تسجلت في الجامعة ولم أكمل دراستي
أطفال يحضرون دورة صيفية في أحد مدارس مدينة دوما، الدورة تتضمن "مواد تعليم مسرع" للأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة في السنوات الماضية بسبب ظروف الحرب في سوريا. الصورة بتاريخ 16-08-2017.
"بعد ساعات من القلق والخوف والبكاء نجحت. وكانت علاماتي جيدة، ولم يتوقف الخوف، حتى أصدرت وزاره التربية المفاضله التي ستؤهل إلى الجامعة. فكانت درجتي متوسطة"
كانت سنة 2014ـ سنة لا تنسى. كنت في الصف الثالث الثانوي الفرع اﻷدبي، درست البكالوريا في البيت.
لم أذهب إلى مدرسة القرية لأن علاماتي في الصف التاسع لم تؤهلني الدخول إلى المدرسة مع زميلاتي بسبب مرض في عيني. فقد قرر الاطباء أنه من الأفضل لي أن أريح عينيّ ولا أمعن النظر كثيراً في الكتاب.
وهكذا انقطعت سنة عن الدراسة، وفي السنة التاليه بدأت أتحضر للامتحان. ولكن بشكل مبسط كي لا أتعب عيني. وفي السنة الثالثة وبالفعل وصلت إلى مرحلة البكالوريا. وقد أعددت لها جيداً نوعاً ما، وبدون أن اتعب عيني.
لكن ومع كل هذا التعب لم اكن أعتقد أنني سأقدم الامتحان النهائي، لأنه كان سيقام في مدينة محرده وهي تابعه للنظام، أي أننا سنعبر حواحز كثيرة حتى نصل. لكني بقيت على استعداد.
وفي أحد اﻷيام ذهبنا أنا وأبي إلى بيت زميله الذي يسكن في قرية مجاورة لنا لم أكن قد ذهبت إليه من قبل. ودارت بيننا اﻷحاديث الكثيرة، وتطرقنا إلى حديث عن العلم.
سألتمي صاحبة البيت عن أحوال دراستي قائلة: كيف التحضير والعزم على البكالوريا؟
أجبتها بكل حرقة: أنا لا أستطيع إكمال الدراسة بسبب هذه اﻷوضاع.
قالت: العلم سلاح لكل بنت وامرأة ويجب أن تكملي وتتابعي الدراسة.
قلت لها: سيكون اﻷمتحان في بلدة محرده وهي بعيدة عن قريتنا وظروفي لم تسمح لي أن أقدم الامتحان بسبب المواصلات واﻷحوال السائدة في البلاد.
فقالت: لماذا لا تأتي معي إلى قريتنا. وهي قريبة من بلدة محردة التي سيقام فيها اﻷمتحان؟
وذهبت معها إلى قريتها لكي أقيم عندهم طوال أيام الإمتحان. ذهبت معها يعتريني الخوف والقلق فالظروف صعبة. وأنا لم أعتد الذهاب من قبل والمبيت خارج المنزل. كانت المرة الأولى التي أترك المنزل فيها كل هذه الفترة. لكني صبرت وتحمّلت. مشاعر أهل البيت الطيبة منحتني الشعور بالأمان. كانوا يقدمون لي كل الرعاية والحب، وكأنهم اهلي.
جاء أول أيام الامتحان فقالت لي صاحبة المنزل: سآخذك إلى مراقب في المدرسة التي ستقدمين فيها الامتحان. فأصبح يصطحبني معه كل يوم إلى الامتحان. قدمت اليوم الأول وانا بخوف شديد، وفي اليوم الثاني انكسر حاجز الخوف وقدمت الامتحان بشكل أفضل. وكانت الأيام الباقية بأفضل حال.
وبعد نهايه الامتحان عدت إلى منزلي وأنا في شدة الشوق لأهلي كي أخبرهم عن الامتحان وكيف كان. أخبرتهم أنني قدمت بأحسن شكل والحمدلله. وعن طيبة أهل البيت وكيف كانوا بغايه اللطف. وبعد عدة أيام صدرت النتائج وأنا أترقبها كنت قلقة. هل يا ترى سأنجح أم سأرسب؟
بعد ساعات من القلق والخوف والبكاء نجحت. وكانت علاماتي جيدة، ولم يتوقف الخوف، حتى أصدرت وزاره التربية المفاضله التي ستؤهل إلى الجامعة. فكانت درجتي متوسطة. وبفضل من الله أعلنت مديرية التربية في محافظة حماه عن دورة تكميلية تشمل ثلاثة مواد. فذهبت مع أبي وتسجلت في هذه الدورة.
حضّرت ودرست لهذه المواد وقدّمتها بشكل جيد. وصدرت النتيجه جيدة، وهكذا أصبح مجموعي يؤهلني الدخول بالمفاضله العامة. كنت أتمنى أن ادرس اللغة العربيةـ وبالفعل سجلت اللغة العربية في جامعة تشرين في محافظة اللاذقية.
إلّا أنني لم أكمل حلمي الذي طالما حلمت به. فبسسب صعوبة الطريق وكثرة الحواجز على الطرقات اعتبر ابي واخوتي أنه من الضروري أن أتوقف عند هذا الحد من الدراسة. كثيراً ما تعرضت فتيات بعمر الورد للحجز على أيدي عناصر هذه الحواجز. كانوا يشكلون دولة مستقلة/ حيث لا رادع لهم. يأخذون ما ومن شاؤوا وفي أي وقت شاؤوا.
وهكذا توقفت طموحاتي هنا. سجلت في قسم اللغة العربية في جامعه تشرين على أمل ان تتحرر يوما ما. وتعود لنا ضالتنا بعد كل هذه المعاناة التي استنزفت الكثير من الوقت والجهد وذلك بسبب سوء الأوضاع.
وها أنا الآن أجلس في البيت وكأنني لم أدرس أبداً. يا لها من حرقة أتمنى أن تعود الأيام ويعود الأمان، وأحقق حلمي الذي سلبوه مني. وطالما حلمت بتعليم آلاف الشباب ممن هم في مثل سني يرغبون في ما أرغب وقد غيبت الحروب عنهم أحلامهم وسلبتهم كل ما يتمنون.
ريم الحموي (25 عاماً) من إحدى قرى ريف حماه الغربي، حاصلة شهادة الثانوية العامة.