جرابلس من مدينة سورية إلى إمارة في “دولة العراق والشام الإسلامية”
يوسف شيخو
يبدو لمتابع الشأن السوري، السياسي والميداني، أن جرابلس التابعة لمحافظة حلب، تعد من بين أكثر المناطق “المحررة” هدوءا واستقراراً في سوريا. لكن جرابلس التي لم يتغير عليها الكثير في الفترة الأولى بعد سقوط النظام وتولي مجلس محلي إدارة شؤونها، وجدت نفسها قبل بضعة أسابيع فجأة أمام أزمة تتصل بهويتها واسمها وكونها أصبحت “إمارة” تابعة لـ “دولة الشام والعراق الإسلامية”.
نتج تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عن اندماج عناصر من “جبهة النصرة” مع فرع القاعدة في العراق المعروف باسم “دولة العراق الإسلامية” في شهر نيسان / أبريل، تحت قيادة زعيم القاعدة في العراق أبي بكر البغدادي، وهي خطوة رفضها زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ورفضها أيضاً زعيم “جبهة النصرة”. إلا أن فرع “جبهة النصرة” الموجود في جرابلس كان من بين أيدوا الدمج بين التنظيمين.
وبدأت “إمارة جرابلس” التابعة ل”دولة الشام والعراق الاسلامية”، بإنشاء مؤسساتها. فمبنى المركز الثقافي سابقاً، تحول إلى “مدرسة جمعية أهل السنة والجماعة”، فيما يرفرف علم “الدولة الإسلامية” على الكثير من المباني الحكومة السابقة.
وبالرغم من طغيان العنصر السوري على مقاتلي “الدولة الإسلامية” في جرابلس، يُلاحظ وجود أعداد غير قليلة من المقاتلين العرب في صفوفهم. وتزامنت زيارة “دماسكوس بيورو” للمدينة في شهر حزيران / يونيو، مع خطبة الجمعة، حيث كان نائب أمير “الدولة الإسلامية” في جرابلس الشيخ عمر، يرحّب في إحدى خطبه، بثلاث مقاتلين من مدينة مراكش في المغرب.
وقال الشيخ عمر: “هؤلاء قدموا من مراكش وبايعوا دولة الإسلام، للذود عن أعراض المسلمين ولتحكيم شرع الله”. وأضاف في خطبته: “لا يظن ظان أن هؤلاء مهاجرون. إن الذين دخلوا إلى سوريا، وعددهم أصبح بالآلاف، لن يغادروا البلاد بعد إسقاط بشار… سيخرجون بشرط واحد: أن يُحَكَم دين الله على منهج النبي (ص)، لا على منهج الائتلافات والمؤتمرات”.
وينفذ عناصر من “الدولية الإسلامية” حالياً، حملة اعتقالات بحق “شبيحة النظام”. ويقول مصدر محلي، إن الحملة تشمل كل من له اتصالات مع النظام، أو أولئك “البعثيين الذين استلموا، سابقاً، اسلحة من مراكز الأمن”. ويضيف المصدر، الذي فضل عدم كشف اسمه: “هؤلاء معروفون للجميع”. ويضاف إلى قائمة المطلوبين “كل الذين يسرقون باسم الجيش الحر… وهؤلاء كُثر، وشكلوا ثروة باسم الثورة”.
وأفرجت “الدولة الإسلامية” أخيراً، عن الناشط الصحفي مصطفى الأحمدي الملقب بـ “أبو جعفر الحلبي” الذي اعتقلته في وقت سابق. وعلى ما يقول مصدر محلي لـ”دماسكوس بيورو”، فإن “الدولة الإسلامية” تتهم الأحمدي بـ”التواصل مع شخص مطلوب متهم بقتل أحد عناصرها”. وشهدت جرابلس مؤخراً، اشتباكات عنيفة بين “الدولة الإسلامية” واحدى الكتائب التابعة لعشيرة “الجوادرة” المحلية. وأفادت مصادر مطلعة أن ثلاثة من عناصر كتيبة “الشهيد يوسف الجادر”، قتلوا في الاشتباكات، فيما قتل عنصران من الإسلامية.
تجدر الإشارة إلى أنه وقبل نحو عام، وتحديداً في تموز/ يوليو عام 2012، سقطت هذه المدينة الحدودية في أيدي كتائب تابعة لـ”الجيش الحر”، في وقت لم يبد فيه النظام أية مقاومة تذكر للحفاظ عليها. في تلك اللحظات، وما تلاها، وجد الناس أن ما حدث من تغيير لم يمس استقرار مدينتهم. فالكتائب لم تتدخل في شؤون المدينة وخصوصيات أبنائها، والنظام استمر في دفع رواتب الموظفين، ورغم ذلك تشكل المجلس المحلي في جرابلس قبل أكثر من شهرين، وأسس المجلس 11 مكتباً تمثيلياً.
وفيما ذكرت مصادر محلية أن رؤساء المكاتب عُينوا بناء على إرادات معينة في المدينة، يوضح رئيس المجلس المحلي أحمد الجادر أن الهيئة “انتخبت” الأشخاص “الأكثر ثورية والأكثر قدرة على العمل”.
