حكاية ثائرات

“من أجل نصرة الحق والدفاع عن المظلومين وعدم رغبتي في رؤية مرتكبي مجازر حماة وهم يكررونها دون محاسبة أو عقاب”، هذه هي الأسباب التي تدفع إيمان إلى المشاركة في الحراك الشعبي لإسقاط نظام حزب البعث في سورية. وتستطرد الشابة قائلة: “مع إنتظار وصول شرارة الثورة من تونس ومصر وليبيا كنا نأمل في حدوث تغيير طالما إنتظرناه منذ كنا صغاراً حتى ظهرت بشائره في أواسط شهر آذار الماضي”. ومنذ ذلك الحين بدأت إيمان نشاطها المعارض عبر الفيسبوك والتنسيق مع ناشطين أساسيين على الأرض. فبدأت بالإشتراك في التظاهرات والكتابة في مواقع إلكترونية: “أي ثائر أو ثائرة يجب أن لا يبخل في تقديم العون للثورة مهما كان حجم العمل صغيراً بدءاً من وضع “إعجاب” على صفحات الفيسبوك ثم الكتابة والتعليق، أو مروراً بالعمل الميداني والتظاهر السلمي وتوعية المعارف والأصدقاء بحقيقة الثورة”.

ترى الناشطة أن مشاركة المرأة  أمر طبيعي وحتمي لا غرابة فيه. فالمجتمع يتألف من الرجل والمرأة فكان لزاماً على المرأة أن تعيش التجارب ذاتها ولو إختلفت في بعض الحالات. فهناك إعتراض دائم من قبل الأهالي على خروج الفتاة في مظاهرات خشية إعتقالها وإغتصابها. كما أن مشاركة المرأة في الثورة، حسب رأي إيمان، يعتبر أمر لا غنى عنه خاصة أنها تقوم بأدوار معينة لا يستطيع الرجل القيام بها، مثل رعاية أسر الشهداء. فنساء الشهداء أحياناً لا يستطيعون التعامل مع رجال غرباء كونهم في مجتمع ملتزم تحكمه العادات مما يجبر الفتاة على القيام بهذا الواجب وتقديم الرعاية النفسية لأطفال العائلات بالإضافة إلى مداواة الجرحى. فالثورة، حسب إقتناع الشابة، ليست عبارة عن المشاركة في التظاهرات وحسب. بل تمتد لأعمال إغاثية وإنسانية أخرى.

وتقول إيمان: “إن أكثر اللحظات ألماً بالنسبة لي هي عندما أرى الصامتين عن الجرائم التي يرتكبها النظام يتورعون عن قول الحق، أو عند إعتقال أحبتي وأصدقائي أمامي لمجرد أنهم خرجوا سلمياً للمطالبة بأبسط حقوقهم، أو عندما أرى شهداء بلدي الأحباء يضحون بحياتهم لأجلنا بينما يتقاعس آخرون عن إكمال المسيرة من بعدهم ويتجاهلون تضحياتهم”. ولكن هناك أيضاً أمور تفرح الشابة، مثل كسر حاجز الخوف الذي كان يشكل جزءً أساسياً من حياتها اليومية قبل إتدلاع الثورة: “أصبحت الآن قادرة على تخيل سوريا الحرة ما بعد الأسد ونحن البرهان على أنه لن يبقى إلى الأبد”.

غالباً لا تعترض عائلة إيمان على نشاطها ولكن أحياناً يتغلب الخوف على أفراد العائلة ويحاولون الحد من اندفاعها: “إلا أن عنادي وإصراري أقوى، وأكافح من أجل تجاوز القيود التي إعتاد المجتمع أن يفرضها على كل من يخالفه الرأي”. تعترف الناشطة بأنها كثيراً ما تفكر بخطر الإعتقال وبما قد يحصل لها في السجن: “لكنني مع ذلك أقنع نفسي دوماً بأنني لن أكون أول الضحايا ولا آخرهم لأن القدر واقع سواء كنت ناشطة في الثورة أو مواطنة عادية، فبطش النظام يطال الجميع. بالطبع لا أتمنى أن أعتقل، أحاول أن أثق بنفسي وأن لا أخاف. فمطلبنا في النهاية هو الحرية التي لا تأخذ إلا بالتضحيات”.

