حواجز الرعب في ريف دمشق
أم ورد السورية
مدينتي جرمانا هي نقطة وصل بين الغوطة والعاصمة دمشق. لي ذكريات في دمشق وغوطتها، كما لي فيهما أصدقاء أزورهم بين الحين والآخر للإطمئنان إلى أحوالهم، لا سيما أنهم يقطنون مناطق ثائرة على النظام، وغالباً ما تقع فيها اشتباكات مسلحة وقصف يترافق مع قطع كافة وسائل الاتصال بهم.
يضاف إلى ذلك صعوبة التنقل بسبب تقطيع أوصال المناطق بحواجز عسكرية يديرها جيش النظام وأجهزته الأمنية واللجان الشعبية. فقد ازدادت أعداد هذه الحواجز عند مداخل الأحياء ومخارجها خلال الشهرين الماضيين بعد التفجير الكبير الذي أودى بحياة قادة الخلية الأمنية، علاوة على تواجدها الكثيف حول المراكز الأمنية التي تحتل مواقع عديدة ضمن المدن، وهذا ما يمنعنا من الوصول الى تلك المناطق أو مساعدة أهلها.
لا يمكنني الحديث عن الحواجز وانتشارها دون أن أتذكر تأثيرها الواضح في وصول المواد الإستهلاكية والطبية الضرورية لمن يحتاجها، ولطالما عانينا أثناء محاولتنا إدخال هذه المواد إلى السكان المحاصرين.
عند هذه الحواجز الكثير من القصص التي تحدث يومياً وأبطالها عناصر الأمن والجيش بكامل عتادهم، وضحيتها دائماً هو المواطن. يقوم هؤلاء العناصر بتفتيش السيارات والمارة بطريقة تكون غالباً مهينة بهدف البحث عن ناشطين أو مطلوبين أو كل من يحمل بطاقة شخصية كتب عليها إسم إحدى المناطق الثائرة: درعا؛ حماة؛ دير العصافير ؛الخ.
في بعض الأحيان تصل مخاطر المرور على الحواجز العسكرية إلى حد القتل بدون مبرر.
لقد شهدت حادثة مماثلة عند مدخل بلدة عقربا في ريف دمشق وكان ذلك في منتصف شهر أيار/مايو 2012، أواخر العام الدراسي الماضي. كانت الساعة حوالي الثالثة ظهراً، موعد عودة الموظفين من أعمالهم. كنت أستقل سيارتي عائدة بإبني من مدرسته الواقعة على طريق مطار دمشق الدولي، حيث يتوجب عليّ المرور داخل هذه البلدة للوصول إلى المدرسة. عند مدخل البلدة يقع حاجز أمني، في نقطة تلتقي فيها ثلاث طرقات.
عند عودتنا كانت الشوارع الثلاثة تغص بالمركبات بسبب تواجد هذا الحاجز الذي يديره عناصر الأمن الجوي والمخابرات الجوية. توقفنا كما الجميع ننتظر، ثم تتحرك سياراتنا ببطء شديد، قبل أن نعاود الوقوف لعشرات الدقائق. وبينما نحن ننتظر ونشاهد استياء الجميع، ترجل أحد الأشخاص من سيارته وذهب باتجاه عناصر الحاجز. وصل إليهم وبدا وكأنه يسألهم عن سبب هذا التوقف الطويل وعرقلة حركة المرور. بدأت الأصوات تعلو والأيدي تشير إلى أرتال السيارات، وأثناء جدالهم لقم أحد الضباط على الحاجز سلاحه الرشاش وأطلق نيرانه على الشاب وأرداه قتيلاً. حدث ذلك على مرأى الجميع ومسمعهم، بمن فيهم الأطفال والنساء. ذعر الجميع من دموية المشهد، وبدأ الأطفال بالصراخ.
عندها تساءل إبني: “هل مات؟” كذبت عليه وقلت: “لا لم تصبه تلك الطلقات كانت في الهواء.”
أكد لي إبني أنه رأى الدماء تغطي ثياب الشاب. عندها أدركت أن الجميع اطلع على ما حدث، حتى الأطفال. أما الكبار منا، فبتنا عاجزين حتى عن البكاء، وكأنّ شللاً جماعياً أصابنا. لم يقدر أحد منا أن يترجل من مكانه ليسعف ذاك الشاب إن كان لا يزال حياً.
تُشكل هذه الحواجز أيضاً خطراً كبيراً على من يحاول أن يوثق أعمال القصف أو القتال في ريف دمشق.
في السابع عشر من شهر أيلول/سبتمبر 2012 قامت كتيبة سيد الشهداء حمزة وهي إحدى كتائب الجيش الحر في غوطة دمشق عند الساعة الخامسة عصراً بمهاجمة حاجز للنظام عند الجسر الرابع لطريق مطار دمشق الدولي. (إستشهد قائد الكتيبة يوم 30 أيلول/سبتمبر بقذيفة دبابة). كان الحاجز مجهزاً بدبابتين ويديره عشرات العناصر، يقومون باستهداف بلدتيّ شبعا ودير العصافير بالقذائف والرصاص بين الحين والآخر. نتيجةً لهذه العملية، قام طيران النظام باستهداف البلدتين بالصواريخ. وقعت إصابات عدة من المدنيين وعناصر الجيش الحر، بالإضافة إلى أضرار بليغة بالممتلكات. بعد انتهاء المعركة تم استدعائي للتصوير بهدف توثيق الدمار والإصابات، فقررت الذهاب الساعة العاشرة ليلاً، واتصلت بصديق ليوصلني إلى هناك. أسميه “تاكسي الثورة.”
توقفنا على أحد الحواجز، وتم سؤالنا عن وجهتنا. كنت قد أحذت معي بعض المواد الطبية التي خبأتها في إحدى زوايا السيارة. إضطررت للمزاح مع العناصر وتجاذب أطراف الحديث معهم لكي أستطيع المرور دون تفتيش. عبرنا الحاجز بسلام وسلكنا طريق البساتين الحالكة الظلام إلى أن اقتربنا من وجهتنا. كان علينا أن نطفئ أضواء السيارة لقربنا من مكان الإشتباك على الجسر الرابع ولوجود القناصة الذين كانوا يستهدفون أي شيء يتحرك. عندها قام السائق بزيادة السرعة إلى أن دخلنا بلدة شبعا بأمان.
المسافة بين جرمانا وبلدة شبعا تستغرق في الأحوال الطبيعية من عشرة دقائق إلى ربع ساعة؛ إستغرقت طريقنا ذلك اليوم ساعة ونصف تقريباً. كنا محتارين بين أن نتابع سيرنا أو نعود أدراجنا ونسلك طريقاً آخر، كما كنا نسير ببطء شديد بسبب إطفاء أضواء السيارة.
أصبحت خبيرة بأغلب الطرق والممرات التي قلما يتواجد فيها حواجز أمنية. وهذا ليس حالي وحدي؛ معظم الناشطين من سكان دمشق وريفها يتنقلون عبرها لتسيير شؤون حياتهم وثورتهم كونها أكثر أمناً لهم.