تجنيد الأطفال السوريين كارثة إنسانية
A slogan scrawled on a wall in Idlib. Photo: Marwa Hassan
يوماً بعد يوم تزداد وتيرة العنف في سوريا، وتزداد الانتهاكات بحق الأطفال الأبرياء. ولعل من أخطر ما يواجه الأطفال في سوريا اليوم هو استغلال فقرهم وحاجتهم لتجنيدهم على جبهات القتال. ويتم إغراء الأطفال برواتب تصل أحياناً إلى 100 أو 150 دولاراً أميركياً. وقد أصبحت هذه الظاهرة الخطيرة تهدد مستقبل البلاد برمته.
في محافظة إدلب انتشرت ظاهرة تجنيد الأطفال بشكل واضح. لم يعد غريباً أن تشاهد أطفالاً بوجوه عابسة وهم يحملون السلاح. يقفون على الحواجز المنتشرة يدققون بأوراق المارة ويتصرفون كمن يملك الأمر والنهي. والأخطر من ذلك أن ما يحصل لا يتطلب موافقة الأهالي على انضمام أطفالهم للتجنيد.
ظاهرة تجنيد الأطفال في سوريا اثارت اهتمام الرأي لعام العالمي، وهذه الظاهرة تتكرر وتتشابه في العديد من الدول التي تعيش أوضاعاً شبيهة بالوضع السوري. وفي هذا الإطار أطلقت الأمم المتحدة حملة توعية عالمية للتحذير من مخاطر هذه الظاهرة الهدامة تحت عنوان “أطفال لا جنود“. وبحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة واليونيسيف يتم الحديث إقدام العديد من الجماعات المسلحة على تجنيد الأطفال واستخدامهم”. ومن هذه الجماعات تلك المنتسبة للجيش السوري الحر ووحدات حماية الشعب الكردية، وجماعة أحرار الشام والدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة وغيرها. وتنشط تلك الجماعات كافة في تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال اللوجستية، ومناولة الذخائر، وحراسة نقاط التفتيش، وكمقاتلين. ولفتت التقارير إلى أن تجنيد الأطفال أو ممارسة الضغط عليهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة يحدث أيضا بين السكان اللاجئين في البلدان المجاورة. وبحسب تقرير صادر عن مكتب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالأطفال ونزع السلاح فإن معظم الأطفال المرتبطين بالجماعات المنتسبة إلى الجيش السوري الحر، الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة، أفادوا أنهم تلقوا تدريبا على الأسلحة وتقاضوا رواتب شهرية تتراوح بين 4 آلاف و8 آلاف ليرة سورية. وفي حديثها عن مخاطر تجنيد الأطفال جاء في تقرير أصدرته الونيسيف تحت عنوان “لا مكان للأطفال في سوريا“، أن الصراع الدائر في سوريا خلف ما يزيد على 8 ملايين طفل بلا تعليم، والمئات منهم تم تجنيدهم ممن تقل أعمارهم عن 15 عاماً. فظروف النزوح والفقر أدت إلى جعل الأطفال أكثر عرضة للتجنيد، ليتعرضوا جراء ذلك لعنف هائل ويضطروا لمشاهدة أو ارتكاب أعمال العنف، ويتعرضون للإيذاء والاستغلال أو الإعاقات أو حتى القتل. كما يحرمهم هذا الوضع من حقوقهم ويصاحبه عواقب نفسية وجسدية في حين يجب العناية بصحة هؤلاء الأطفال وحفظ كرامتهم وحقهم بالحياة،وضمان الرفاه البدني والنفسي لهم وتزويدهم بالمهارات الحياتية وإشراكهم في أنشطة إيجابية لمستقبلهم.
في محاولة جادة لوقف عمليات تجنيد الأطفال، و حفاظاً على حقوقهم من الضياع انطلقت في إدلب حملة “أطفال لا جنود”، وعن هذه الحملة يحدثنا منسقها عاصم زيدان (35 عاماً) فيقول: “انطلقت حملتنا بجهود مجموعة من الناشطين والمدرسين بهدف وقف زج الأطفال في سياق العمليات الحربية. وحثهم وتشجيعهم على التعليم بما يضمن لهم مستقبلاً أكثر أماناً واستقراراً. وقد لاقت هذه الحملة صدى كبيراً وتفاعلاً إيجابياً لدى أغلب المؤسسات التعليمية والاجتماعية وسوف تستمر وتنتشر على نطاق واسع .”
