دموع الشمعة
طفلات سوريات يتزلحقن على زحليقة خلال أيام العيد في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا.
"هربنا من القرية ولا زلنا نتنقل من قرية إلى أخرى. نتسوّل لقمة العيش. كبرت ولم أعد أقوى على التنقل. نسكن حيثما نجد مأوى."
مساء 15 تموز/يوليو 2013، كنت أسهر وحيدة بعدما ذهب زوجي لزيارة أهله. انقطاع التيار الكهربائي زاد وحدتي.
أضأت شمعة، وجلست على شرفة المنزل الذي استأجرناه. كنا قد نزحنا من بلدة الحاكورة في معرة حرمه. جلست قليلاً كان الجوّ داخل المنزل خانقاً. في الخارج هبت بعض النسمات، وأطفأت الشمعة. عدت إلى غرفتي وأشعلت الشمعة مجدداً، ورحت أتاأمل في حالي.
كيف كنت أعيش سابقاً، وكيف أعيش اليوم. نازحة في منازل الآخرين، لا أملك منزلاً أو مالاً. قبل عامين كان لدي منزلي وأصحابي. اليوم أنا وحيدة في زوايا بلدة لا أعرف بها أحداً.بدأت بالبكاء وفيما كنت أنظر إلى الشمعة رأيتها كما لو أنها تبكي معي.
وبينما انا غارقه في تفكيري قرع الباب. ظننته زوجي في بادئ الأمر، لكن زوجي يحمل معه مفتاحاً. سألت من الطارق؟ فإذا بصوت امرأة. فتحت لها الباب، فأذا بها سيدة سمينة، رثة الثياب، يبدو عليها التعب. لم أكن قد رأيتها سابقاً. دعوتها للدخول، لكنها رفضت. طلبت مني الخبز. أعطيتها وذهبت.
تأخر زوجي بالعودة، وبدأت أفكّر بتلك المرأة، وتمنيت لو أعرف قصتها، ومن أين أتت. وفيما كنت أحدّث نفسي وصل زوجي، فأخبرته عن تلك المرأة وما حصل. شربنا الشاي وأعددت له العشاء وخلدنا إلى النوم.
وقبل أن نغط في النوم سمعنا قرعا على الباب. كان الوقت متأخراً. ما دفعنا إلى القلق. كنت خلف زوجي أمسك بقميصه حين فتح الباب. فإذا بتلك المراة مجدداً تبكي وتصيح طلبا للمساعدة.
قالت: أنا غريبة هنا، ولا أعرف أحداً. قدمت قبل يومين إلى القرية. ابنتي تعاني من نوبة صرع شديدة. ذهبنا معها، ووجدنا ابنتها تتخبط وكأنها الطير الذبيح. فما كان من زوجي إلا أن حمل الفتاة وعاد بها إلى منزلنا، وكانت والدتها تساعده.
الفتاه غابت عن الوعي، وضعها زوجي على السرير. كانت أمها تبكي . دعاها زوجي كي تقضي ليلتها عندنا.
عاد زوجي إلى النوم، أما أنا فجلست أستمع لقصة تلك السيدة.
أخبرتني عن قصة معاناتها ورحلة عذابها. وقالت: ابنتي تبلغ من العمر 38 عاماً، وحتى الآن لم يتقدم احد لخطبتها.
عندما دخل الجيش قريتنا في زور الحيصة، وهي قرية صغيرة تابعة لبلدة حلفايا في ريف حماه الجنوبي. قاموا بقتل زوجي وابني أمام أعيننا رمياً بالرصاص، دون ان نستطيع فعل أي شيء. المشهد أصاب ابنتي بالصرع.
هربنا من القرية ولا زلنا نتنقل من قرية إلى أخرى. نتسوّل لقمة العيش. كبرت ولم أعد أقوى على التنقل. نسكن حيثما نجد مأوى. حين قدمنا الى هنا، وجدنا غرفة صغيرة بدا تلك الغرفة التي أخرجونا منها في بلدة سجنة.
كنت أستمع لقصتها وأبكي. حين قارنت حالها بحالتي شكرت الله على نعمته. أمضت تلك السيدة وابنتها الليلة في منزلنا وفي الصباح عادتا إلى غرفتهما.
تعلمت من تلك السيدة وجوب عدم البكاء على عتبات الماضي، بل علينا أن نرسم طريقا نسير فيه أبد الدهر رغم كل الصعوبات ومشقات الحياة. ورغم كل الظروف التي عايشناها، لا بد أن تشرق الشمس من جديد، لتنير عتم الليل الذي أمضيناه بدموع أطفات الشمعة.
فرح العمر (26 عاماً) من ريف حماه الغربي متزوجه وأم لاربعة أطفال تحمل الشهادة الإعدادية.