جمعيات للعناية بالسجناء المحررين في سوريا
بعد سجن دام اكثر من 30 عاماً يعود وليد القاسم (58 عاماً) إلى منزله بعد تحريره من سجن تدمر، عاد منهكاً، مريضاً ويائساً، ولكنه اليوم وبدعم من رابطة أحرار سجن تدمر، يستعيد نشاطه وحيويته. لم يعد وليد منبوذاً كما كان في عهد “النظام” (النظام تسمية درج الثوار على استخدامها لوصف سلطة حزب البعث الحاكم)، بل أصبح حرّاً وتذوق طعم الحرّية لأول مرّة في زمن الثورة السورية.
رابطة أحرار سجن تدمر، وبحسب الشيخ عبدالناصر تعتاع (45 عاماً) “تم استحداثها للعناية بسجناء تدمر المحررين، لاسيما وأنهم الفئة الأكثر تضرراً، خاصة وأن معاناتهم بدأت قبل الثورة بزمن طويل”. التعتاع يحمل شهادة دكتوراه في الشريعة، وهو يعمل في جمعية الوفاء الخيرية ومقرها كفرعويد. ويلفت التعتاع إلى أن للرابطة العديد من المراكز والمقرات الموزعة في جميع المناطق السورية المحررة، ومنها كفرنبل وكفرعويد، وأطلق على هذه المراكز والجمعيات أسماء ومنها الرحمة في كفرنبل، والوفاء وعطاء في كفرعويد. ويضيف تعتاع “أن هذه الجمعيات استحدثت عقب تحرير كفرنبل في 25 آب/أغسطس 2012، ولكن بإمكانيات بسيطة. أما الآن فدعمها أصبح أكبر بعد إنشاء رابطة أحرار سجن تدمر التي دعمت هذه الجمعيات، المقر الرئيسي لهذه الرابطة في الريحانية، وهي تحظى بدعم من الهلال الأحمر القطري والكويت والسعودية، وهناك أيضا رابطة ملتقى البيت الحلبي وجمعية أنصار المظلومين الخاصة بدعم الإخوان المسلمين في سوريا”.
ومن أشكال الدعم المقدم من هذه الجمعيات بحسب التعتاع منح الإخوان وعوائلهم رواتب شهرية لا تقل عن 100 دولار أميركي، ومعونات شهرية تتضمن مواد غذائية وأدوات منزلية وملابس وغيرها.
أحمد الأموني (70 عاماً) أحد المشرفين على جمعية الرحمة في كفرنبل يقول “عمل الجمعية واسع، يشمل كفالة الأيتام ممن قضوا آباؤهم في السجون، وأيضا كفالة العوائل الفقيرة ومشاريع بناء سكن وأفران وآبار ارتوازية. وكلها لدعم الإخوان والمحتاجين زمن الثورة”. ويوضح الاموني “أن هناك جماعات من الإخوان انتسبوا للثورة منذ بدايتها، بعضهم يحارب على الجبهات وبعضهم الآخر يقوم بدعم المقاتلين مادياً، مثل الإخوان السوريين المغتربين في دول الخليج وغيرها، فهؤلاء يقدمون دعماً كبيراً بالأموال للمقاتلين الإخوان، ومنهم الشيخ عدنان العرعور وبالتالي فإن أوضاع الإخوان المقاتلين هي أفضل بكثير من دعم الإخوان غير المقاتلين”.
أحمد السويد أبو جميل (48 عاماً) أحد أعضاء جمعية الرحمة يقول “ليس من مقر ثابت للجمعية، وذلك حفاظاً على أمنها من قصف الطيران الحربي، نحن نغير مكانها باستمرار، وهي عبارة عن مخازن توضع فيها المعونات في الطوابق الأرضية من الأبنية”. ويعول أبو جميل على الجلسة الافتتاحية لمؤتمر العلماء المسلمين السنة الذي انعقد في اسطنبول في 8 أغسطس/آب 2015، وهو بمثابة اعتراف دولي بمنظمة الإخوان المسلمين، وبالتالي إمكانية تحسين أوضاع الإخوان في جميع الأنحاء.