وبحسب زيدان “اعتمدت الحملة استراتيجية إعلامية وهي تتضمن أربعة أنشطة، بحيث يكون كل نشاط موجهاً لفئة معينة من أبناء المجتمع، فهناك جلسات توعية يقوم بها الناشطون والمدرسون للأطفال والأهالي في عدة مناطق في إدلب، غرافيتي في الشوارع والمرافق العامة وهو موجه للمجتمع بشكل عام، ونشر لوحات جدارية تحوي رسومات خاصة جهزت بعناية لتخاطب طريقة تفكير الأطفال. إضافة إلى البروشورات التي تتضمن مواد توعوية وتحمل أهداف الحملة وأفكارها، والقيام بزيارة المدارس لتوجيه الطلاب إلى عدم اللجوء إلى السلاح ومخاطره على حياتهم ،كما وضع الفريق شعار أطفال لا جنود على شبكات الأنترنت بهدف الوصول إلى كل منزل”.
وقد التمس فريق الحملة تجاوباً من الأهالي الذين رحبوا بها، واعتبروها تقويماً لواقع الأطفال ومحاولة لإعادتهم إلى طريق الصواب وهو مقاعد الدراسة.
المدرس عبد الرحمن (41 عاماً) يعبّر عن أسفه العميق للحالة التي آل إليها الأطفال ويقول: “يجد أطفالنا أنفسهم عرضة للاستغلال، سواء في أسواق العمل أو معسكرات التجنيد بسبب الفقر وقلة الوعي المجتمعي، ناهيك عن تراجع المنظومة التعليمية. مما يجعلهم يتسربون من المدارس. لذلك كانت فكرة الحملة هامة جداً وتحاكي الواقع، لا سيما بعد ازدياد عدد الأطفال المسلحين داخل إدلب. وهذا خطأ كبير يهدد مستقبل أولادنا، لأن مكانهم الطبيعي هو المدارس وليس المتاريس وعليهم أن يتخذوا العلم سلاحاً في بناء مستقبلهم.” ويشكر المدرس عبد الرحمن أعضاء الفريق الذين يعملون بجهود تطوعية بحتة، وبظروف صعبة حتى لا يستغل عنفوان الأطفال وشغفهم بروح المغامرة، محاولين إبعادهم عن العنف وويلات الحروب .
أسعد (15 عاماً) هرب من أحد معسكرات التدريب على السلاح، يتحدث عن المعاناة بالتدريب وسوء المعاملة، وخضوع الأطفال لساعات طويلة من التدريبات البدنية والتدريب على السلاح، إضافة إلى الجدية المطلقة بالتعامل مع الأطفال ناهيك عن البعد عن الأهل، وتحمل مشقات تفوق قدرة تحمل الأطفال .
أما أم أحمد (39 عاماً) فهي تبكي ولدها ابن السادسة عشر عاماً الذي قضى على جبهات القتال في إحدى المعارك الدائرة في مدينة حلب. وتقول أم أحمد: “كان أحمد السند والمعيل الوحيد لي ولأخواته الثلاثة بعد وفاة زوجي في معتقلات النظام. لكن فرحتي به لم تكتمل، فقد حاول البحث عن عمل كثيراً دون جدوى فاتخذ قراره بالالتحاق بصفوف المقاتلين ثأراً لوالده وليعيننا براتبه على مصاعب الحياة وغلاءالمعيشة، لكنه خرج ولم يعد ويعتبر فراقه بالنسبة إلينا أصعب من فراق الروح للجسد”.
التحق زاهر (15 عاماً) بصفوف المقاتلين وسط تخوف أفراد عائلته على حياته. قرر زاهر بعد انطلاق الحملات الهادفة إلى التوعية من مخاطر تجنيد الأطفال، التي نشرت الوعي بين الناس، أن يعود إلى مقاعد الدراسة. لم يثنه عن هدفه هذا السير فوق ركام المنازل المتهدمة، على وقع دوي القصف وهدير الطائرات. عزم زاهر أن يحقق بالعلم والمعرفة مالم يحققه بقوة السلاح.
ويبقى معلّقاً سؤال المدرس عبد الرحمن: “إلى أين تسير هذه الحرب الضارية بأطفالنا بعد أن أصبح لون الدم أقرب للطفل من علبة الألوان، والسلاح بات أقرب إليه من أقلامه وحقيبة مدرسته؟”