تحت القصف، الأغذية محرمة إلى درعا
على أحد الحواجز، أوقف عنصر الأمن، امرأة ترتدي اللباس المحلي لقرى حوران، قاصدة مدينة درعا، ليسألها ساخراً: أما زلت تريدين الحرية؟، فكان ردها: لا أريد الحرية وإنما أريد سقوط النظام، وبصقت في وجهه ومشت، لتطاردها رصاصات من الخلف كانت زهوراً على صدرها الذي روى الأرض بدمائها..
أسبوعان ليطل الأسبوع الثالث، بطيئاً كئيباً على أبناء السهل الذي يمتد من بطن جبل الشيخ غرباً، حتى اكتاف جبل العرب شرقاً. وتقبع، داخل هذه الأرض، معقل الأحرار، عشرات المدرعات المدججة التي تدك بيوت الأهالي الذين نادوا بالحرية منذ منتصف نيسان الماضي. هذا المكان الذي انطلقت منه شرارة الثورة السورية، يتعرض في الوقت الحالي لحالة من التجويع، بعد أن قطع الأمن والجيش السوري أوصال هذه المحافظة، التي تتكون من أكثر من 20 مدينة وبلدة وقرية، تحت انظار السياسيين السوريين والعرب، الذين لزموا الصمت ازاء هذه الحالة التي لم تشهد مثلها سورية، حتى في زمن المجازر الكبرى في حماة وحلب وجسر الشغور، بداية عصر تفرد آل الاسد في الحكم، في الثمانينّيات.
قطع الأغذية، هو الحرب الجديدة التي يشنها جيش الأسد على هذه المحافظة، بالاضافة الى آلاف الرصاصات الموجّهة للصدور، ومئات القذائف التي تسقط على البيوت، عقابا لها لأنها طالبت بعقاب الجلاد، الجلاد الذي فتح النار، في منتصف آذار، على الأصوات الثائرة المدافعة عن أطفال تم تعذيبهم والتنكيل بهم وإهانة آبائهم.
تهريب الأغذية للمدينة الجريحة، تحوّل جريمة تستحق صب نار الغضب على أصحابها، والحرب يمارسها الجميع بتكاتف وابتزاز في الوقت نفسه، التكاتف الذي يظهره أبناء القرى والمدن المحيطة بمدينة درعا، والابتزاز الذي يمارسه ضباط من الجيش والأمن على أبناء هذه القرى والمدن.
ابو محمد تاجرٌ بالفطرة من أبناء درعا، عانى ما عاناه أبناء هذه المحافظة من الظلم والحرمان، قبل ان يتحوّل إلى مقاوم، همّه الوحيد أن يهرّب الأغذية إلى أبناء المحافظة مستغلاً حالة الفساد المستشرية في مختلف الجهات العسكرية والأمنية التي تباع وتشرى بمبالغ محدّدة ومعروفة علنا”.
ومقولة: أهل مكة أدرى بشعابها، أتت بثمارها في هذه الظروف، فالحاجز العسكري له تسعيرة، ودورية الأمن أيضاً لها تسعيرة، وفي حال هبت نخوة الشرف عند أحد الأطراف أو تمنع، فالطرقات الزراعية كثيرة ومتنوعة ولا يعرفها إلا أبناؤها.
يروي أبو محمد :”كان المساء أفضل الأوقات لتهريب الأغذية للبيوت المحاصرة، فعناصر الأمن والعسكر يتعبون من القتل والتخريب والسلب والنهب منذ الفجر، ومن يقف على الجواجز يملّ الانتظارعلى الطريق الموحشة، فما كان علينا إلا أن نرسل سيارة بيك أب محملة ببعض الأغذية إلى حواجز نعرفها، فتمضي في طريقها إلى البيوت بكل صمت وهدوء”.
لا يعترف أبو محمد ومساعدوه بالهزيمة، حتى وهم يرون بعض الشحنات ترمى على الطرقات، وتداس بالأرجل، “كان تحدياً كبيراً بالنسبة الينا عندما نواجه التزّمت الذي يبديه بعض الضباط نتيجة ضغط قيادتهم عليهم، لذا بتنا نرسل سيارة إلى الحاجز، ونجهّز قافلة من الدراجات النارية لتسير على الطرقات الزراعية، فإن مرّت السيارة يكون الأمر جيداً، وإن لم تمر نكون قد امّنا غطاءً للدراجات النارية”.
بساطة الحديث تخفي وراءها الكثير من العمل، فالحقول متناثرة والسهول تعاني من جوع ابنائها الذين هجروها منذ شهر واكثر، وأنهر العرق السائلة على الجباه تخبىء وراءها أناساً يتوقون لرؤية السماء الصافية.
ورغم الدخان المتصاعد من عدد كبير من بيوت مدينة درعا، إلا أن ضحكة أبو محمد تتعالى “سنهزمهم، هؤلاء الكلاب، كنا وسنبقى أحراراً رغم أنف آل الأسد وزبانيته، والأغذية ندخلها رغم أنوفهم، وفي الكثير من الأحيان، بسياراتهم، فهناك الكثير من عناصر الجيش الوطنيين والشرفاء الذين يساعدوننا، وسنعلّمهم أن حّق الشعوب لا يعلى عليه”.