رائحة حلويات العيد تنتصر على رائحة البارود في إدلب

حلويات العيد صناعة منزلية في إدلب تصوير سونيا العلي

حلويات العيد صناعة منزلية في إدلب تصوير سونيا العلي

رغم الهموم والآلام، ومرارة المعاناة التي خلفتها الحرب في سوريا، إلا أن العيد لايزال يرسم الفرح والأمل أينما حل. الكثير من العائلات السورية في إدلب وريفها يصرون على ممارسة عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بالعيد كمثال على تحدي الحرب وإبراز إرادة الحياة المستمرة لديهم.

فما إن ينتصف شهر رمضان المبارك حتى تسارع ربات البيوت إلى شراء مستلزمات الحلويات والمعجنات، ويجتهدن لصناعتها يدوياً بحيث تنتشر رائحتها الزكية في الأزقة والشوارع معلنة قدوم العيد. الأهالي استفادوا من الهدنة التي حملت لهم بريقاً من الأمل بانتهاء الحرب والعودة لممارسة حياتهم الطبيعية.

أم عمر (35 عاماً) من معرة النعمان تقول: “الاستعداد للعيد أمر بالغ الأهمية، فالمناسبة تعد جزءاً من عاداتنا وتراثنا”. ولإتمام فرحة العيد تلجأ ام عمر إلى صناعة الحلويات في المنزل نظراً لتكلفتها البسيطة مقارنة بالجاهزة التي تباع في الأسواق. وتختار أم عمر الأصناف الأقل تكلفة، مثل كعك العيد والمعمول المحشو بالتمر والرز بحليب والمهلبية.

وتتحدث أم عمر عن هذا النشاط المحبب لحكايات سوريا قائلة: “لحلويات العيد بهجة خاصة وطقوس عائلية حميمة اعتادت أمهاتنا وجداتنا المواظبة على صنعها بأيديهن، لذلك أحرص أنا وزوجي على توفير بعض النقود لتحضيرها قبل العيد بأيام. علّنا ندخل بعض الفرح إلى قلوب أطفالنا الذين أعيتهم الحروب”.

وتستعين أم عمر بمعداتها التقليدية وخبرتها الطويلة لصناعة صنف المعجنات الشعبي المعروف بكعك العيد، الذي لا تستغني عنه معظم العائلات كعادة بارزة لإحياء طقوس العيد. وعن طريقة تحضيره تقول: “يتكون الكعك من الطحين والزيت والسمن إضافة إلى التوابل، كاليانسون والمحلب والشمرا والقرفة والعصفر وظروف الفانيلا والخميرة. أقوم بداية بنخل الطحين وأضيف إليه التوابل بعد تحميصها وطحنها ثم الزيت والسمن لأنتقل بعدها إلى عجن المزيج باستخدام الحليب أو الماء”.

وتلفت أم عمر إلى أنها تقوم بدعوة جاراتها وقريباتها لمساعدتها في صنع العجين على شكل حلقات مستديرة. ثم توضع كعكات العجين في صواني معدنية ليتم خبزها في الفرن. وبعد تبريد الكعك يغلف بأكياس ليقدم بين أصناف الحلويات في أيام العيد مع المعمول الذي يكون من أهم الأصناف على سفرة الضيافة. ويشارك بصناعته أيضاً كافة أفراد العائلة في أجواء من الاحتفال والتعاون.

وتشتهر إدلب بقائمة طويلة من الحلويات والمعجنات الجاهزة التي يتم صنعها بمناسبة قدوم رمضان والعيد. وتتميز بعض المحال التجارية بصنع هذه الحلويات بطعمها اللذيذ وغناها بأنواع المكسرات، كالبقلاوة والبرازق والوربات والقطايف. كما يدخل في صناعة الأنواع الفاخرة منها السمن البلدي (العربي)  ولكن هذه المحال تكون أبوابها مغلقة في وجه الفقراء وتقتصر حركة البيع والشراء فيها على ميسوري الحال .

