دعم لصغار مربي المواشي يثير الكثير من الأسئلة

كان مربو المواشي في مدينة كفرنبل يعتمدون على المناطق الرعوية في سهل الغاب في ريف حماه الغربي، ويصدرون منتجاتهم من ألبان وأجبان إلى الأسواق المحلية وإلى أسواق منطقة معرة النعمان. اليوم لم يعد المربون يجرؤون على الذهاب إلى سهل الغاب، بسبب المعارك المستمرة بين قوات المعارضة المسلحة وقوات النظام للسيطرة على السهل. ولم تعد أسواق كفرنبل ومعرة النعمان تغص بهذه المنتجات التي أصبح سعرها مرتفعا جداً.

سكان كفرنبل، يبلغ تعدادهم نحو 35 ألف نسمة، تعمل نسبة كبيرة منهم بتربية قطعان المواشي التي توفر لهم دخلاً مهماً لا يستهان به، كما تعتمد نسبة مهمة من السكان على زراعة بساتين التين.

في العام 2012 جرى إحصاء لأعداد الثروة الحيوانية على مستوى سوريا، وبحسب مدير زراعة  مدينة كفرنبل خالد الخطيب جرى إحصاء أعداد القطعان في المدينة، وبلغت أعداد الأغنام 87 ألف رأس، أما الماعز فبلغ أعدادها 14 ألفاً، والأبقار 23 ألف رأس.

مربي الأغنام برهوم الشاهين (47 عاماً) يعاني الأمرّين لتربية قطيعه البالغ عدده 150 رأس من الأغنام، في ظل المعارك الدائرة في سهل الغاب، الذي يعتبر منطقة رعوية يقصدها مربو المواشي في الصيف. ولم تكن المعارك في الغاب السبب الرئيسي في معاناة الشاهين وغيره من المربين، بل يرجع الشاهين معاناته مع القطيع إلى اندلاع الاحتجاجات في سوريا في العام 2011، حيث ارتفعت أسعار الأعلاف، مما اضطر الشاهين إلى بيع نصف قطيعه حتى يشتري الأعلاف للنصف الآخر، كما أن انتشار الأمراض التي تصيب القطعان، وارتفاع أسعار الأدوية البيطرية زاد في معاناته.

من حظيرة أغنام في كفرنبل تصوير عبدالله السويد

يعزو مدير زراعة كفرنبل خالد الخطيب ارتفاع أسعار الأعلاف، إلى توقف المقنن العلفي، والقروض المالية، والعناية الطبية المجانية للقطيع التي كانت تقدمها المديرية للمربين، بسبب توقف المديرية عن العمل، بعد اندلاع الثورة.

لم يقدم المجلس المحلي في مدينة كفرنبل منذ تأسيسه في العام 2013 أي دعم يذكر لمربي المواشي. ومع تزايد انخفاض أعداد قطعان الأغنام، وعزوف العديد عن القيام بهذا العمل، قامت مؤسسة “بناء” عبر المجلس المحلي في المدينة بتقديم الدعم  لمربي المواشي ضمن شروط معينة وضعتها المؤسسة.

رئيس المجلس المحلي في كفرنبل نزيه البيوش يوضح الشروط التي يجب أن تتوفر في المربّي حتى يتلقى الدعم حيث يقول: “عرضت علينا مؤسسة بناء تقديم خدمات بيطرية، من ادوية ومكمّلات غذائية خاصة بالأغنام والماعز مجاناً لصغار المربّين، الذين يعيشون في المناطق الريفية وشبه الحضرية، وستوفر هذه العقاقير مناعة للأغنام والماعز ضد الأمراض، ولم تشمل الأبقار”.

ولفت البيوش إلى أن هناك شروطاً معينة يجب أن تتوفر في المربّي حتى يتلقى الدعم الطبي لقطيعه، منها “أن يكون المربي يملك قطيعاً لا يتجاوز 75 رأساً من الأغنام، ولا يقل عن 25 رأس، وأن يمثل هذا القطيع مصدر الدخل الوحيد للعائلة التي تملك القطيع،  كما على المربّي أن يمتلك حظيرة خاصة بالقطيع، وأن يكون من الأسر الفقيرة في المدينة”.

ينتظر صطام حميدو (50 عاماً) دوره أمام بوابة المجلس المحلي  لتسجيل بيانات قطيعه، وعيناه باتجاه السماء. لم يكن حر الشمس والانتظار الطويل ما يقلقه، ولكن خوفه من الطائرات التي لا تترك السماء بسبب معارك سهل الغاب، وهي ما زاد من متاعبه كمربّي أغنام.

رغم امتنان الحميدو للمجلس المحلّي تقديمه الدعم الطبي، إلّا أنه يأخذ عليه تخصيصه الدعم الطبي للقطعان فقط، وشرط امتلاك المربّي أقل من 75 رأسا من الأغنام. فالحميدو اضطر لبيع أكثر من نصف قطيعه، كان يبلغ عدده 300 رأس بين أغنام وماعز، ليبقى باستطاعته تحمّل تكاليف القسم الآخر، حيث يقول: “نحتاج كمربّين للمواشي إلى أكثر من دعمنا باللقاحات، فكل شيء أصبح مكلفاً، من حمولة صهريج الماء، وصولاً إلى تكاليف الأعلاف المرتفعة، أو استئجار أراضي رعوية”.

رئيس المجلس المحلي نزيه البيوش يقرّ بعجز المجلس المحلي مالياً، فالمجلس لا يستطيع تقديم الدعم لكل مربّي الأغنام ويقول “إن مؤسسة “بناء” وعدت “بتقديم الدعم في مجال الأعلاف لقطعان الأغنام والماعز، ولكن لم تحدّد موعداً لذلك، كما وعدت بتقديم دعم مالي لكل مربي أغنام”.

اقتصار دعم المواشي على الأغنام والماعز أثار امتعاض مربّي الأبقار. ما دفع بأحدهم وقد فضّل عدم ذكر اسمه إلى اتهام المجلس المحلّي بالمحاباة والتقصير.

وفي ما يتعلّق بهذه المسألة يوضح البيوش أن مؤسسة بناء خصصت الدعم للأغنام والماعز فقط، وليس للمجلس أي دخل في هذا التخصيص، بسبب الأعداد الكبيرة من القطعان في المدينة. وألمح البيوش إلى ضرورة إنقاذ قطعان الأغنام والماعز أولاً، لأن هذه القطعان هي المهددة حالياً.

وقال المكتب الإعلامي لمؤسسة ردا على سؤال لـ “دماسكوس بيورو” عبر صفحة المؤسسة عبر موقع فايس بوك إن المشروع تم تصميمه للعناية بالأغنام والماعز، فطبيعة الاستجابة عندها مختلفة عن الاستجابة عند الأبقار، حيث تعتبر أقل احتياجاً ومصدراً للدخل أكثر انتشارا على مستوى الشريحة الأكثر حاجة في المجتمع.

محمود السويد عامل تمديدات صحية (38 عاماً) لديه وجهة نظر مختلفة عن مربّي الأغنام، وعن البيوش، ويربط السويد “عدم ارتفاع سعر لحوم الأغنام بسبب عدم توفر أعلاف للأغنام، ما يضطر المربي إلى بيع أغنامه لبائعي اللحوم”، وهكذا يستطيع المواطن برأي السويد أن يأكل اللحم مرة واحدة في الشهر على أقل تقدير.

مربي الأغنام برهوم الشاهين يقول: “سعر لحوم الأغنام ينخفض في حال عدم توفر الأعلاف، ولكن يرتفع سعر الألبان والأجبان، هذا إذا كانت المسألة مؤقتة، ولكن إذا استمرت الأوضاع في تدهور، فالثروة الحيوانية كلها بخطر ومهددة في كفرنبل والمنطقة بشكل عام”. ويضيف الشاهين “عندها سنحلم بأوقية لحمة (5 أوقيات تساوي كيلوغرام واحد)، أو كأس من العيران (اللبن المعد  للشرب)”.