حوامل ريف إدلب يخفن من جرثومة

بقلق شديد وعينين دامعتين، تقف أم وائل أمام غرفة العمليات، بانتظار خروج ابنتها ريم التي تخضع لعملية إجهاض استمرت لأكثر من ساعتين . أم وائل (42 عاماً) وهي من قرية البارة إحدى قرى جبل الزاوية، تقول: “مسكينة ابنتي، هي بانتظار مولودها الأول منذ أكثر من عشر سنوات، وحين حملت بعدعلاج طويل ها هي تفقد جنينها بعد ستة أشهر على الحمل”.

الطبيبة عائشة (43 عاماً) تصف حالة ريم على الشكل التالي: “كان حملها جيداً في البداية، ولكن أخيرا وبنتيجة تصوير الايكو تبين أن الجنين ميت قبل أكثر من شهر” وأعربت الطبيبة عن اعتقادها بأن ريم قد تكون مصابة بجرثومة التوكسوبلاسموز، وهي جرثومة تصيب الرحم وتتسبب للحوامل بالإجهاض أو بتشوهات جنينية، يجب علاجها في وقت مبكر من الحمل”.

تؤكد أم وائل أن ابنتها ريم أجرت كافة الفحوصات في بداية حملها، وأثبتت التحاليل أنها غير مصابة بالتوكسوبلاسموز . أما الطبيبة عائشة فقد نصحت ريم باعادة التحليل نظراً لأن هذه الجرثومة ممكن ألا تظهر في التحليل الأول.وفعلا تم اكتشاف اصابة ريم في ما بعد بهذه الجرثومة وكانت هي سبب الإجهاض.

الدواء الخاص لعلاج جرثومة التوكسوبلاسموز في الصيدليات تصوير هاديا المنصور

أحلام (30 عاماً) مصابة بالتوكسوبلاسموز، وعند الحمل تأخذ الدواء اللازم لمنع الجرثومة من التسبب بمشاكل، مدة الخمسة أشهر الأولى من الحمل. وتقول أحلام “أتوقف عن أخذ الدواء حين تقول الطبيبة أن ذلك كافِ لأن الجنين يصبح بحجم لا تستطيع الجرثومة أن تؤثر عليه”. وتتنهد أحلام وتتذكر كيف فقدت جنينها مؤخرا لأن دواء هذه الجرثومة فقد من كافة الصيدليات، وبالتالي لم تستطع تأمينه مما أدى لوفاة الجنين واجهاضه في الشهر الرابع من الحمل.

الأخصائي بالتوليد والأمراض النسائية الطبيب لؤي (49 عاماً) ابن مدينة معرة النعمان يتحدث عن هذا الفيروس قائلا: “معظم الحوامل يعانين من مشكلة الإصابة بالتوكسوبلاسموز، وهذه الجرثومة متفاوتة الدرجة عند النساء، ونحن نقوم بوصف الدواء المناسب لكل حالة، وهو عادة الروفاسين. ولكن هذا الدواء فقد مؤخرا من الصيدليات في المناطق المحررة”. ويتحدث الطبيب لؤي عن خطورة الإصابة بهذه الجرثومة قائلا: “الخطير في الأمر أن هذه الجرثومة لايمكن علاجها نهائيا، فهي ستظل داخل الرحم ولكن نحن عن طريق الأدوية نعمل على تجميدها خلال الأشهر الأولى من الحمل، لمنعها من أذية الجنين. لذلك على المصابة بهذه الجرثومة أن تأخذ الأدوية كلما حملت، والجرثومة في كل مرة تكون متفاوتة القوة، فممكن أن تقوى وممكن أن تضعف، ويتبين هذا الأمر عن طريق التحليلات المستمرة لدم الحامل”.

وعن سبب الإصابة بهذه الجرثومة يقول الطبيب لؤي أنه قد يكون من التلوثات التي أصبحت في كل مكان، في الهواء والغذاء وأحيانا تأتي من وجود الحيوانات الأليفة في المنزل، وأحيانا هي مضاعفات لوجود التهابات داخل الرحم لا يتم علاجها باكراً.