وعند سؤاله عمن يحدد من هم “الأكثر ثورية” من غيرهم، يقول الجادر لـ”دماسكوس بيورو”، إن الأسماء التي انتخبت هي “المتوافق عليها بشكل عام”، مشيراً الى أن هناك لجنة متابعة “ثورية” تهتم بهذا الأمر، مع تجنبه الحديث عمن يشكل هذه اللجنة ومن هم أعضاؤها. ويقر بوجود خلل في هذا المجال مفضلاً عدم الخوض في التفاصيل.
أعضاء المجلس “المنتخب” لا يتقاضون أية رواتب. فيما لا يزال النظام يدفع مستحقات موظفيه في المدينة، حيث يستلم محاسبو الدوائر الحكومية رواتب الموظفين في مدينة حلب (علماً أن الحكومة قطعت رواتب بعض الموظفين و يعتقد الأهالي أن ذلك بسبب تعاملهم مع “الجيش الحر”). وفي السياق، يكشف الجادر عن مصادر المجلس المالية، موضحاً أن المؤسسة تُمَول من مجلس محافظة حلب، ومن إيرادات المعبر الحدودي، كما يستفيد المجلس من إيرادات الفرن الآلي الذي كانت تديره الحكومة.
أما عن الخدمات التي يقدمها المجلس، يحصرها الجادر بـ: تأمين مياه الشرب للمواطنين، وخدمة النظافة، بالتنسيق مع مجلس البلدية التابعة للحكومة السورية، وعند زيارة “دماسكوس بيورو” للبلدية، أكد رئيس البلدية خالد مواس أن الأعضاء لا يزالون يتقاضون رواتبهم من الحكومة، لكنه اعتذر عن الحديث أكثر في الموضوع.
ويقول الجادر: “نقدم الوقود للآليات التابعة للبلدية وكذلك صيانتها”، حيث الحكومة لا تقدم الدعم للمدن الخارجة عن سيطرتها. لافتاً إلى أن من المكاتب المفعلة في المجلس: المكتب المالي، والمكتب الاغاثي، ومكتب شؤون اللاجئين والجرحى (يقدم المجلس مساعدات لأسر الشهداء ويتكفل بمصاريف العزاء، إضافة إلى وجود حصص إغاثية لهذه الأسر). أما القضاء فهو مسيّر من قبل الهيئة الشرعية في المدينة “ولا علاقة للمجلس بهذا الدور”.
ولا يتوقف تعدد السلطات الفاعلة على الأرض عند البلدية والمجلس المحلي ومؤسسات “النصرة”، فقد أسس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا (PYD) في نيسان الفائت “دار الشعب” في جرابلس. وبحسب رئيس المؤسسة الوليدة، علي حجو، فإن “دار الشعب” هو كأي مؤسسة في المناطق التي يتواجد فيها الأكراد. ويضيف: “لدينا فكرة الإدارة الذاتية.. أسسنا الدار لتسيير أمورنا، نتيجة الفوضى التي حدثت بعد سقوط أجهزة النظام” على حد تعبيره. ويتابع حجو: “نحاول لعب دور ايجابي في المدينة، والمساهمة في استقرارها، من خلال تشكيل لجان خدمية تركز على موضوع الاغاثة، ولجان الصلح للتوسط بين الاهالي بهدف حل المشاكل العالقة بينهم. بغض النظر عن انتماءاتهم سواء كانوا أكراداً أم عرباً أم تركمان”.
ويشير أعضاء في “دار الشعب”، إلى أهمية “الرابطة القوية” التي تجمع أبناء المدينة، ذاكرين أنه عند وقوع مواجهات في رأس العين (سري كانيه) بين “الجيش الحر” و”وحدات الحماية” الكردية (YPG)، لم تؤثر تلك الأحداث على العلاقة بين أبناء جرابلس.
ويؤكد حجو عدم وجود مشاكل مع الكتائب المسلحة، ويقول “هم اخوتنا”. واللافت أن رئيس “دار الشعب”، أعلن مؤخراً عن تشكيل كتيبة تابعة لـ”لواء جبهة الأكراد” في جرابلس. ويقاتل هذا التنظيم المسلح ضد النظام تحت راية “الجيش الحر” في مدينة حلب وريفها، وهو مقرب من وحدات (YPG).
ورغم الهدوء الظاهر في المدينة، لا يخفي أبناء جرابلس خوفهم على مستقبل مدينتهم، التي لم تعد “آمنة ومستقرة” وفق حديث أحمد (28 عاماً)، أحد أبناء جرابلس، الذي يؤكد لـ”دماسكوس بيورو” خشية الأهالي من حدوث اشتباكات في أي لحظة. فهناك سيطرة لجهات ذات توجهات وايديولوجيات مختلفة ومتباينة. لكنه رغم ذلك، يربط مستقبل جرابلس بما ستؤول اليه أحوال سوريا عموما، لا سيما المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد.