رغم وعدي لزوجي المعارض استفتيت بنعم على بشار
كان قدري أن أتزوج ذاك الشاب الذي بايع الرئيس بشار الأسد ثلاث مرات، ليصبح اليوم من أشد المعارضين له ولنظامه.
كان طالباً جامعياً في جامعة تشرين في محافظة اللاذقية. يوم تجديد البيعة لبشار الأسد في شهر أيار/مايو في العام 2007، بايعه بالدم في حرم الجامعة (تقليد بين شباب اللاذقية، للتعبير عن مدى محبتهم لرئيسهم). في نفس اليوم وفي موقف السيارات، وقبل خروج الميكرو باص الذي كان سيقلّه من الموقف إلى بلدته، طلبوا منه أن يبايع الرئيس، قال لهم بايعته بالدم في حرم الجامعة، قالوا له: “وإذا بايعوا مرة ثانية، يجوز أن تبايع مرتين، الرئيس بيستاهل”. وعند وصوله إلى معرة النعمان بريف إدلب طلب منه المبايعة أيضاً فبايع مرة ثالثة.
عقب الثورة التي اندلعت في العام 2011 جرى استفتاء واحد على بشار الأسد كان في العام 2014، حينها كنت طالبة جامعية في كلية التربية في جامعة إدلب. جرت العادة أن يجرى الاستفتاء على الرئيس في موعد الامتحانات الفصلية الثانية، ربما ليكون هناك إقبال أكبر من قبل الطلاب الجامعيين على الاستفتاء.
لكن الاستفتاء العام 2014 لم يكن كالاستفتاء السابق الذي حصل فيه بشار الأسد على 99%، من الأصوات. أعتقد أن هذا الاستفتاء لم يجر فيه فرز للأصوات حتى. استفتاء عام 2014 كان له وضع آخر. البلاد مقسمة بين المعارضة والنظام، إدلب المدينة كانت تحت سيطرة قوات النظام، وريف المحافظة تحت سيطرة فصائل المعارضة المختلفة، إسلامية وجيش حر.
المعضلة كانت الشائعات التي انطلقت قبل الاستفتاء عن كون النظام سيقوم بتسجيل جميع أسماء الطلاب والموظفين الحكوميين والمدنيين الذي استفتوا على الرئيس بنعم، ومن لم يشارك سيتم فصله من الجامعة أو الوظيفة. في الطرف الآخر كانت المعارضة تهدد الموظفين والطلاب الذين سيشاركون بالاستفتاء.
وقعت أنا بين مخاطر الذهاب إلى إدلب لأقدم امتحاناتي وبين عدم ذهابي خوفاً من أن أفصل من الجامعة. كان قراري النهائي هو الذهاب وعدم الاستفتاء على الرئيس، كان ذلك وعدي لزوجي، الذي كلما اشتد النقاش بيننا حول لزوم عدم الاستفتاء، كنت أذكّره باستفتائه بالدم على الرئيس.
قررت مع صديقاتي الذهاب إلى الجامعة قبل عشرة أيام من الامتحانات خوفاً من أن تقطع المعارضة الطرقات. في مدينة إدلب كانت الاحتفالات شبه يومية، وكثيراً ما تنتهي بالهرب بسبب قذائف المعارضة.
اقترب يوم الاستفتاء لم يعد هناك احتفالات، خوفاً من القذائف، مع ذلك كانت تقام في الجامعة ندوات عن “ضرورة محاربة الإرهاب، واختيار الرئيس بشار الأسد الذي يدافع عنا”.
في صباح يوم الاستفتاء، بدأت قذائف المعارضة تسقط على المدينة. كنا في حرم الجامعة، لجأنا إلى الطابق الأرضي. هدأت القذائف عند الظهيرة، وكنا ننتظر موعد المادة لكي نقدم الامتحان ونعود إلى المنزل. بعد الانتهاء من الامتحان خرجنا عائدين إلى المنزل. وكانت المفاجأة، قناة الدنيا التابعة للنظام تقوم بتصوير عملية الاستفتاء في الجامعة. لقد وعدت زوجي بعدم الاستفتاء. حاولت الهرب من الاستفتاء دون جدوى، رأيت الكثير من البنات اللاتي لا يرغبن في الاستفتاء، مع ذلك همست إحداهن بأذني “صوتك ما رح يقدم ولا رح يأخّر، النتيجة معروفة، بقا اكسبي جامعتك”. كانت تلك الكلمات مقنعة جداً، هو سينجح استفتيت أم لا، لذلك تقدمت واستفتيت “طبعاً بنعم”، كحال جميع الموظفين والطلاب الخائفين على وظائفهم وجامعاتهم.
بعد عدة أيام عدت إلى المنزل، في الطريق سألنا حاجز النظام هل استفتيتم، أجبنا بابتسامة نعم. وحين سألنا حاجز المعارضة هل استفتيتم، أجبنا “أعوذ بالله لا”، لم يقتنعوا مع ذلك تركونا نمر.
عند وصولي إلى المنزل نظر إليّ زوجي وسألني قبل الاطمئنان على وضعي: “استفتيتي؟”، أجبته مازحة: “نعم بالدم”. لم يعلّق على الموضوع. استغربت عدم تعليقه، استفسرت منه، فقال لي: “كنت أعلم رغم وعدك لي أنك ستقومين بالاستفتاء. ولكن هل صوتك له قيمة عند النظام؟”.
مريم محمد (23 عاماً) متزوجة أم لولد واحد طالبة تربية في السنة الرابعة في جامعة إدلب، اضطرت لترك جامعتها بسبب المعارك بين الثوار والنظام.