تسعة أشهر والثورة السورية مستمرة

مسعود عكو

تنهي الثورة السورية شهرها التاسع، بأكثر من خمسة آلاف شهيد، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين وغيرهم من المفقودين واللاجئين والنازحين. ثورة بدأت بها مجموعة أطفال من درعا، بالكتابة على جدران مدرستهم “الشعب يريد إسقاط النظام” ولم تنتهي حتى اللحظة. ثورة تحمل بين طياتها إرادة السوريين جميعاً في التغيير والتحول إلى الديمقراطية، والعيش في وطن تسوده الكرامة والحرية.

لكن في المقابل يبدو أن الثورة السورية دخلت في غياهب نفق مظلم، فالثورة مستمرة، والقتل يستمر ويتزايد. النظام السوري لا يوفر أي سلاح إلا ويقصف ويقمع به المتظاهرين السلميين، مستهدفاً بذلك حتى المدنيين العزل المتواجدين داخل بيوتهم، بفعل دباباته ومدافعه التي سكتت عقوداً عديدة في جبهة الجولان. وها نحن نسمع أزيز الرصاص وأصوات انفجارات أسلحته، في حمص ودرعا وإدلب وحماة، وغيرها من مدن سوريا المحتلة بفعل جيش النظام وفرق الموت وكتائب الشبيحة المرتزقة التابعة له.

إن المتابع للشأن السوري يحتار حقاً في ماهية حل هذه الأزمة الإنسانية، فلا توقف النظام عن القتل، ولا اعترف بوجود مشكلة بالأساس، بل يصر على روايته الخرقاء، بأنه يحارب مسلحين قدموا من دول الجوار، تدعمهم دول عربية وأجنبية، للنيل من مواقف سوريا الوطنية تجاه القضايا العربية والقومية! وهذه الشعارات متهالكة بفعل الزمن وحقيقة النظام السوري الذي باع الجولان، وصمت عن الكثير من الإنتهاكات التي قامت بها إسرائيل في عقر داره. النظام الذي يلعب بكل أوراقه الإقليمية محاولاً تشتيت الأنظار عن ما يجري في سوريا، بمعية أنصاره في لبنان والعراق وإيران وغيرها من الدول الداعمة لطغيانه.

أما الجامعة العربية فقد تشطت كثيراً في منح نظام القتل في سوريا، المزيد من المهل، مبيحتاً له كافة الذرائع ليستمر في قتل السوريين، وزجهم في السجون، وقمع ثورتهم السلمية. وكأن الغرض من هذه المهل هو إعطاء المزيد من الوقت للنظام للقضاء على هذه الثورة بأي شكل أو طريقة. ولا يهم في ذلك الفاتورة الباهظة من دماء وأرواح السوريين، التواقين للحرية والعيش بكرامة كباقي شعوب الخليقة.

أما مواقف الدول العظمى في العالم، فإنها تحزن أكثر من مواقف الدول العربية كالعراق والجزائر ولبنان. فما تزال روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا من أكبر القوى الداعمة للنظام، متغاضية النظر عن ما يجري في سوريا، فيستمر الثنائي الروسي الصيني بمنع أية محاولة في مجلس الأمن الدولي، من إستصدار قرار دولي يدين العنف في سوريا، ويلزم النظام السوري على وقف كافة إنتهاكات حقوق الإنسان، وسحب المظاهر العسكرية من المدن. ولا تبدي هذه الدول أية مسؤولية أخلاقية ولا قانونية تجاه المجازر التي ترتكب في سوريا، بالرغم من أن الأمم المتحدة وعن طريق مفوضيتها العليا لحقوق الإنسان، قد أصدرت تقاريرها عن القتل في سوريا، واصفة ذلك بأنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وعلى مجلس الأمن الدولي تحويل ملف النظام السوري إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بغية محاسبة كافة المسؤولين عن هذه الجرائم وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر، وكافة رموز نظامه الدموي.

إنه ليدعو إلى الإستغراب هذا الصمت الدولي عن الفظائع التي ترتكب في سوريا، فالسوريون بغالبيتهم ما عادوا يفهمون لماذا يسترخص العرب والمجتمع الدولي الدم السوري؟ في حين تحركا بسرعة كبيرة في إستصدار قرار أممي لحماية المدنيين في ليبيا، بعد أن مهدت الجامعة العربية لهذا الغطاء الدولي، الذي دفع بالأمم المتحدة ومن ثم لقوات الناتو بقصف كتائب القذافي، ومنهية بضربة قاضية نظامه الدموي. في حين تمنح الجامعة العربية المهلة تلو الأخرى للنظام السوري، وهو الذي يريد تفريغ كل الدعوات العربية له بالتوقف عن قتل المدنيين بموافقة مشروطة، ليعيد الكرة إلى ملعب الجامعة وهكذا تتناوب الجامعة والنظام السوري، تبادل الرسائل والإستفسارات، ويعيد النظام السوري جوابه بنعم ولكن.

الثورة السورية في خطر حقيقي، والنظام السوري يرتكب يومياً مجازر في حمص وحماة وإدلب ودرعا وريف دمشق وغيرها من مدن سورية المحتلة من قبل قوات الأسد وفرقة أخيه وكتائب أقاربه، في منظر يعيد للأذهان الحالة الليبية. مستمراً في إنتهاك حرمة بيوت الله، وعباده. آن الأوان لكي يلعب المجتمع الدولي دوره في حماية الشعب السوري المنتهكة كافة حقوقه الإنسانية، وإلا فإن النظام السوري سيواصل إرهابه بحق المدنيين، ويقتل ويعتقل ويستبيح أعراض الشعب السوري، مستخدماً الأسلحة إضافة إلى وسائل دنيئة من قبيل التجويع وقطع الكهرباء والماء والإتصالات وحصار المدن التي تحتلها قواته. إن الشعب السوري يفقد يومياً العشرات من أبنائه. ألم يحن الوقت لكي تتوقف هذه الإنتهاكات، وينال الشعب السوري كغيره من شعوب العالم حريته وكرامته التي فقدها منذ عقود؟