تعاهدنا على إنجاح ثورتنا بالعلم ومحاربة الظالم
أحلى أيام العمر يوم دخول الجامعة، والتعرف على محيط جديد يضج بالطاقة والحيوية. ها أنا قد حققت حلمي ودخلت الجامعة، بدأت أرتادها في تشرين اﻷول/أوكتوبر عام 2013 م. كنت أدرس في كلية التربية، كل نهار أتعرف على أصدقاء جدد، كنت أمضي معظم الوقت في الكلية.
يوما بعد يوم صرت أكتشف المكان الذي أدرس فيه أكثر فأكثر. كنت ألاحظ العديد من المشاهد الغريبة والغير مريحة. اكتشفت أن لدي كمية كبيرة جدا من البراءة أوحت لي أن الدنيا بخير. كان بعض الأساتذة يخصصون وقتهم لتغشيش بعض الطلبة الذين كنا نسميهم “المدعومين”. هؤلاء الطلبة كانوا قد تطوعوا في الكلية باسم اللجان الشعبية. ولكنهم في حقيقة الأمر يمارسون التشبيح بأساليب عديدة، تناسب وضعهم كطلاب. التشبيح بالنسبة لهم يتمثل باستخدام كافة أساليب الغش، وذلك بالتعاون مع الهيئة التعليمية والموظفين. كانوا يحصلون على علامات كاملة في تقديم المواد العملية. هم لا يرتادون الكلية، لكنهم يمارسون السيطرة على الطلاب وإذلالهم والتعالي عليهم، وكأنهم يشغلون مناصب كبيرة، ونحن كطلاب عاديين يضيع حقنا في ترتيب المعدلات في هذه الكلية، بسبب غشهم وأساليبهم الملتوية. كنا نصمت ونراقب بحرقة قلب دون النطق بأية كلمة تجنباً للعقاب.
وهكذا إلى أن قدمت فحص الفصل اﻷول، في هذه الفترة كان يتقدم لي العديد من الخاطبين، وأنا كان شغلي الشاغل هو الدراسة. تقدم لخطبتي شبان من خيرة الشباب وأحسنهن وأتقاهم، لكن المشكلة الكبيرة أنهم يعملون ويسكنون في الريف المحرر، وأنا أسكن في مدينة إدلب وهي ماتزال تحت سيطرة النظام. كنت مرتبطة بجامعتي، فأنا أحب الدراسة جداً. هؤلاء الشباب أرغمتهم ظروفهم على هجرة مدينتهم وتركها، كانوا يخافون جداً عندما يقبلون على الخطبة والزواج. هم لا يستطيعون الارتباط إلا بفتاة مؤيدة لفكرهم، لتعينهم على تكماة المسير الذي قدموا له الكثير من التضحيات، وهو طريق الحرية. تقدم أول خاطب وكان من المجاهدين، ما شجعه على التقدم لي أن أخي معتقل وأن عائلتنا معروفة بموقفها المعارض لهذا النظام الطاغي. ولكنني خفت كثيراً على دراستي، فلم أوافق. وبعد عدة أيام تقدم لي الخاطب الثاني، كان صحفيا يتابع أخبار المجاهدين واﻷهالي في المناطق المحررة .
ولكني أيضا خفت أن يتأثر ارتباطي به بمشوار دراستي. فأنا سأكون معه في المناطق المحررة وكليتي تحت سيطرة النظام. وكنت دوماً أدعو لكل خاطب ن يتقدم لي أن يوفقه الله، وأن يحظى بعروس تسعده وتعينه في طريق الثورة، ﻷن مثل هذا النمط من الشبان الذي يتمتع بالتقوى والخلق الحسن والسمعة الحسنة، صعب جداً أن نرى مثله في هذه اﻷيام. فنحن في منطقة النظام، لم نعد نرى سوى الشبيحة من كافة اﻷعمار، يسيطرون على أهل المدينة. أصبح الواقع ملوثا بقبحهم، وحتى المشي في شوارع المدينة أصبح تعيساً ﻷنهم يتواجدون في كل شبر منها.
كنت دوماً أتساءل؟ أنا كفتاة أملك هذا الحقد الكبير ضد هذا النظام الطاغي، الذي شرّد أقربائي واعتقل أخي. ماذا قدّمت للحرية والثورة؟ كنت ألوم نفسي على رفضي لكل خاطب، ﻷنني أعلم أن شباب الثورة هم أحق الشباب بالعيش الرغيد. إلى أن جاء يوم ودق باب بيتنا، دخلت امرأة وفتاتان بغرض الخطبة. كان الشاب المتقدم أيضا يعيش في الريف المحرر، ويعمل في منظمة إغاثية. كان يدرس الطب البيطري في مدينة حماة، واضطر لترك الدراسة في السنة الثالثة، ﻷنه كان يخرج في المظاهرات، ويساعد الجمعيات اﻹغاثية. كتبوا عنه عدة تقارير أمنية فبات اسمه من المطلوبين للنظام. وقعت في حيرة من أمري مجدداً، كما كانت الحال مع كل خاطب يقبل عى خطبتي. ولكنني تشجعت هذه المرة، طلبت الذهاب إلى الريف المحرر ومقابلته. وفي كانون الثاني/يناير عام 2014 م قابلته، أنا وعائلتي في الريف المحرر، كنت مدهوشة بهذا الريف الممتلئ بالعبارات الجهادية، بآيات من القرآن الكريم، وبهواء نقي مختلف تماماً عن هواء المدينة. تحدثت مع الشاب، أعجبني فكره ووعيه، هو يرى أننا يجب أن نقدم ونضحّي ونتساعد ﻹنجاح ثورتنا. حين رجعت إلى البيت، قررت أن خوفي من الارتباط بشاب يسكن في الريف المحرر يجب أن يزول، وأن دراستي لن أنحرم منها، وإن كانت كليتي تحت سيطرة النظام، ﻷن الله معنا ويحبنا وسيحمينا من عيون الظلام. وأن ثورتنا لن تنتصر إلّا بالعلم والسلاح. وافقت على الارتباط بذاك الشاب الذي هو من خيرة الشباب، ودعوت ربي أن نتساعد أنا وهو ﻹنجاح ثورتنا بالعلم والتعليم ومحاربة الظالم.