تزايد حوادث المرور في إدلب

حوادث المرور في تزايد والضحايا أيضا تصوير نايف البيوش

""أكثر السائقين يتبعون لفصائل مسلحة أو من أعمار صغيرة لا يملكون رخصة قيادة""

نايف البيوش

قضى الشاب سليم (16 عاماً) في حادث سير مؤسف بينما كان على دراجته النارية متجهاً إلى مكان عمله. اصطدم سليم بسيارة إسعاف مسرعة وسط مدينة كفرنبل في 10 حزيران/يونيو 2017.
الحادث الذي ذهب ضحيته الشاب سليم، مشابه للكثير من الحوادث المرورية التي تتزايد بشكل ملحوظ في إدلب. ويعود السبب الأول إلى الكثافة السكانية الكبيرة بعد تهجير عوائل من أهالي ريف دمشق وحمص وحماة إلى الريف الإدلبي، بحسب التسويات الأخيرة… في ظل هذا الازدحام تضاعفت حركة السير والمارّة، في مقابل عدم وجود مراقبة للطرقات جرّاء غياب قسم شرطة المرور.
والدة الشاب المتوفي سليم وتدعى اعتدال (40 عاماً) لا تعتقد أنّ ولدها كان مسرعاً، لأنّ من رأى الحادث كما تقول، يؤكّد لها أنّ سيارة الإسعاف هي التي كانت تقود بالسرعة القصوى وسط المدينة، دون وجود أي مصاب بداخلها!
تكمل الأم بحزن: “سليم هو ابني الأكبر، وكان يعمل ليعيلني أنا وأخوته بعد اعتقال والده في سجون النظام”. وتطالب أم سليم بإنزال أشد العقوبات بالسائق الذي تحمّله مسؤولية موت ابنها، والذي يقبع حالياً في السجن، حيث يتولى القاضي الشرعي في محكمة كفرنبل عدنان العيدو (45 عاماً)، الفصل في شأن حوادث السير والدهس التي تحصل.
ويقول القاضي العيدو لموقع حكايات سوريا: “يوجد مفرزة مرور تابعة للمحكمة، يتركّز عملها ضمن مدينة كفرنبل وتنحصر مهمتها بمراقبة السير والأسواق، وتقوم بتنظيم حركة المرور في المناطق المزدحمة. وفي حال وقوع الحادث، فالمحكمة تتخذ إجراءاتها بإرسال خبراء مختصين يعاينون الموقع. يتابعون أوضاع المصابين وإسعافهم، واحتجاز الآليات وتسليم الجثث لذويها في حال وجود قتلى. والقيام بتوقيف المتسبّب في حال كان هناك متسبّب واضح”.
يكمل القاضي العيدو: “يتم استدعاء أطراف الحادث لحضور جلسات المحكمة في الغرفة الجزائية. ونقوم بعقد عدة جلسات يتم فيها تحديد الأضرار والتأكد من وضع المصاب، بعد ما يكون الخبراء قد زوّدونا بتقرير مفصّل عن نسبة مسؤولية كل طرف… وبناءً عليه يتحمل الطرف المتسبّب تعويض الطرف الآخر، ويكون قرار المحكمة قابل للاستئناف”.
ويؤكد القاضي العيدو أنّ هناك “تشديد في موضوع الديّة (التعويض) في حال التسبب بقتل شخص خلال الحادث”. ويشير إلى “أنَّ الدية تقدّر بالفضة، وديّة القتل تساوي 12 مليون ليرة سورية، أمّا التسبب بالعجز والضرر، فإذا تمَّ تقدير نسبتهما مثلاً بـ 25% يكون التعويض في هذه الحالة بدفع 25% من ديّة القتل أي 3 مليون ليرة سورية… كما أنّ هناك فرصة تمنحها المحكمة للصلح بين الطرفين إن أرادا ذلك برغبتهما. (كل 500 ليرة سورية تساوي دولاراً واحداً)”.
وينهي القاضي العيدو حديثه لموقعنا عن ظاهرة حوادث المرور بالقول: “إنها ظاهرة سيئة تحتاج لتوعية بعدم الاستهتار بأرواح الآخرين، وبضرورة تحمُّل المسؤولية من كل طرف في المجتمع وخاصة الآباء بمنع أبنائهم القصّر من ركوب السيارات، وكذلك التوعية عن مخاطر ركوب الدراجات النارية، وتوعية الأبناء في كيفية قطع الطريق”.
