دار لرعاية الأيتام في إدلب لحماية براءتهم وطفولتهم من الضياع

يقطف أطفال سوريا الثمار المرة للصراع الدامي الدائر في البلاد. هذا الصراع الدامي الذي خلّف الآلاف من الأيتام، وحرمهم من حنان الأم أو الأب. أطفال أيتام، يعيشون أوضاعاً صعبة، بعد أن اختبروا الموت بفقد اقرب الناس إليهم. باتوا يتخبطون ويضيعون في الواقع المأساوي. وتزداد مأساتهم في مجتمع يعاني من صعوبة المعيشة في مجالات الحياة كافة. وفي كثير من الأحيان يكونون عرضة للاستغلال في أسواق العمل.

في 20 آذار/مارس 2016، افتتحت منظمة “رحماء بينهم” داراً لرعاية الأيتام في إدلب، لكفالتهم ومساعدتهم ليكونوا أشخاصاً ذوي شأن في المجتمع ونواة بناء الوطن مستقبلاً. مدير المنظمة بلال جبيرو (39 عاماً) يقول: “ساهمت ظروف الحرب واشتداد وتيرة العنف بتزايد أعداد الأيتام بشكل متسارع، الأمر الذي دفعنا إلى تفعيل نشاطاتنا لنقدم الرعاية للأيتام من خلال كفالتهم وتوفير سبل العيش لهم بما يضمن لهم حياة كريمة، إلى جانب تقديم الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية والعلاج النفسي للمحتاجين له فضلاً عن تشجيع وتنمية الفكر الإبداعي لديهم”.

في دار الأيتام بعض الأطفال استعادوا ابتساماتهم تصوير سونيا العلي

ويلفت جبيرو إلى “أن الدار تضم الأيتام حتى سن 12 عاماً، والمنظمة تعمل على تأسيس دار لكفالة الأيتام حتى بلوغهم سن الرشد ، والهدف من هذا المشروع أن يكون نموذجاً يمكن تعميمه على كامل الأراضي السورية”. يضيف: “نسعى لتعميم تجربتنا وكل ما يتعلق بالتنظيم والرعاية والإدارة ونشرها من خلال الندوات والمحاضرات، فالدار تقدم للأطفال الحياة النموذجية و كل ما يحتاجه الطفل من مأوى ومأكل وملبس إضافة إلى وجود سيارة خاصة تقل الأطفال إلى مدارسهم التي نسعى من خلالها إلى دمجهم في المجتمع، فنحن لا نفضل أن تكون لهم مدرسة خاصة لأن ذلك سيوثر على نفسيتهم، وقد بلغت كلفة تجهيز المشروع 29 ألف دولار، أما كلفة التشغيل الشهرية فتصل إلى 4 آلاف دولار” .

تحضن الدار حالياً نحو 40 يتيماً موزعين على 5 غرف نوم كبيرة في الطابق الأول، في مبنى يتألف من طابقين. وإلى غرف نوم الأطفال هناك غرفة مخصصة للمشرفات. أما الطابق الثاني فيتوزع بين المكتبة وغرف المطالعة والأنشطة وغرفة الطعام والمطبخ.
أم محمد (30 عاماً) هي إحدى المشرفات على الأيتام داخل الدار تحدثنا قائلة: “خضعت مع فريق الإشراف لدورة في الدعم النفسي، تعلمنا خلالها كيفية التعامل مع هؤلاء الأطفال على اعتبارهم مروا بظروف قاهرة وتعرفنا على كيفية التعامل مع عدة أنماط أو شخصيات مثل: الصامت، العنيد، كثير الكلام، المريض. ونحن نعاملهم معاملة حسنة باستخدام الكلمة الطيبة وجل همنا أن ننسيهم ما مضى ونعاملهم كأطفال بحاجة للرعاية والاهتمام من دون الرجوع لخلفياتهم وماضيهم المؤلم .”