وتأسست جماعة الأخوان المسلمين في سوريا في العام 1942 بمبادرة من مصطفى السباعي، وهي تُعد إمتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين في مصر التي أسسها حسن البنا في العام 1928. قتلت مجموعة مقاتلة انشقت عن الجماعة في العام 1979 نحو 83 تلميذًا ضابطًا علويًا في مدرسة المدفعية العسكرية في حلب. ما دفع بالرئيس حافظ الأسد في العام 1980 إلى حظر الحركة ومعاقبة كل من يثبت انتماؤه لها بالإعدام. استمر العنف بين الجانبين حتى شن النظام حملة عسكرية كبرى استهدفت مدينة حماة في شباط/ فبراير 1982، قتل فيها ما بين 10 آلاف و 25 ألفًا من سكانها.
وليد القاسم واحد من مئات المنتمين إلى حزب الإخوان المسلمين المعارض للنظام. تم اعتقاله في ثمانينيات القرن الماضي مع آخرين كثر، وبقي قابعاً في سجن تدمر المركزي حتى شهر أيار/مايو 2015، حيث تم تحريره مع عدد من السجناء بعد سيطرة تنظيم داعش على المدينة.
يقول وليد “عرفنا ماهية هذا النظام منذ البداية، هو نظام طائفي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، منذ استلم مقاليد الحكم وهو يعامل السنة معاملة سيئة بينما يحظى العلويون بكل الاهتمام وتقليد كافة مناصب الدولة”. ويضيف وليد أنه مع بقية الإخوان حملوا على عاتقهم تحرير سوريا من حكم آل الأسد ولكنهم لم يتوقعوا كل هذه الشراسة التي أظهرها النظام ضد جماعة الإخوان، من قتل وتهجير وملاحقة واعتقال. ويسترجع خالد ذكرياته حين كان في الخامسة والعشرين من عمره حين داهمت قوات الأسد مدينة كفرنبل بالطائرات المروحية وبدأوا بالاعتقالات العشوائية، تمكن خالد من الهرب لمدة ولكنهم تمكنوا فيما بعد من اعتقاله.
ويتابع وليد قصته المأساوية بعد اعتقاله قائلا “لم يبق وسيلة تعذيب لم يستخدموها ضدنا في السجن، هذا عدا عن الإعدامات والتصفيات التي وقعت، وبعد تلك السنوات التي عشتها داخل السجن فقدت الأمل بالحرية، وبأنني سأعود لمنزلي وبلدتي وعائلتي ثانية”. ويشير وليد أنه وبعد تحرير السجن استطاع العودة لحياته الطبيعية بمساعدة رابطة أحرار سجن تدمر والتي قدمت له الدعم المادي والمعنوي”. أم محمد (75 عاماً) من مدينة كفرنبل هي أم لشابين قتلا في ثمانينيات القرن الماضي من قبل النظام باعتبارهما من الإخوان، تقول “أتلقى الدعم منذ تحرير كفرنبل من قبل جمعية الرحمة، التي خصصت لي مساعدة شهرية”. وتشكر أم محمد الداعمين لهذه الجمعية لأنها دفعت عنها الحاجة والعوز.
أحد وجهاء مدينة كفرنبل ويدعى أبو محمود (52 عاماً) يقول “إن لهذه الجمعيات طابعاً إنسانياً بحتاً، لأنها تعنى بشؤون الإخوان الذين لطالما تعرّضوا للظلم والقهر، كما وتعنى أيضا بالفقراء والأيتام في المنطقة”.
أما أبو خالد (45 عاماً) أحد المقاتلين من الإخوان فيقول “نتلقى رواتب شهرية من جمعية الإخوان بالاضافة لمعونات إغاثية وغذائية، هكذا تستطيع عوائلنا الإنفاق على نفسها بينما نحن جلّ اهتمامنا هو القتال على الجبهات، وإسقاط هذا النظام المستبد”. ويؤكد أبو خالد “أن جميع إخوان سوريا كانوا يحلمون بهذه الثورة منذ زمن طويل، وخاصة بعد قمعهم وقتلهم وتشريدهم وكبتهم واعتقالهم، وكانت هذه الثورة فرصتهم للانتقام لما فعله بهم هذا النظام” .ويختم أبو خالد حديثه بالقول “لم يكن الماضي لنا، ولكن المستقبل لا شك سيكون لكل السوريين، ولن يكون فيه لآل الأسد أي نصيب بعون آلله”.