حرية المرأة الشخصية في سوريا بمواجهة التقاليد والعادات
A woman wearing a niqab in Kafr Nabl. Photo: Maha Al-Ahmad
تمرّ جنازة صفاء (15 عاماً) بموكب مهيب وحزين في شوارع كفرنبل، لتوارى الثرى. سبب الوفاة بحسب الدكتور أحمد (65 عاماً) تناول مادة سامّة.
صفاء يتيمة الأب، تزوجت باكراً من شاب لم تكن ترغب الزواج به، ولكنها تزوجته بعد إصرار جدها ووالدتها. ونتيجة عدم اقتناعها بهذا الزواج وعدم قدرتها على اتخاذ قرار شخصي بالرفض يلزم من حولها، وقعت في فخ الانتحار، بعد حفل زواجها بثمانية أشهر. صفاء ليست الوحيدة في إدلب وريفها ممن يحرمن أحياناً من اتخاذ قرارات خاصه بهن، فهناك العديد من النساء ممن تفرض عليهن آراء وتصرفات تحد من حريتهن الشخصية، في ظل مجتمع ذكوري.
رحمه (50 عاماً) عمّة صفاء تقول: “لم تكن ابنة أخي مقتنعه بزوجهان ولم تكن تحبه، حيث أنها غالباً ما كانت تشكو من هذا الأمر لأن شكل وجهه المشوه بسبب حروق قديمه كان يحول بينها وبين القبول به، ولكن ضغط أقربائها عليها جعلها توافق على الزواج به بدون قناعتها التامة مما أدى لهذه النهايه الحزينة”.
أم محمد (70عاما) تقول “قديماًعندما كنت شابة كانت المرأة محكومه بآراء زوجها وأبيها ومن الذكور الذين يملكون سلطة عليها. فعلى سبيل المثال كان والد الفتاة يجبرها على الزواج من ابن عمها، ولا يكترث لرأيها بهذا الموضوع، مع أن الشرع يضمن لها حق الأختيار. مع تقدم الزمن خفّت حدة هذه العادات والتقاليد نوعا ما وأصبحت نادرة”. لكن الحاجه أم محمد لا تنفي وجود بعض هذه الحالات النادرة في الزمن الحديث. بل ترى أنها تزايدت خصوصا في زمن الثورة، بسبب عودة التحكم بشخصية المرأة من خلال فرض الآراء عليها بسبب الظروف السيئة التي أجبرت بعض الأهالي مثلاً على التحكم ببناتهن في إطار الخوف عليهن من احتمال تعرضهن للأذى، مما جعل ذلك يلغي من قراراتهن الشخصية ويحد منها”.
ريم (19 عاماً) حصلت على الشهاده الثانوية. كانت ترغب بإكمال دراستها الجامعية، إلا أن والدها لم يسمح لها بإكمال بالذهاب إلى جامعة حلب التي تخضع لسلطة النظام، بسبب خشيته عليها من الإعتقال. وذلك بعد سلسلة الاعتقالات التي طالت عدداً من البنات في جامعة حلب من قبل قوات النظام. تقول ريم: “لقد حاولت مراراً أن أقنع أبي أن يسمح لي بالذهاب إلى الجامعة ولكن بدون جدوى”.
والد ريم (65 عاما) يوضح ان كثرة الوافدين الى البلاد من مختلف الاجناس، جعله يخاف على ابنته ويمنعها من اكمال دراستها. هو يخشى عليها من أمور كثيرة وأهمها الخطف بسبب انعدام الأمن في زمن الحرب. في حين أن الوضع ما قبل الثورة كان مشجعاً لمنح الحرية الشخصيه للفتاة بشكل خاص. لأن سوريا قبل الثوره كانت من أوائل الدول التي تتمتع بالأمان بحسب ما يقول والد ريم.
إيمان (30 عاماً) من كفرنبل، بدأت قبل سنة تقريباً بوضع الخمار (قطعة قماش سوداء تغطّي الرأس والوجه)، وذلك بناءً على طلب زوجها. مع أنها غير مقتنعه بوضعه كما تقول. وتعتقد إيمان أن زوجها استغل انتشار هذه الظاهره بسبب غيرته الزائدة عليها. وطلب منها وضع الخمار فاضطرت ان تصغي لطلبه لتفادي وقوع المشاكل بينهما. تشعر إيمان أن تحكّم زوجها بها يفقدها قسماً من حريتها الشخصية، وبنفس الوقت لا تسطيع مخالفة طلباته، حرصاً منها على استقرار الأسرة. زوجها يمنعها من ممارسة أشياء كثيرة ترغب بها، ومنها العمل خارج المنزل.