وتشير أم محمد إلى أن الأطفال يتقيدون ببرنامج يومي منظم تتخلله نشاطات خارج الدار مثل الندوات الثقافية والأنشطة الرياضية والرحلات الترفيهية،وقد وصل عدد المشرفات إلى 13 مشرفة .

المرشدة النفسية سكينة العمر (39 عاماً) تحدثنا عن مشكلات اليتم في حياة الطفل قائلة: “يترك اليتم بصماته على الصحة النفسية للطفل، ويصبح محطة مؤلمة من محطات حياته يصعب على الذاكرة تجاوزها بسهولة. لذلك يجد الطفل صعوبة في التاقلم مع من حوله بعد فقد أحد والديه وقد يلجأ لتصرفات غريبة كالوحدة والعزلة والشرود المستمر لذلك يحتاج دعماً نفسياً ومعنوياً ريثما ينضج، ويتمكن من تجاوز هذه المحنة ويكون ذلك من خلال وعي المحيطين بالطفل والرؤية المتبصرة لمشكلته وأبعادها وكيفية التعامل الإيجابي معها، فهو لبنة بناء المجتمع، وتجاهل آلامه يعني خللاً في بنية المجتمع السليم. ”

حسام وخالد طفلان يتيمان يقيمان داخل الدار. استشهد والداهما في قصف طال أحد الأسواق الشعبية في إدلب على يد قوات النظام، حينها ذهب حسام وخالد إلى بيت جدهما للإقامة هناك. يحدثنا حسام البالغ من العمر 8 سنوات فيقول: “كان جدي يعاملنا بقسوة ويشعرنا بأننا عالة عليه، ويدفعنا للعمل طوال النهار وأحياناً يخبئ عنا الطعام، لذلك كان الشارع ملجأنا الأخير باحثين في القمامة والأسواق عن بقايا الطعام .”
وتؤكد إحدى المشرفات أن أحد الجيران وجدهما نائمين أمام باب منزلهما فجاء بهما إلى الدار، وهما اليوم سعيدان بالدراسة واللعب ويحظيان بالعطف والحنان والتربية السليمة .

الطفلة عائدة(9 سنوات) أحضرتها عمتها إلى الدار بعد وفاة والدها وزواج أمها من آخر. تقول العمة: “علي أن أسافر إلى تركيا لألتحق بزوجي وأولادي ولن يسمح لي بإدخال ابنة أخي لأنها لا تحمل هوية تركية. ترددت كثيراً قبل وضعها في دار الأيتام ولكن بعد زيارتها شاهدت العناية والاهتمام التي يعامل بها الأطفال فتشجعت على ذلك”.
عائدة من جهة ثانية تعبّر عن سعادتها داخل الدار: “المشرفات أمهات لنا ، كأننا أسرة واحدة ويتوفر لنا كل ما نحتاجه ، لا نشعر بالملل طوال اليوم ، فنحن نستيقظ باكراً لنتناول فطورنا ونذهب إلى المدرسة. وبعد الغداء والراحة تساعدنا المشرفات على أداء واجباتنا المدرسية، ثم نمارس هواياتنا ونشاطاتنا الممتعة والمسلية حتى المساء حيث فترة العشاء والنوم .”

يختم جبيرو مدير المنظمة قائلاً: “يشكل غياب الأبوين التجربة الأقسى في حياة الطفل، لذلك أردنا أن نحتضن أطفالاً تخلّى عنهم الجميع حتى لا يكونوا وقوداً لنار هذه الحرب الضارية التي لا تحترم طفولتهم. نحاول أن نوقظ داخلهم البراءة والطفولة، وأن نفرح قلوبهم الصغيرة ليضيع الحزن بين ابتساماتهم البريئة، آملين أن نأخذ بأيديهم إلى بر الأمان و يأتي اليوم الذي يصلون فيه إلى فجر جديد خالٍ من المآسي والآلام .”