خيارات صعبة تواجه العوانس في سوريا
بعينين قلقتين ووجه حزين جلست سناء )40 عاماً)، وحيدة تواجه مصيرها من جديد، بعد أن تركها زوجها فجأة ورحل إلى حيث لا تعرف ومن دون رجعة. زوجها الذي عاشت معه 5 أشهر، ولا تعرف عنه الكثير سوى أنه غريب عن وطنها جاء إلى سوريا بسبب ظروف الحرب.
سناء واحده من العوانس اللواتي جعلتهن الحرب وظروفها يواجهن مصيراً أصعب من العنوسة ذاتها. تقول سناء: “لم تسعفني الظروف أن أتزوج قبل سن الأربعين. وعندما وصلت إلى هذا السن زاد شعوري بالقلق والخوف من المستقبل المجهول. فقررت الموافقة على أول رجل يخطبني في هذه السن. وكان يدعى أبو هيثم وهو أحد الغرباء الذين وفدوا إلى بلادنا للحرب. كان هذا الرجل من السعودية كما يقول” .
وتتابع سناء رواية ما جرى معها “صحيت في يوم من الأيام ولم أجد زوجي. لم يترك لي أي خبر عن سبب ذهابه ولا إلى أين ذهب. تمنيت أني لم أتزوج أبداً وبقيت على ما أنا عليه سابقا”. وتوضح سناء أن خشيتها من المستقبل المجهول ورغبتها في الاستقرار النفسي هو ما جعلها توافق على هذا الزواج. وتعترف سناء بوجود حالات اخرى من زواج الغرباء ناجحه في المنطقة.
سهام (50 عاماً) من معرّة النعمان، تعمل مدرسة اجتماعيات تقول: “ازدادت نسبة العنوسة في سوريا بعد الثورة بنسبة 70 بالمئة“. وتلفت سهام إلى أن أسباب هذه الزيادة هي “هجرة بعض الشباب إلى خارج الوطن من أجل الدراسة وتأمين مستقبلهم. أيضأ وفاة قسم منهم في المعارك، والبقية من المقاتلين ممن على قيد الحياة يخشون من الإقدام على الزواج لأنهم غير ضامنين لحياتهم، وخشية أن تكون النتيجه زوجه أرملة وأطفال أيتام. وقسم آخر بات في معتقلات النظام، حيث يقدر مركز توثيق الانتهاكات في سوريا عدد المعتقلين في محافظة إدلب بما يزيد على ثلاثة آلاف معتقل. وتفيد إحصائية خاصة في المجلس المحلي لمدينة كفرنبل وما حولها بأن 70 في المئة من هؤلاء المعتقلين في المنطقة هم من فئة الشباب الغير متزوجين”.
قمر الموسى (20 عاماً) من قرية معرة ماتر. خطبها شاب من قريتها ولكن فرصتها بتحقيق أحلام مستقبلها لم تكتمل. دخل خطيبها السجن فجأه بعد فترة من خطبته لها. تقول قمر “لقد انتظرت خطيبي على أمل أن يخرج من السجن دون جدوى قبل أن افك ارتباطي به نهائياً”. وتوضح قمر أنها لم تخطب ثانية حتى الآن ويبقى الخوف من العنوسة يرافقها طيلة الوقت ويتحكم بقراراتها الشخصية، التي غالبا ما تكون غير صائبة ولا تصب في مصلحتها.
