جامعة إدلب الحرة بأمر الهيئة الشرعية

The university curriculum has been amended

تمسح دمعتها بباطن كفها المرتجف، وُتسرع الخطوات نحو منزلها تاركة الجامعة خلفها. تطرق شهد (19 عاماً) باب منزلها في مدينة إدلب، فتفتح امها الباب لترى وجه ابنتها خائفاً تعلوه دمعة. وتنفجر شهد بالبكاء وهي تقول “منعونا رجال الحسبة من دخول الجامعة، وقالوا لنا بأن اشكالنا تشبه الكافرات”.

تركت شهد أمّها عند الباب وركضت إلى مرآة غرفتها تعاين ملابسها. الشال الأبيض، والذي لا يدخل فيه أي رسم أو ألوان، يغطي رأسها بالكامل. “المانطو الكحلي” (وهو كناية عن معطف طويل يخفي معالم الجسد). حذاء رياضي أزرق وحقيبة كتب جلدية زرقاء. لم تكن شهد تضع مستحضرات تجميل على وجهها ولا أكسسوارات تتزين بها. تتمتم شهد وهي تحدق بمرآتها متسائلة بسخرية “كافرات؟”

شهد الطالبة في السنة الاولى كيمياء، هي واحدة من نحو 5 ألاف طالب وطالبة يدرسون في جامعة إدلب الحرة التي استحدثتها إدارة مدينة ادلب المحررة وفق القرار الإداري رقم 159 الصادر بتاريخ 8 شباط/فبراير 2015، بعد توقف جامعة إدلب التابعة للنظام في آذار/مارس 2015 وعقب تحرير مدينة إدلب وسيطرة جيش الفتح عليها. لا يوجد حتى الان اعتراف رسمي دولي بجامعة إدلب الحرة. وتقوم إدارة المدينة بدعم الجامعة بالإضافة إلى الأقساط التي يدفعها الطلاب والتي تتراوح ما بين 100 و 250 دولاراً أميركياً للسنة، تختلف بحسب الاختصاص ونظام التسجيل.

ليست شهد الحالة الوحيدة التي تعرضت للتعنيف اللفظي والمنع من دخول الجامعة بحجة عدم الالتزام باللباس الشرعي. فرح الطالبة في السنة الثانية بقسم اللغة العربية، تقول عن تجربتها مع عناصر الحسبة “منعوني من دخول الجامعة بحجة عدم ارتدائي العباءة، رغم انني البس مانطو طويل يجر على الأرض”. وتتخوف فرح من ارتفاع سقف مطالب الهيئة الشرعية لما هو أكثر وتقول “إذا ارغمونا على ارتداء الدرع والخمار سأترك الجامعة، ولن اعيش في جلباب الهيئة الشرعية” والدرع هو عباءة عريضة فضفاضة بقماش سميك متصلة بخمار وغطاء رأس ووجه من عدة طبقات تلبس فوق العباءة الأساسية لمنع إظهار معالم جسد المراة .

تعديل المناهج الدراسية في الجامعة

ولا يقتصر تدخل عناصر الحسبة والهيئة الشرعية على التعامل مع الطالبات بل يتعداه ليصل إلى المدرسات أيضاً. فسميحة المدرسة بقسم الفيزياء في جامعة إدلب الحرّة منعها أحد عناصر الهيئة الشرعية من دخول الكلية. وعندما ناقشته بأنها ترتدي العباءة وأخبرته أنها مدرِّسة، ردّ عليها بلهجة عربية غير سليمة، على حد وصفها وقال “اذا كانت المدرسات متبرجات فلا عتب على الطالبات”.

وقد أصدرت إدارة الجامعة تعميماً بتاريخ 2 كانون الثاني/يناير 2106، حول ضرورة التزام “الأخوات” في جامعة إدلب باللباس الشرعي. وهدد التعميم بـ “عدم السماح بدخول حرم الجامعة والامتحانات لمن لاتلتزم اللباس الشرعي”. وكانت إدارة الجامعة قد سبقت هذا التعميم بتعميم الفصل بين الذكور والإناث وذلك في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2015ن والذي نصّ على أن تكون “أيام دوام الإناث في جامعة إدلب :السبت والأحد والإثنين. وأيام دوام الذكور :الثلاثاء والأربعاء والخميس”.