رائد الكردي (49 عاماً) من معرة النعمان صاحب أحد محلات صناعة الحلويات الشرقية في المدينة يحدثنا قائلاً: “ارتفعت أسعار الحلويات بشكل كبير خلال سنوات الحرب بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار. وهو ما أدى إلى غلاء أسعار المواد الأولية المستخدمة في صناعة الحلويات من دقيق وسمن وسكر ومكسرات، إضافة إلى ارتفاع أسعار المحروقات “. ويشير الكردي إلى أن الكثير من المارة يسألون عن الأسعار ويفاجأون بارتفاعها فيعزفون عن الشراء.

الطبيب أيمن المطر (42 عاماً) من مدينة إدلب ينصح بعدم الإسراف في تناول الحلويات، واختيار الأصناف التي تحتوي على دهون وسعرات حرارية أقل، وعدم تناول الحلويات والمعجنات خلال شهر رمضان بعد الإفطار مباشرة حتى لا تعسر وتؤخر عملية الهضم.

وعلى الرغم من أن العيد يشكل مناسبة للتصالح والتآزر وإضفاء أجواء الفرحة والبهجة على القلوب وتبديد مشاعر الحزن التي أفرزتها الحرب، تقف بعض العائلات حائرة وعاجزة أمام تلبية احتياجاته فالأوضاع الاقتصادية متدهورة والفقر سيد الموقف .

“أتألم لمشاهدة أطفالي ينتظرون العيد بفارغ الصبر، في حين أنني أعجز عن إدخال الفرحة إلى قلوبهم”. تقول أم خالد (29 عاماً) من قرية خان السبل بنبرة حزينة وتضيف: “بالنسبة لنا لا يوجد عيد بسبب فقرنا، فهو في بيتنا مجرد اسم ومناسبة مع وقف التنفيذ، فبعض التجار يستغلون هذه المناسبة لتحقيق أرباح مضاعفة على حساب الفقراء، وبعد إصابة زوجي التي أقعدته عن العمل نلجأ إلى التقشف ونعجز عن شراء حاجيات العيد”.

ورغم مرارة النزوح إلا أن عائلة وحيد المحمد (51 عاماً) النازحة من ريف دمشق إلى مدينة إدلب تصر على الاهتمام بتحضيرات العيد ولو بالبسيط اليسير، منتظرين بلهفة بزوغ شمس العيد ليلعب الأطفال في الحدائق، وتبادل الزيارات والتهاني بين الأهل والجيران وتقديم أصناف الحلوى، يعبر المحمد عن ذلك قائلاً: “العيد للأطفال على وجه الخصوص تتردد فيه صدى ضحكاتهم البريئة، لذلك أسعى لتأمين الحاجيات التي تسر خاطرهم وتحقق أمنياتهم الصغيرة حتى لا أحرمهم من بهجة العيد”.

وفي بادرة فردية إنسانية تعمد سعيدة الخديجة (45 عاماً) من معرة النعمان إلى صناعة الحلويات مع بناتها داخل منزلهم، وتخصص للعائلات الفقيرة والنازحة نصيباً وافراً منها. وعن ذلك تقول الخديجة: “الأحوال المعيشية المتردية أنهكت معظم السكان ولم تترك لهم الباب مفتوحاً أمام فرح العيد، لذلك قمت مع بناتي الخمسة بصناعة الحلويات المنزلية لتوزيعها على الفقراء الذين لم يتمكنوا من المشاركة في طقوس العيد”.

وتختم الخديجة حديثها بالقول: “يجب أن يظل العيد فرحة تحمل العادات والقيم الحسنة المتمثلة بالتراحم والتعاطف بين أفراد المجتمع. نأمل أن يعيده الله على الأهالي بالخير واليمن والبركات، وأن تنتهي الحرب ليحمل العيد القادم سلاماً طال انتظاره” .