أجيال لن تقبل القهر

شكل الخطاب الأول الذي القاه الرئيس السوري بشار الأسد في مجلس الشعب والذي لم يعترف فيه بوجود معضلة في سوريا اللحظة الحاسمة التي دفعت ماريا إلى الإنخراط في الحركة الشعبية: “كوني فتاة لم يوقفني عن لعب دور فاعل ومؤثر جنباً إلى جنب الرجل في هذه الثورة. في كثير من الأحيان يثير خروجنا نحن النساء النخوة في قلوب الرجال الصامتين حين يروننا نتلقى الإهانات والضرب والشتائم، بينما هم خائفون متخاذلون ينتظرون ساعات فرج تنزل عليهم وهم متقاعسون”.

الثورة تعني، حسب تعريف ماريا، إسترداد الكرامة والحرية المهدورتين من قبل عائلة حاكمة وأتباعها: “إنها ثورة شعب يسعى نحو الديمقراطية، ثورة سلمية. أشارك بكل إمكانياتي، من خلال العمل الميداني في التظاهر أو النشاط عبر مواقع التواصل الإجتماعي مع الثوار بالإضافة للمساعدات المادية”.

رغم بيئة ماريا المثقفة والتي “ترفض الظلم والقهر والإستبداد” إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإقناع أهلها الملتزمين جداً في مجتمع تحكمه العادات. يبررون موقفهم بأن العمل الثوري عبء ثقيل على كاهل المرأة الشابة وخاصة ما تتعرض له من إهانة وتنكيل وإعتقال. بالإضافة إلى أنه يلهيها عن واجباتها المنزلية كونها متزوجة وتتحمل مسؤولية بيتها، حسب رأيهم. ولكن تؤكد ماريا أن هذه المصاعب لم تثنيها عن مواصلة نشاطها.

وتقول ماريا: “لكي استطيع تقديم شيئاً للثورة وضعت جدولاً لحياتي أوازن فيه بين عملي المنزلي ونشاطي الثوري. اتخيل هذه اللحظات وأوثقها في مخيلتي كي أحدثها لأبنائي وأحفادي في المستقبل. مررت بلحظات ألم وفرح كثيرة. يؤلمني عندما أرى شيخاً عجوزاً يهان، أو شاباً في مقتبل العمر يذل، أو طفلة تبكي على والدها الشهيد، أو أماً مفجوعة ترثي ولدها. ولكن عشت لحظات فرح أيضاً. أتذكر مثلاً في إحدى التظاهرات التي خرجت بها عندما أقترب رجل الأمن مني ركلته ركلة محكمة في منطقة حساسة وهربت. شعرت حينها بقوتي وإيماني في ثورتي”.

قلق دائم من الإعتقال يرافق ماريا في نشاطها: “كان هاجس الإعتقال يلاحقني في كل مرة أخرج فيها للتظاهر أو عندما يحدثني بعض الأصدقاء عن تجربته في الإعتقال. أخاف من هذا المجهول، كما ينتابني أرق الخوف على والدتي ووالدي، وزوجي وأولادي. لكن رغم كل هذه المشاعر أمضي نحو هدفي ولا يثنيني الضعف قدماً لمتابعة ما بدأت. وأقول لو أن كل من يشارك بالثورة يخشى الإعتقال ويعتزل النضال فكيف تستمر الثورة؟ العودة إلى الوراء أصبحة في طيات النسيان”.

تتشابه أحلام الناشطتين إيمان وماريا: سقوط النظام بأسرع وقت ممكن كي لا تزهق أرواح أناس أبرياء آخرين، بالإضافة إلى محاكمة كل من كان مسؤولاً خلال الثورة أو قبلها عن أعمال القتل والتعذيب. تكافح إيمان من أجل العيش في سوريا حرة يسودها العدل والأمان الحقيقين بعيداً عن الديكتاتورية لتزيل من مخيلتها تلك الصورة الرتيبة السابقة التي عاشتها عندما لم تكن تجرؤ على البوح بأفكارها خشيةً من نظام قضى حتى على الأحلام.

وتضيف ماريا قائلة: “أتمنى أن يدخل الصامتون إلى جانب شعبهم الثائر ونصرة لإخوانهم وأن يخلعوا رداء الخوف والجبن لكي نرسم يداً بيد سوريا تتمتع بالقانون والدستور. حلمي الشخصي يكمن في الوصول  إلى طموحي الإعلامي. أريد أن أقوم بدور مؤثر ومثمر وفعال في المستقبل أيضاً”.