الطفل عصام ابن السبع سنوات نجا من قصف طائرات النظام عندما استهدفت منزله، غير أنه لم ينجُ من حادث سير مؤسف أدّى لإصابته بالشلل ووفاة والده الذي قضى بعد اصطدام سيارته بسيارة أخرى.
تعلّق والدة عصام على الحادث، فتقول بأسى: “أصبح مَن هبَّ ودبَّ، يقود السيارات والدراجات النارية ولم يعد أحد يبالي نظراً لغياب دور شرطة المرور. إنّ زوجي، يحمل شهادة قيادة خاصة، لكنَّ الحادث حصل مع سيارة يقودها فتى لم يتجاوز عمره 17 عاماً، وكان يقود سيارة كبيرة بسرعة مجنونة ممّا تسبّب بالحادث!”
عبد الرحمن البيوش (36 عاماً) وهو مسؤول في فرع الإعلام في شرطة إدلب الحرة، يقول لـ حكايات سوريا: “لم تقف الشرطة الحرة موقف المتفرج، بل قامت بإجراء دراسة وعلى ضوئها تمّ إنشاء فرع مرور مستقل في شرطة إدلب الحرة. وتتبع له أربعة مراكز مهمتها العمل على تنظيم السير وحركة المرور وإطلاق حملات توعوية، بالتعاون والتنسيق مع المجالس المحلية وفرع الإعلام في شرطة إدلب الحرة… وذلك في سبيل الحد قدر الإمكان من الحوادث”.
ويردف البيوش: “هذه المراكز الأربع تمّ توزيعها على النقاط الأساسية في محافظة إدلب وعلى أكثر الطرق التي تتعرّض لحوادث مرورية، وهي: مركز مرور معرة النعمان، مركز مرور حزانو، مركز مرور باب الهوا ومركز الدانا”.
كما يلفت البيوش إلى أنّ الشرطة الحرة تواجه صعوبات عديدة جلها عدم وجود ضوابط عمرية للسائقين وعدم وجود مرجعية واحدة. ويقول: “أكثر السائقين يتبعون لفصائل مسلحة أو من أعمار صغيرة لا يملكون رخصة قيادة، ولكن كي نقلل من هذه المشكلة تجرى حالياً دراسة إمكانية إنشاء مدارس لتعليم القيادة لمن يبلغ الـ 18 من العمر”.
من جهته، يتحدّث الطبيب عمر العبدالله (41 عاماً) أحد أطباء مشفى إدلب المركزي، عن الحالات التي جاءت إلى المشفى جرّاء الحوادث المرورية بين شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو من هذا العام.
ويقول أنّ غالبية هذه الحوادث كانت اصطدام بين دراجات نارية وسيارات، ووصلت معدلاتها إلى 20 حالة يومياً. ويضيف: “بحسب إحصائيات المشفى، إنَّ ما نسبته تقريباً 50% من حالات الحوادث تكون بحاجة لعمليات جراحية، و35% بين رضوض متوسطة وكسور خفيفة، و10% منها حالات خطيرة، و5% تقريباً وفيات، وأغلب الحالات تتراوح أعمارها بين 14 و22 عاماً”.
ويضيف العبدالله: “إنَّ معدل الاستشفاء بالنسبة لمصابي حوادث السير، أي مدة مكوثهم في المستشفى، يتراوح بين 3 و5 أيام في الجناح الجراحي، و5 و8 أيام في العناية المشددة”.

إذاً بين إحصائيات المصابين في حوادث السير وغياب شرطة المرور، وبين مساعي الشرطة الحرة للحد من الحوادث وصرامة الأحكام القضائية في تحصيل الديّة والضرر، تبقى الحوادث المرورية في إدلب في تزايد مستمر موديةً بحياة الكثيرين… وتطرح السؤال: هل ينقص السوريين أشكال جديدة للموت؟!