حين أصبح بيتنا خيمة في بستان

بالرغم من وجود قوات النظام مع بداية المظاهرات في المدينة، إلا أننا تعودنا عليها قليلاً، فأكبر المخاوف التي كنا نعاني منها، هي رشقات الرصاص من حواجز النظام القريب إحداها من منزلنا، كرد على رشقات الرصاص من جانب المعارضة المسلحة.

دخلت قوات النظام إلى مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي في بداية الأحداث، وحتى يوم 5 آب/أغسطس 2012، لم يكن هناك طائرات أو قذائف دبابات ومدفعية، وكان منزلنا يقينا من رصاص البنادق الذي لا يخترق الجدران، لكن الأمر اختلف بعد هذا التاريخ.

أذكر جيداً في صباح ذلك اليوم، طرق الباب بشدة، فتح والدي الباب، وعاد ليقول: “جهزوا حالكن بدنا نطلع من البيت”. كان الطارق أحد أفراد الجيش الحر، أخبر والدي أن هناك معركة كبيرة ضد الحاجز الذي يجاورنا… يجب علينا الخروج.

خرجنا إلى قرية تجاور مدينتنا، ولجأنا إلى مسجدها، شاهدنا الطائرات الحربية لأول مرة، كانت تقصف المدينة، كان الموقف غريباً بعض الشيء حينها، فالطائرات لبلدي، وتقصف بلدي.

استمرت المعركة مدة خمسة أيام، وانتهت بسيطرة الجيش الحر على المدينة، وانسحاب باقي حواجز النظام منها إلى معسكراتها في مدينة معرة النعمان، التي تبعد عنا إلى الشرق بعشرة كيلومترات.

سيدة تعمل بائعة خبز في حي طريق الباب في حلب. تصوير حسام كويفاتية

بعد انتهاء المعركة عدنا من نزوحنا إلى المنزل، وأمضينا فيه عيد الأضحى الذي جاء بعد تحرير المدينة بسبع أيام.

كانت الأجواء أقل من عادية، أغلب الناس فرحين بالتحرير، وشيخ المسجد الكبير في أول أيام عيد الأضحى، تجرّأ ولعن بشار من على منبره في المسجد، حيث لم يكن يستطع ذلك قبلاً، وهنّأ الناس بالتحرير. الأطفال ككل عيد كانوا يلعبون، ويمرحون، لم يكن أحد يتصور ما قد يحصل بعد ذلك.

ثالث أيام العيد كان الكلام لطائرات النظام، غارة على السوق المجاور لحاجز النظام المدمر جراء المعركة، أودت بحياة 13 مدنياً، بعدها بأسبوع غارة أخرى على سوق المدينة، أودت بحياة 32 مدنياً.

كانت هذه الغارات نقطة تحول بالنسبة لوالدي. لم يعد يخرج إلى السوق أو إلى الصلاة بالمسجد بسبب خوفه من الطائرات، وما زاد خوفه أكثر قذائف المدفعية من معسكرات النظام في مدينة معرة النعمان.

والدي كان يقول لي: “الطائرة تستهدف الأسواق، أما القذيفة فعمياء لا يوجد هدف محدد لها، تستطيع أن تخترق جدران المنزل”. والدي كان يشرح ليبرر خوفه على عائلته. رغم كل هذا الرعب قرر أبي أن نخرج نهاراً إلى بستاننا المجاور لمدينتنا، وفي الليل نعود إلى لمنزل. كان تطبيق القرار سريعاً من قبل والدي. في صباح اليوم التالي وقبل شروق الشمس أيقظنا جميعاً، وعلى الرغم من عدم رغبتي ووالدتي في الخروج، إلّا أن أبي أخرجنا معه أيضاً.

في البستان كنا نجلس سوياً، وعند سماعنا لصوت الطائرات الحربية كان يصرخ والدي بنا “انتشروا في البستان، كل يختبئ خلف شجرة”. لم يكن والدي يظن أن الشجرة سوف تقينا من الطائرة، ولكن في حال استهدفتنا الطائرة، لا نموت جمعياً.

بالرغم من صعوبة خروجنا من المنزل كل صباح وعودتنا في المساء، إلا أن أغلب سكان المدينة كانوا مثلنا، وهذا ما كان يواسينا قليلاً.

مع مرور الوقت، أدرك والدي أن الأمر سيطول، وأن القضية لن تنتهي بيوم أو اثنين، لذلك ابتاع لنا خيمة، وزرعها في البستان. وجهّز الخيمة بكل شيء كأنها منزلنا الثاني. وللأمان أكثر أعطى والدي لكل شخص فأساً ورفشاً، وأمرنا بحفر حفرة للاختباء فيها عند قصف الطائرات الحربية، كل فرد بجانب شجرته التي تعود على الهروب إليها.

ومع اشتداد وانتشار المعارك في ريف إدلب عامة، انشغلت طائرات النظام بدعم جنودها المحاصرين في معسكراتها المنتشرة في معرة النعمان، وجسر الشغور، وأريحا وغيرها، لذلك لم نعد هدفاً رئيسياً لهذه الطائرات، لذلك اقترحت أمي وبدعم مني عدم الذهاب إلى البستان، لم يقتنع والدي بهذا الاقتراح، ولكنه لم يعد يجبرنا على الذهاب إلى البستان.

مازال والدي رغم تحرير المدينة كاملة يتردد على البستان. ليس لقطاف الزيتون. بل إلى المنزل الثاني حيث كان يشعر بالأمان.

مريم محمد (23 عاماً) متزوجة أم لولد واحد طالبة تربية في السنة الرابعة في جامعة إدلب، اضطرت لترك جامعتها بسبب المعارك بين الثوار والنظام.