خرجنا لإيقاظك يا دمشق
بعد شهر تماماً من انطلاقة الثورة السورية، تعالت الشكوك حول رغبة المتظاهرين في الخروج والتظاهر يوم الجمعة. لم تأتِ هذه الشكوك عن عبث، فقد حاول النظام وبجميع أدواته
المتاحة، من قمع وتخويف وحصار وآلة إعلامية ضخمة وتجييش رجال الدين، وأد التظاهرات وحقنها بالمورفين، إلى أن كان يوم الجمعة 15 نيسان 2011 الذي دحض كل المشككين وأكد أن دماء الشهداء لن تضيع سدى.
فعقب خروجي من صلاة الجمعة، اتجهت وبرفقتي مجموعة من خيرة شباب وشيبة دوما، واتجهنا إلى ساحة الحرية (البلدية) لنلتقي مع من سبقونا، في غمرة من الهتافات والنداءات بالزحف جميعاً إلى مدينة حرستا، في تظاهرة تعبّر عن وحدة المدينتين وعن التضامن مع أهالي حرستا التي شهدت أحداثاً دامية الأسبوع الماضي.
وفي غمرة من النشوة والحماس، توجهنا سيراً على الأقدام إلى مدينة حرستا، وعددنا يناهز العشرة آلاف متظاهر، متخطين كافة العراقيل التي وضعت أمام الحافلات من قبل عناصر الأمن، في محاولة لقطع الطريق علينا. إلا أن الأعداد الكبيرة الزاحفة لم تكن قابلة للكبح، فتم أخلاء الطريق أمامنا أخيراً ونحن نردد: الشعب والجيش يد واحدة.
دخلنا المدينة التي تبعد عن دوما بضعة كيلومترات، هاتفين لأهالي حرستا. كان المنظر مهيباً، إذ التقى الجمعان والهتاف يعلو: “دوما وحرستا يد واحدة”. وفي نشوة الحماسة، كان لا بد لنا أن نشارك بقية أهالي الريف تلك اللقاءات، فاتجهنا جميعاً، عفوياً، وبلا أي تنسيق أو اتفاق مسبق، إلى مدينة عربين في ريف دمشق.
وفي الطريق أخذ الأهالي يوزعون الماء على المتظاهرين من الشرفات وأسطح الأبنية هاتفين لهم بالنصر، فقابلنا المتظاهرين هناك بهتاف الحرية وإسقاط النظام.
ومع ارتفاع المعنويات والإرادة والفرحة الكبيرة بنجاح التجربة، صارت العاصمة وجهتنا، فهتفنا: “ع العاصمة ع العاصمة”، لندخل مدينة زملكا المجاورة لمدينة عربين هاتفين: “زنقة زنقة، دار دار، إرحل إرحل يا بشار”.
وبنفس الأسلوب قام المتظاهرون في مدينة عربين، الذين كانوا يتظاهرون عُقبَ الصلاة، بالترحيب بنا متفاجئين بالعدد الذي أصبحنا عليه، إذ كان يقارب عندئذ المئة ألف متظاهر هاتفين: “على الجنة راحين شهداء بالملايين”، ومرددين مجدداً: “ع العاصمة ع العاصمة”، إذ لم يعد أمامنا سوى جسر زملكا بين العاصمة ومحافظة ريف دمشق، والذي في حال عبرناه سنكون أول تظاهرة ضخمة تسير في شوارع العاصمة دمشق.
عندها، خرجت علينا عناصر من حفظ النظام، وأطلقوا الأعيرة النارية، لكننا اخترقناهم وأفشلنا محاولاتهم لعرقلة التظاهرة، ودخلنا العاصمة مرددين “الشعب يريد إسقاط النظام”، واتجهنا حينها إلى ساحة العباسيين آملين أن نعتصم ونقيم فيها صلاة العصر. إلا أن حواجز هائلة، من مئات عناصر الأمن، اصطفت أمامنا على مقربة من الساحة، وأخذوا يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع ويضربوننا بالهراوات، كما أطلقوا الرصاص واعتقلوا الكثيرين.
هكذا، تفرقت تظاهرتنا والتجأنا جماعات إلى الحارات المجاورة، لتنتهي التظاهرة عند حدود ساحة العباسيين، ولتفيق دمشق من غفوتها، وتعلن أنها ثائرة ضد النظام وديكتاتوريته ورئيسه الذي مُزّقت صوره في جميع المدن التي دخلنا إليها هاتفين مكبّرين.
نعم، رجعنا إلى منازلنا، إنما بعدما أكدنا على لُحمة الصّف، وشعرنا بما يعنيه تضافر الجهود، وأن المتظاهرين أصبحوا يتنقلون ويعملون بمرونة وبسرعة أكبر مما كنا عليه، إضافة إلى انضباط ووعي حضاري كبيرين.