رسالة ثانية إلى بشار الأسد
رسالتي هذه الثانية بعد رسالتي الأولى لك قبل سنوات، كنت قد طلبت فيها من “سيادتك” أن تفرج عن الدكتور عارف دليلة السجين عندك بسبب مرضه وكبر سنه. يومها طلبت منك الإفراج عن الدكتور عارف مقابل أن تضعني بدلاً عنه في السجن إذا إقتضى الأمر. وفعلاً فقد إستجبت لطلبي ووضعتني في السجن “مع” عارف دليلة! ولم تفرج عن الرجل المريض الذي بعمر والدك بل زدت في سجنه حتى السبع سنوات ونصف، وبقيت أنا في السجن لأربع سنوات مضافاً لها خمسين يوم “حبة مسك” وأنتم المعروفون بكرمكم الحاتمي فيما يخص السجن والتعذيب والقهر.
وكما تلاحظ من العنوان فقد رفعت الكلفة بيننا، ليس لأننا أصدقاء لاسمح الله، وليس لأننا أقرباء، وليس لأننا من حزب واحد أو عقيدة واحدة، ولكن لأنك فقدت إحترامك للأسف، ليس عندي فقط، ولكن عند كل السوريين الذين يعرفون ما يجري في سورية ويملكون ضميراً أو حداً أدنى من الإحساس البشري، فقدت إحترامك بالنسبة لكل البشر الذين يعرفون ما يجري في سورية، بل لقد فقدت إنسانيتك وضميرك البشري وليس المهني فقط، فكيف لي أن أحترمك بعد اليوم وأنت تقول عن نفسك أنك “الرئيس” وبالتالي لست مسؤولاً عن الجيش والأمن؟
أولاً أنت تدين طرفاً خفياً بما يفعله الجيش والأمن من جرائم بحق الشعب السوري، حينما تتبرّأ منهما، وثانياً أنت تصرح بأمور بعيدة عن الواقع يا حضرة طبيب العيون، فالرئيس في سورية، الجمهورية الوراثية، يملك كل شيء، وبيده كل شيء، حتى رقاب البشر في بيوتهم. ليتك كنت ملكاً على سورية، لكنت تملك الأشياء وليس البشر، لكنت تملك الكنوز وليس الجيش والأمن. لو كنت كذلك لاعترفنا بأنك رئيس-ملك ولا علاقة لك بالجيش والأمن، ولكن لأنك لست كذلك، لأنك تملك كل شيء وأنت الحاكم المطلق على كل ما يتحرك ويتنفس في سورية فأنت تدلي بتصريحات خيالية. وقد يقول لك عضو في برلمانك الزائف أنك يجب أن تكون رئيساً للوطن العربي والعالم، فتصدّق ذلك، ولكن لماذا لا تصدّق من يقول لك أنك تضر سورية وتقود بلدك إلى الهاوية.
إعذرني وليعذرني شلة محبيك المنافقين أو المصلحجيين أو المجرمين أو العميان لأني قلت عنك أنك تضر بمصالح بلدك وشعب هذا البلد، فلست أنا من يقول ذلك، لكن توقيعك الكريم على كل طائرة ودبابة ومدفعية تقصف درعا وحمص وحماة وإدلب ودير الزور، توقيعك على كل تحرك للجيش يقتل الأمهات والنساء السوريات والشبّان والأطفال السوريين، صمتك عمّا يجري في سورية هو من يقول ذلك.
هل نخبرك يا حضرة بشار الأسد أن هذه المدن تنتمي إلى وطن إسمه سورية وأن الآلاف من القتلى من المدنيين السورين والسوريات هم من قاطني ومواطني الجمهورية العربية السورية؟ يفترض بك لو كنت رئيساً لسورية، أن تتحمل مسؤلياتك عنهم ولو كنت رئيساً قانونياً لسورية لقدّمت إستقالتك بعد مقتل أول طفل في درعا، حمزة الخطيب الذي تمّ تقطيع أعضاءٍ من جسده بطريقة وحشية.
أنت مسؤول عن الجيش والأمن ولكنك لست رئيساً لسورية لا بالمعنى الدستوري ولا بالمعنى الأخلاقي والإنساني. لن نقبل بأقل من خروجك من القصر الجمهوري أولاً ومن سورية نهائياً كحل وسط قبل أن يقتلك أحد الثوّار وهم كُثر في سورية. إن هذا الدم الذي أهرقته غال، على خلاف ما يوحيه لك العرب والغرب وسواهم من المتعصبين والمجرمين أعداء الشعب والوطن.
كنت ممن إعتبروك منقذاً للبلاد متأثّراً بدعاية داخلية وخارجية لعينة سوّقتك كطبيب قديس سينقذ البلاد من الفساد ويحوّلها إلى دبي الإزدهار وبيروت الحريات، فإذ بك تزيد من الفساد والفقر والتهميش ويزداد القمع ومصادرة الحريات والحقوق في عهدك، ويتحوّل النفاق والكذب والخداع والمظاهر الكاذبة إلى دين جديد، وإذ في عهدك نكتشف أن أجهزتك الأمنية تدعم “القاعدة” وتؤسس “جند الشام” وتدعم “فتح الإسلام”، وتغزّي السلفية ثم تعتقل الآلاف منهم بحجة مكافحتك للإرهاب وماهم سوى العاطلين عن العمل المُفقرين المهمشين بسبب سياسة الإفساد والنصب والتحايل وتجريد الفقراء أصلاً من آخر أمل يربطهم بالحياة. هؤلاء ضحايا سياستك وخبث أجهزتك، لتقول للغرب إما أنا أو الإرهاب. سياسة مطابقة لسياسة الرئيس اليمني والمصري والتونسي، فهل سيكون مصيرك أقل؟
لا تظنّ بأن هروبك إلى الأمام ولجوءك إلى القتل والقمع المفرطين سينجيك من مصير مشابه لهؤلاء أو يجنّبك العقوبة رغم رسائل الإستجداء لأسيادك الأمريكان وسواهم، بل إن هؤلاء سيجدون أنفسهم مدانين ومحاصرين وسيؤذون مصالحهم إن قدموا لك الدعم حتى النهاية.
والسلام على سوريا