إيمان الطالبة في السنة الثانية تخصص علوم إدارية تذكر كيف تم تعليق الصفوف في الجامعة بشكل مفاجئ ولمدة اسبوع. وتلفت إلى أنه حينها اجتمعت إدارة الجامعة مع هيئة جيش الفتح الشرعية وإدارة المدينة. يومها أبلغت هيئة جيش الفتح إدارة الجامعة بأنّه إما أن يتم فصل الطلاب عن الطالبات أو سيتم إيقاف الدوام نهائياً. وبالفعل تم الفصل. قالت إيمان ضاحكة “فصلونا عن الشباب، وتحولت الكلية الى كوكب زمردة للبنات فقط”.

يؤيد عدد من الطلاب قرار الفصل بين الذكور والاناث، كما هو حال أحمد، الطالب في السنة الرابعة رياضيات فهو لا يريد أن يكسب “إثماً” اذا لم يستطع ان “يجاهد نفسه” ويغض بصره عن الطالبات. فاطمة الطالبة في السنة الأولى صيدلة، تشارك أحمد رأيهن وتقول”أحسّ براحة أكبر بعدم وجود ذكور معنا، وكان هذا أهم سبب شجع أهلي على تسجيلي في الجامعة وتحمل عبء دفع القسط”.

حسناء المدرّسة في قسم الرياضيات تتحدث عن دخولها إلى الكلية في يوم دوام الذكور “شعرت بالخوف وأنا الانثى الوحيدة في عالم الرجال”. وتقول حسناء “نظرات الشباب كانت غير طبيعية. تعرّضت للتحرش من قبل أحد الطلاب أثناء دخولي ولم أستطع أن أتفوه بكلمة خشية العواقب”. حسن الطالب في السنة الثالثة علوم إدارية يؤكّد ما قالته المدرّسة حسناء. وحسب وجهة نظره فإن رغبة الطلاب في تتبع زميلاتهم والنظر إليهن زادت بعد قرار الفصل. ويعلّلُ ذلك بقوله “الممنوع مرغوب دوما” ويضيف حسن ساخراً “هل يستطيعون فصلهم على الواتس آب والفيس بوك؟!”

على صعيد التخصصات، استحدثت إدارة جامعة إدلب الحرة أقساماً جديدة لم تكن موجودة كالكيمياء والصيدلة وغيرها. كما منعت الإناث من دراسة تخصصات محددة ومنها الهندسة المدنية والهندسة الميكانيكية والمعهد الطبي طوارئ. وخصّت الاناث دون الذكور بمعهد القبالة (التوليد). ودمجت إدارة الجامعة كلية الحقوق مع كلية الشريعة الإسلامية ما حوّل الطلاب من مشاريع محامين وقضاة إلى دعاة وشرعيين. كما ألزمت إدارة الجامعة الطلاب من جميع الأقسام والاختصاصات بمادة “أصول الإيمان” والتي تتضمن فصولا في الفقه والعقيدة الاسلامية. وعن مادة “أصول الإيمان” تقول عفراء الطالبة في السنة الثانية معلم صف “تُدرّس لنا المادة مهاجرة مصرية لا تتوقف عن نهرنا ووصفنا بقليلات المعرفة بالدين”. ويُبدي حسن الطالب في السنة الثالثة علوم إدارية رغبته في تعلّم اصول دينه التي كانت تعتبر “جريمة” أيام النظام على حد قوله. ،أمّا أياد الطالب في السنة الاولى معهد طبي فيرفض أن يفرض عليه ايديولوجيا معينة في الدراسة. ويقول أياد “هيئة جيش الفتح استبدلت مادة الثقافة القومية التي فرضها النظام قسرا بمادة أصول الايمان، تغيرت الوجوه والأسماء والسياسة واحدة”.

والد شهد اشترى لها عباءة لترتديها بدل المانطو، خشيةً على ابنته من مضايقات الهيئة الشرعية، وخشيةً على نفسه من المساءلة التي يلاقيها ولي امر “السافرة أو المتبرجة” من الحسبة. لم تقتنع شهد بلبس العباءة لكنه “حكم القوي على الضعيف” تقول شهد وهي تفلت من يدها طرف عباءتها مستذكرة العبارة التي كتبت على أحد الجدران في الطريق إلى الجامعة “اخيتي لاترفعي عباءتك لتظهري مفاتنك … كوني عفيفة واتقِ الله”. وتمضي شهد نحو الجامعة.