منى (35 عاماً) من كفرنبل تقول بأنها بقيت دون زواج بسبب رفضها للعديد من الخطابين بداية شبابها بحجة عدم توفر العريس المناسب، وبحجة أنها كانت تمضي حينها دراستها الجامعية، إلى أن وصلت لهذه السن المتأخرة والتي جعلت فرص خطبتها من قبل الشباب قليلة بل معدومة. خطيب منى رجل متزوج ولديه أولاد. كان يرغب بزوجة ثانية طالما الشرع يسمح له بذلك. فضلا عن أن حالته الماديه تسمح له بفتح بيت جديد، والنفقة عليه. تواجه منى حيرة شديدة فهي من جهة لا تريد التسبب لزوجته بالحزن والألم إن هي وافقت كما تقول. ومن جهة أخرى ترغب في الحصول على ولد قبل فوات الأوان حسب قولها…
وهناك العديد من الفتيات في المنطقة يفضلن البقاء بدون زواج مقابل تلك الخيارات من الزواج. خلود (41 عاماً)، هبه (36 عاماً) ونائله (32 عاماً) ثلاث ـخوات عازبات. تقول خلود الأخت الكبرى: “أفضل أن أبقى طوال حياتي عازبة على أن اتزوج زواجاً لا يتوافق مع رغبتي ونظرتي للحياة الزوجية السعيده”. والدة خلود وأخواتها (66 عاماً) تقول ان احد اهم اسباب زيادة عدد العوانس هو الزواج المبكر للشباب الذي انتشر بعد الثورة. فقد انخفض سن الزواج لدى الشباب الى 18 سنة بينما كان قبل الثوره 24 سنة، وبالتالي أدى ذلك لانخفاض سن الزواج لدى الفتيات أيضا حيث أصبح لدى الفتيات في سن 14، وهذا بالتالي أدى لزيادة عدد الفتيات في سن متأخرة عن الزواج، وبسبب اعتقاد بعض الأهالي انهم بهذه الطريقه من الزواج المبكر يعوضون أبنائهم الذين فقدوهم في الحرب”.
ربيع (19 عاماً) من قرية سفوهن في جبل الزاوية، أراد أهله أن يزوجوه بعد وفاة أخيه الأكبر خلال الحرب. وافق ربيع على الفكره وخطب فتاة أصغر منه بثلاث سنوات، بحكم العادات التي تحتم صغر سن العروس عن سن زوجها تقول والدة العروس “لقد خطب ابنتي الصغرى ديمه (16 عاماً) . وافقت على تزويجه إياها مع إني اعرف أن ذلك قد يسبب حرجا لاختيها الأكبر سنا وهما في سن 22 و 24 عاماً. ولكن لم يكن لدي خيار آخر، بعد أن انخفض سن الزواج بين الفتيات فجأة خلال الثورة”. من جهتها أم ربيع تقول أنها تريد بزواجه أن تعوض ولدها الأكبر الذي فقدته خلال المعارك…
زينب (30 عاما) فتاة من قرية حاس شرق كفرنبل، لا تتمتع بمستوى جيد من الجمال وظروف أهلها المادية صعبة. لا أحد يعلم معاناتها وما تحس به من ألم وشعور بالنقص. تقول والدتها مفيده (60 عاماً): ” ينتاب زينب حالات عصبية مرضية بين الحين والآخر. الدكتور أحمد صنف حالتها بأنها نوع من الإكتئاب المختلط”. وتضيف “في مجتمعنا مق
اييس محددة للزواج والفتاة المرغوبة أهمها: الجمال، وثانيا التحصيل العلمي والثقافي. والفتاة التي لا تتوفر فيها هذه الصفات يقل خطابها من الشباب وربما ينعدمون أحياناً. هذا الشيء كان قبل الثوره ولكن زاد مع قدوم الثوره وقلة الشباب المقبلين على الزواج…”
تقول زينب “خطبني رجل أرمل عمره (65 عاماً) أي بعمر أبي رحمه آلله. قبلت الزواج منه أملاً بالخلاص من الفقر ولأنني أعلم بأن فرصتي بالحصول على عريس أفضل ضعيفة “.
الأخصائية النفسية منيره العبدو (40 عاماً) من حاس تقول “إن الفتاة في مجتمعنا تعتبر الزواج هو مستقبلها القادم، لذلك تضع أملها به وبانجاب الأولاد. وقلّة قليلة من يعتبرنه أمراً ثانوياً، لذلك تقلق أي فتاة وتصاب بالإحباط إن هي تعثرت وتأخرت به، وتصاب باليأس. وهذا الشعور يمكن أن يؤدي لدى بعضهن إلى الأمراض النفسيه كالإكتئاب وغيره، وأحيانا يعطي شعوراً بعدم الثقه بالنفس. فتقبل الفتاة بخيارات متدنية من الزواج تكون ليست في مصلحتها”.
بالرغم من الظروف السيئه وغلاء الأسعار وتكاليف الزواج الباهظة أحب أسعد (23 عاماً) فتاة من عمره وخطبها. وهو يعمل بجد ليوفر مالاً يمكنه من الزواج بأقرب فرصة. أسعد يشجع جميع الشباب على الزواج ويقول: “الزواج سر استمرار الحياة التي تقتلها الحرب في بلدنا، وهو سبب للاستقرار النفسي والعاطفي ويجدد الحياة والأمل بالمستقبل”.