حين فقدت جنيني تمنيت الموت

"أجهشت بالبكاء، وماهي إلا لحظات حتى دخل زوجي الغرفة وبيده حبتين من الدواء. أجبرني على تناولها. أدركت أنها حبوب لإجهاض جنيني. علمت في تلك اللحظات أن كل شيء انتهى. "

انه اليوم الذي تحلم فيه كل الفتيات بارتداء الفستان الأبيض، والخاتم الذهبي. وتلك الزفة بالرغم من كل القصف والطيران. في ربيع 2016، زفوني إليه عروسا. شعرت يومها بأنني فراشة أطير بين الإزهار. أو ربما حمامة تحلق في سماء زرقاء.
لم يتعكر زواجي أبداً. كانت أياما جميلة، وفي كل ليلة كان زوجي يمسك بيدي ويقول: “واحد اتنين تلاتة أربعة. نريد أن ننجب أربعة أولاد صبيان. عيونهم متل عيونك. وواحد منهم خريج لغة عربية متلك تماما”. كان يصرّ على تسمية ولدين ولي تسمية ولدين.
بدأ شعور الأمومة يزداد يوماً بعد يوم في داخلي. وبعد مرور شهرين على زواجي بدأت المشاكل بيني وبينه. وبدأت تزداد وبدون أي سبب. حاولت الإصلاح مراراً وتكراراً لكن دون جدوى. وفي ذلك اليوم ازدادت حدة المشاكل وعلا صراخنا حتى سمعه الجميع. وفي ذاك النهار كانت المفاجأة والهدية من السماء.
غمرت الفرحة قلبي ولم استطع كتمانها ذهبت إليه في الغرفة المجاورة وبصوت غمرته السعادة وعيون لامعة تطير فرحا قلت له: أنا حامل… كان وقع كلماتي بالنسبة إليه كأنما أخبرته بموت غال أو عزيز. تغيرت ملامح وجهه وتلعثم لسانه. أصبت بخيبة أمل شديدة نسيت فرحتي واعتراني شعور لم أستطع وصفه.
جلست في غرفتي الصغيرة ابحث عن إجابات للذي حدث. لم استطع إيجاد سبب واحد. أجهشت بالبكاء، وماهي إلا لحظات حتى دخل زوجي الغرفة وبيده حبتين من الدواء. أجبرني على تناولها. أدركت أنها حبوب لإجهاض جنيني. علمت في تلك اللحظات أن كل شيء انتهى.
وما إن خرج حتى أعددت نفسي وبعض إغراضي وغادرت إلى منزل أهلي مكسورة الخاطر ممزقة القلب. أصبت بالجنون، استمريت في اخذ الحبوب نفسها سراً حتى بلغ عددها 32 حبة. كنت افعل كل الأشياء التي لا يجب على الحامل فعلها. أحمل الأثقال وأقفز من مرتفعات عالية.قررت التخلص من الجنين…
وبعدها أصبت بانهيار عصبي، ودخلت المشفى في مدينة كفرنبل المجاورة لقريتنا. لا أذكر الكثير عما جرى. فتحت عيناي على صوت الممرضة تقول لي الجنين بخير لم يصب بأي مكروه ونبضه جيد. كلمة نبض أعادت لي نبضات قلبي التي ظننت أنها ماتت منذ زمن بعيد.
قررت التوقف عن هذا الجنون والمحافظة على ابني مهما كانت الظروف. ذهبت إلى السوق واشتريت له بعض الأغراض. شعور الأمومة لا يوصف. وشعور عذاب الضمير الذي لم يتوقف حتى اللحظة. كيف تستطيع الأم قتل ابنها بيديها.
وبعد مرور أربعة أشهر على الحمل، بدأت أعاني من ألم شديد في بطني. ذهبت مع والدي إلي عيادة الطبيبة النسائية في القرية.
وبعد معاينتي قالت: “حسبي الله ونعم الوكيل الجنين ما فيه نبض”.
صعقت من وقع الكلمة. وعادت بي الأيام إلى قول الممرضة الجنين بخير ونبضه جيد. بالله كم الفرق بين الحالتين. تظاهرت أنني لم اسمع ما قالت وأعدت سؤالها ربما هي بارقة الأمل التي ابحث عنها: “هل يمكن أن تخبريني لكي أطمئن؟ ”
تنهدت طويلا وقالت: “لا نبض عند الجنين. ولا بد من عملية إجهاض فوراً”.
كان وقع الخبر بالنسبة لي أشد بطشا من الصواريخ التي تلقيها الطائرات علينا يومياً. وهناك في صالة الانتظار في مشى الروضة بمدينة كفرنبل كان الألم شديدا ولون الدنيا في وجهي أشد سواداً من سواد الليل. كنت اصرخ وأستغيث ربما ليس من الألم وإنما من فقداني لطفلي.
كانت أمي تقف بجانبي وتمسك يدي وتقول: انه وقت الدعاء يا ابنتي. وأنا اردد في نفسي ما رددته مريم العذراء يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا تارة وتارة أخرى أقول يارب اجعل نهايتي مع نهاية ابني اجعل نهايتي مع نهاية ابني.

تقى الجمال (26 عاماً) كانت تعمل مديرة لمركز دعم نفسي للأطفال وتقيم حاليا في بلدة معرة حرمة في ريف ادلب الجنوبي.