكانت روعة راضية رغم صعوبة حياة روعة وشعورها بالوحده طوال الوقت، لعدم وجود أقرباء لها بقربها في المنطقة التي نزحت إليها. وكانت تشكر الله أنها مع زوجها وابنها، عائلتها الصغيرة كانت أغلى ما تملك.

استيقظت روعة ذات صباح لتجد حرارة طفلها مرتفعة، ما كان منها إلا أن تطلب إلى زوجها إحضار دواء خافض حرارة من أي صيدلية قريبة. ركب الزوج دراجته النارية التي اعتاد أن يستعين بها على جلب الحاجيات من البلدة.

خرج أحمد ذاك النهار لكنه تأخر ولم يعد. انشغل بال روعة يومها على زوجها وما الذي يمكن أن يكون قد حدث له. جلست تنتظر لساعات وساعات دون أي خبر عنه، وقررت البحث عن زوجها بعد أن أمنت ابنها عند إحدى الجارات التي ساعدتها في تخفيض حرارة الطفل.

لم تعلم روعة حينها كيف لها أن تجد زوجها. في مدينة عدد سكانها تجاوز الـ 40 ألف نسمة كيف لها أن تعلم عن زوجها أي شيء. قررت أن تقصد المشافي وبالفعل قيل لها أن أحد الأشخاص يشبه مواصفات زوجها تعرض لحادث سير مع سيارة دهسته ولاذت بالفرار.

تغير وجه روعة وكاد قلبها أن يتوقف قبل أن تعلم أن زوجها تم إسعافه إلى أحد المشافي التركية، حالته كانت حرجة ولا سبيل لعلاجه في مشافي الداخل التي تفتقر إلى الأخصائيين والمعدات. لم تستطع الذهاب إلى المشافي التركية لتطمئن على وضع زوجها الصحي. وما كان منها نتيجة فقرها وقلة حيلتها إلا انتظار خبر يطمئنها عن زوجها المصاب.

مضى على فراق روعة لزوجها أحمد قرابة الشهرين قضتهما خائفة وحيدة باكية: “لا يمكن لأحد ي أن يشعر بألمي في تلك الفترة. حتى أهلي ألحوا عليّ بالعودة إليهم في حماة بعد غياب زوجي، لكنني كنت أرفض لأملي بعودته سالما،. فقد صعب علي أن يعود ولا يجدني بانتظاره”.

تذكر روعة يوم وصلت سيارة نقل صغيرة إلى أمام المنزل وإذا بزوجها وقد عاد إليها. تركض فرحة لتحضنه لكنه يعاملها بجفاء. وكأنه لم يعرفها يوماً. علمت لاحقاً من الممرض الذي كان بصحبته أنه فقد الذاكرة وقد كانت إصابته في رأسه وأصيب بما يشبه الصرع.

عاد أحمد كطفل صغير بحاجة لمن يساعده على الأكل واللبس وقضاء حوائجه. لم يعد لطيفاً مع روعة بل عصبي المزاج وسرعان ما يغضب و ينهال عليها ضرباً. ومع ذلك قررت ألّا تتخلى عن زوجها ووالد طفلها، لأن ما ينتج عنه من أفعال ليست بيده بعد أن غدا مريضاً.

كان أحمد يتناول دواءً يساعده على الهدوء حين يمر بحالة هياج وغضب، وقد صعب على روعة تأمين الدواء له. هي التي كانت لا تعلم كيف يمكن أن تحصل على قوت يومها.فقررت الخروج والبحث عن عمل. أي عمل شريف تستطيع من خلاله إعالة طفلها وزجها المريض.

وبعد عده محاولات وجدت أخيراً من ساعدها بالحصول على وظيفة في مركز نسائي كمساعدة ومشرفة على الدورات التدريبية، وبراتب جيد. خلال دوامها اليومي تعّلمت روعة بعض المهن التي أخذت تمارسها بالمنزل. كنسج الصوف وصناعة القطع الفنية.

بدأت روعة تنتج وتتحسن حالتها المادية. استطاعت شراء خزان مياه ليغنيها عن نقل المياه باستمرار. وتمكنت من إحضار الدواء لزوجها المريض وتلبية احتياجات طفلها.لم تعد روعة تبكي باستمرار لضيق حالها بل قررت الخروج من تلك القوقعة الفارغة ونجحت في تحقيق بذلك.