جنود النظام القتلى لا يشيعون في مناطق المعارضة
عبدالله كليدو
(كفرنبل- سوريا) بعد أن أدت الناس صلاة العصر في مسجد مدينة كفرنبل الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة منذ 15 آب/أغسطس 2012, دعا مؤذن الجامع لصلاة جنازة الغائب، على جندي قتل وهو
مازال مع النظام. تراجع معظم الناس وخرجوا من المسجد دون أداء الصلاة، ومن بقي هم أقرباء الجندي وجيرانه فقط.
في مدينة كفرنبل الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، لا يشيع من بقوا بجانب القوات الحكومية وقتلوا في المعارك الدائرة مع المعارضة المسلحة، وإن شيعوا فليس بشكل لائق، ومن يحضر التشييع هم فقط أقارب الجندي القتيل.
يقول أبو تيم والد الجندي الذي قتله عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في مطار الطبقة العسكري شمالي محافظة الرقة: “عندما سألت عن ولدي في السجلات العسكرية التابعة للقوات الحكومية قالوا لي: إن ابني استشهد في مطار الطبقة على يد تنظيم الدولة الإسلامية”.
أبو تيم يعرف جيداً واقع مدينته الخاضعة للمعارضة، ولكن كان لابد من الإعلان عن الوفاة، حيث يقول: “كنت أعرف جيداً أن الكثيرين لن يوافقوا على إعلان الوفاة كما هي العادة في المدينة من خلال المكبرات الصوتية الموجودة في المساجد، حتى أن أقرب الناس لي طلب مني عدم الإعلان متعللاً بأن ولدي قتل في الجانب الخاطئ”. يضيف أبو تيم: “بالرغم من كل هذا آثرت أن أعلن الوفاة في المسجد، فمن شروط الوفاة الإعلان بغض النظر عن اتجاهات المتوفي، وولدي حاول مراراً الانشقاق عن القوات الحكومية ولكن دون جدوى، وأنا متيقن من أنه لم يؤذِ أحداً”.
كثيرة هي جلسات الجدل التي تقع في المدينة كلما توارد خبر وفاة أحد أبنائها ممن بقوا بجانب النظام، فالبعض يبحث ويلتمس لهم الأعذار أما البعض الآخر يرفض قطعا أي عذر لهم.
الجندي المنشق عن النظام فارس الجمال (26عاماً) يرد عدم انشقاق هؤلاء الجنود لعدم مقدرتهم على ذلك، كما ويطرح نفسه مثالاً، فهو لم يستطع الانشقاق إلا بعد أن استطاع الحصول على إذن رسمي من قطعته العسكرية، فقرر بعدها الانشقاق والهرب، ويقول الجمال” من المجحف بحق من قتل مع النظام أن لا يصلّى عليه في المدينة، فهناك من لم يستطع الانشقاق عن النظام…يجب أن نلتمس لهم الأعذار”.
على المقلب الآخر يقف الطالب الشرعي أحمد الحبيش (24عاماً) الذي يعتبر أن القتلى في صفوف القوات الحكومية “خانوا دماء الشهداء”. ويقول الحبيش: “لا عذر شرعي لمن يموت وهو بجانب النظام، ولا يصلّى عليه ولا تعلن وفاته ولا يدفن في مقابر المسلمين”.
ومن جهة أخرى يقول أبو تيم: “لم اتعرض إلى الآن لمضايقات أو منع من الإعلان عن وفاة ولدي، ولكن أكثر ما يحذ بالنفس هو الكلام الذي تسمعه من هنا وهناك من قبل البعض أن ولدي لايجب الإعلان عن وفاته أو حتى عدم الصلاة عليه”.
يتجنب المجلس المحلي لمدينة كفرنبل الخوض في هذه الأمور، ويرمي القضية على عاتق الجهات الشرعية المعنية بالمساجد في المدينة. ويقول رئيس المجلس المحلي عدنان القاسم: “لا نتدخل في هذه القضية ولكن نحن نقوم فقط بتوثيق القتلى في المدينة، إن كانوا من المعارضة أو مازالوا مع النظام، وبالنسبة للتشييع هناك لجان شرعية (مجموعة منتخبة من قبل الأهالي، تقوم بتسيير الأمور الدينية في المدينة) مسؤولة عن المساجد يعود لها التقرير في هذا الأمر”.
في كل مسجد في مدينة كفرنبل هناك لجنة من الأهالي مسؤولة عنه، ويعتبر أحد أعضاء اللجنة المسؤولة عن مسجد العزيزة شرقي المدينة، والذي فضل عدم ذكر اسمه أن “من بقي بجانب القوات الحكومية اختار الوقوف مع الجانب الخاطئ، واللجان لا تعلم متى يتم تشييع أحد منهم في المساجد، وإذا علمنا مسبقاً أنه سيشع بنفس المسجد المسؤولين عنه… من المؤكد سنرفض الصلاة عليه بالمسجد”.
عفيف العمور رئيس الهيئة العامة لكفرنبل (مجموعة منتخبة من قبل أهالي مدينة كفرنبل، تقوم بتسيير أمور المدينة، ومن أعمالهم تشكيل المجلس المحلي في المدينة، والمجلس مسؤول أمامها) يتفق في الموقف مع الطالب الشرعي أحمد الحبيش في شأن عدم الصلاة على من قتل وهو مازال بجانب النظام، كما واتخذ موقفاً أشد منه في هذا الأمر وتجاوزه إلى عدم اعتبارهم من أبناء المدينة. ورفض العمور إعطاء أي عذر لمن بقي بجانب النظام، وقال: “حتى لو أن أخي بقي مع النظام وقتل…لن أصلي عليه ولن أدع أحد يحضره إلى المدينة لتشييعه والصلاة عليه”.
أم عمار ربة منزل (45عاماً) لها رأيها المغاير مما سبق فهي تعتبر أن هؤلاء الجنود من أبناء البلدة ويجب الصلاة عليهم، كما وتذهب أم عمار إلى تحليل السبب، “بأن هؤلاء لم يتمكنوا من الانشقاق عن النظام فنحن نعرف جيدا صعوبة الامر، كثيرون قتلوا وهم يحاولون”.
ومن جهته يعتبر محرر أخبار “راديو فريش” التي تبث من كفرنبل عبادة الأنصاري (26 عاماً)، “أن بعض الجنود هم سجناء في تشكيلاتهم العسكرية، والكثير منهم قتل على يد النظام، وبرأيه أن هؤلاء يجب الصلاة عليهم وتشييعهم كالشهداء”. أما من بقي بمحض إرادته مع النظام، فيتفق عبادة مع كل من أحمد وعفيف في عدم وجوب الصلاة عليهم في المدينة.
يقول أبو تيم: “نعم لم يشارك كثيرون في الصلاة على ولدي، ومع ذلك فتحت بيتي للعزاء، فأنا أعرف ولدي جيداً، وأعلم تماماَ بأنه لم يتعرّض لأحد بأذى، وبالنسبة للجنة والنار هناك رب يحكم بين الناس”.