الصيدلي أحمد (45 عاماً) من مدينة كفرنبل يقول: “نجد صعوبة كبيرة بتأمين بعض الأدوية ومنها الروفاميسين، وهذا الدواء أكثر الأدوية الملحة والتي لا يمكن الاستغناء عنها كما لا يوجد بديل لها. نقوم بجلبه أحياناً إما من تركيا أو من مناطق النظام، وبهذه الحالة ممكن مصادرة هذا الدواء على الطريق من قبل الحواجز وخسارتنا مبالغ كبيرة، أو ممكن أن يصل الينا وفي هذه الحالة نكون قد دفعنا الكثير من الأموال كرشاوي للحواجز للسماح له بالدخول، وهنا نضطر لرفع سعره أضعافا على المشتري لتحصيل تكاليف الدواء، سعره ونقله”. ويشير أحمد إلى “عدم توفر هذا الدواء حتى في مناطق النظام أحياناً، ما يدفع المريض إلى طلبه من الدول المجاورة مثل لبنان، تركيا أو الأردن عن طريق المعارف والأصدقاء”.

أم محمد (50عاما) من كفرنبل تقول: “ابنتي سلمى أجهضت في الشهر الخامس، رغم أننا أحضرنا لها الدواء من تركيا وبسعر مناسب، ولكن في ما بعد تبين تشوه الجنين وهو ما أدى لإجراء عملية إجهاض”. تضيف أم محمد “قال لنا بعض الصيادلة أن مفعول الدواء التركي ضعيف، وهم لا يجلبونه إلا عند الضرورة، حتى أن الطلب على الدواء التركي بشكل عام قليل لعدم فعاليته”. وتشير أم محمد إلى فقر زوج ابنتها وعدم استطاعته دفع تكاليف الدواء الاوروبي المهرّب، كما لايستطيع الذهاب إلى مناطق النظام لجلب الدواء، خوفاً من الاعتقال أو المشاكل التي ممكن أن يتعرض لها على الحواجز، وهذا ما اضطره لجلب الدواء التركي وهذه كانت النتيجة. وتشكو أم محمد من فاتورة المعاينة التي وصلت تسعيرتها إلى 800  ليرة سورية.

أخصائية الأمراض النسائية الطبيبة رقية (40عاما) تقول: “أنا أنصح جميع الحوامل بتناول دواء التوكسوبلاسموز خلال الأشهر الأولى من الحمل، سواء كانت الحامل مصابة أم لا. أولاً لأن هذه الجرثومة ممكن أن لا تظهر في التحليل وثانياً لأن تناول الحامل للدواء سيكون أضمن، إن لم ينفع لا يضر. ولكن المشكلة الآن في صعوبة توافر هذا الدواء في ظل الأزمة الراهنة، وعدم وجود دواء بديل له”.

من جهة أخرى تقول الطبيبة عائشة أنه ظهر دواء بديل عن الروفاميسين وأحدث منه ويدعى روكسيترو، وباستطاعة الحوامل مراجعة العيادات الطبية للاستعلام حول الدواء الجديد.

وعن دور مراكز الرعاية الصحية المجانية يقول يقول عضو المجلس المحلّي في كفرنبل أبو علي (42 عاماً): “لا يوجد مراكز صحية مجانية للعناية بالحوامل في مناطقنا، نظراً لعدم وجود الداعمين أو الممولين لهذه المراكز، حتى الأدوية التي تصلنا من الدول الداعمة هي أدوية لا تتعلق بالحوامل. لذلك فالمرأة الحامل مضطرة لزيارة العيادات الخاصة، وهي عيادات بتسعيرة مرتفعة بالنسبة للفقراء. كما تكون الحامل مضطرة أيضا لشراء الدواء، إن وجد وبأسعار مرتفعة أيضا”. ويوضح أبو علي أن عملهم في المجلس يقتصر على توزيع ما يأتيهم من أدوية ومواد غذائية على الفقراء والمحتاجين والمشافي الميدانية. تجدر الإشارة إلى وجود 3 مشافي خاصة ي كفرنبل فيما يتجاوز العدد الـ 45 مشفى خاص في محافظة إدلب ككل.

وبحسب الطبيب لؤي فـ”إن نسبة الحوامل المصابات بهذه الجرثومة تجاوز 45 في المئة على مستوى ريف إدلب، وهذه النسبة قابلة للزيادة بغياب الرقابة الصحية المجانية للحوامل”.

“لن أفكّر بالحمل والإنجاب، حتى أقوم بتأمين كمية مناسبة من دواء جرثومة التوكسوبلاسموز،لأنني لست مستعدة لأن أضحي بجنيني الثاني مهما كلفني الأمر”. بهذه الكلمات أنهت أحلام حديثها.