بالمقابل هناك العديد من النساء ممن يتخذن من قناعتهن الشخصية وحرية قراراتهن مبدأ للحياة والعيش بالحدود التي يحددها الشرع الإسلامي. رقية (27 عاماً)، ابنة بلدة احسم شمال كفرنبل، قررت الزواج مرة أخرى بعد مكوث زوجها في السجن أكثر من أربع سنوات، على الرغم من كونها والدة لطفلين. تقول رقية: “بناء على طلبي قام الشيخ محمد بإجراءات الطلاق غيابياً. الشرع يقضي بأن تطلق المرأة من زوجها غيابيا إذا غاب عنها أكثر من أربع سنوات، إذا رغبت”. رقية متزوجة حاليا من شاب تعرّفت عليه أثناء عملها في أحد المراكز التي كانت تعمل بها. رقية التي ضمن لها الشرع حق الزواج مرة أخرى بعد غياب زوجها، لم تسلم من انتقادات مجتمعها اللاذعة، وقسوة العادات والتقاليد التي تنظر بعين الازدراء لكل امرأة تترك أولادها لتتزوج ثانية، رغم أنها تركت ولديها عند والدتها. رقية تقول “اتخذت قراري بالزواج مرة أخرى وانطلاقاً من مصلحتي الشخصية، على الرغم من معارضة الكثيرين لقراري لم اكترث لذلك. ولا أرغب في تكوين العلاقات العشوائية والغير شرعية بنفس الوقت لأن نتائجها ستكون سلبية”.
الشيخ محمد (75 عاماً) من كفرنبل يقول: “أن الإسلام لم يحرّم شيئا إلا من أجل الإنسان، فعلى سبيل المثال وعندما حرّم على المرأة العلاقات المشبوهة الغير شرعية كالزنا، السفر الطويل بدون مرافق، التبرج وإظهار الزينة لغير زوجها، والاتصاف بالاخلاق الفاسدة، فذلك كان من أجل حمايتها من التعرض للأذى والاعتداء. وبالتالي لحفظ المجتمع البشري لأن العلاقات الغير شرعية تتسبب في ضياع النسب وزيادة نسبة الأطفال المشرّدين كما هو معروف. وأحلّ الإسلام للمرأه العديد من الأمور التي لا تتسبب لها وللمجتمع بأذى مباشر، كالطلاق عند نفاذ ونهاية الحلول، وأيضا الزواج مرة أخرى بعد فقد الزوج أو غيابه لمدة طويلة مع انقطاع أخباره”. ويفيد الشيخ محمد “أن أغلب النساء في المجتمع يعملن بأوامر الشرع الذي يقيد الحرية الشخصيه نوعاً ما، لأنهن على قناعة تامّة بأن ذلك يصب في مصلحتهن الشخصية في النهاية. وهناك حالات نادرة من النساء اللواتي يتخطين حدود الشرع، حيث غالباً ما يتسبب لهن ذلك بالدمار والخراب ناهيك عن ان المجتمع ينظر إليهن نظرة احتقار”.
فاطمة (45 عاماً) تحمل شهاده جامعية، تمت تربيتها منذ الصغر على حرية الاختيار، تعيش اليوم بحرية تامة كما تقول مع أولادها الثلاثة وزوجها. تعمل فاطمة بالتدريس وهي مبدعة في عملها لدرجة أنها تنوي حالياً إنشاء مدرسة خاصة. وبرأي فاطمه أن المرأة حين تحصل على حريتها الشخصية تستطيع أن تبدع أكثر، وتكون عنصراً فعالاً أكثر في المجتمع. من خلال إحصائية خاصة قامت بها مع زميلاتها، وجدت فاطمة “أن أغلب النساء الناجحات في مجتمعها كن يحصلن على قدر كافٍ من حرّية القرارات والتصرفات الشخصية. وتعتقد فاطمة أنّه كلّما كانت المرأه مقيدة الرأي والحرية كانت أقلّ عطاءً وفاعلية في المجتمع.
رشا زميلة فاطمة وهي ابنة كفرنبل أيضاً تقول: “لقد دعت بعض الجهات لوضع الخمار حديثاً، ولكني كنت من النساء اللواتي لم يقتنعن بوضعه فلم ألبسه، رغم إلحاح أخي علي لأرتديه. واكتفيت بلباسي الشرعي الذي تعارف عليه مجتمعي منذ القدم. تغطية الرأس ولبس الطويل فقط . ولم أهتم لرأي أخي وفعلت ما يناسبني بحرية تامّة، وأنا مستعدّة لأن أقاوم حتى النهاية في سبيل حريتي الشخصية، ما دمت مقتنعة بما أقوم به في حدود الشرع وديني الذي أعتز به”.