تجارة الأثاث والأدوات المستعملة تلقى رواجاً في ريف إدلب
بحزن وألم كان غسان (42 عاماً) يراقب عمّال وكالة بيع الأدوات المنزلية المستعملة، وهم ينقلون أثاث منزله إلى السيارة بعد أن باعه بأكمله استعداداً للنزوح مع عائلته إلى أحد المخيمات عند الحدود السورية التركية.
غسان واحد من مئات السوريين الذين قاموا ببيع أثاث منازلهم بمبالغ زهيدة، خوفاً من تعرضها للسرقة أو القصف في غيابهم. أغلبهم اضطروا أمام تأزم الوضع الأمني في مناطقهم، وخوفاً على عوائلهم للنزوح إلى مناطق أكثر أمناً.
ونظراً لتنامي هذه الظاهرة مؤخراً، انتشرت وكالات ومحلات بيع الأدوات المستعملة بشكل كبير في ريف إدلب وغيرها من المناطق المحررة في الشمال السوري. ولقيت هذه التجارة رواجاً واقبالاً كبيرين وذلك لرخص ثمنها إذا ما قورنت مع أسعار الأدوات المنزلية الجديدة.
يقول غسان وهو من ريف حماه “كان علي أن أبيع أثاث منزلي لأنني لست على ثقة بأنني سأجده عند عودتي من رحلة النزوح التي لا أظنها قصيرة”. ولفت غسان إلى أن السرقات باتت كثيرة للمنازل الخالية من سكانها لاسيما وأنه لا يوجد سلطة رادعة لهؤلاء وسط الحرب الطاحنة التي تعيشها البلاد. وإن كان غسان يأسف لبيع اثاث منزله إلا أنه يرى هذا الأمر أسهل بكثير من أن يصاب بأذى هو أو أحد أفراد عائلته إذا ما آثر البقاء “المال يعوض ولكن الولد والصحة لا يعوضان”.
من جهة أخرى يجد العديد من الناس ضالتهم بشراء هذه الأدوات كونها رخيصة الثمن وتلائم ضعف امكانياتهم المادية. هذا ما تعبر عنه أم محمد (35 عاماً) فتقول “عندما نزحت مع عائلتي من ريف حلب لم نصطحب معنا سوى بعض الملابس، وعندما قمنا باستئجار أحد البيوت في ريف إدلب الجنوبي، كان علينا أن نؤمن الكثير من الأدوات لهذا المنزل الذي يخلو من كل شيء ماعدا الأبواب والنوافذ”. لذلك قصدت أم محمد أحد محال بيع الأدوات المنزلية المستعملة واشترت كل ما يحتاجه المنزل تقريباً. من غسالة صغيرة وبراد صغير وبعض الأدوات المطبخية والمفروشات، وكلها بمبلغ 120 ألف ليرة سورية فقط. وهو المبلغ الذي لايشتري سوى قطعة أثاث واحدة إذا ما كانت جديدة بحسب أم محمد.
أبو حسين (46 عاماً) أحد تجار بيع وشراء المفروشات والأدوات المنزلية المستعملة في كفرنبل يقول “هذه التجارة لم تكن موجودة سابقاً إلا على نطاق ضيق ومحدود، ولكنها غدت اليوم أكثر انتشاراً بسبب ظروف الحرب وما رافقها من تردّي الأوضاع المعيشية للمواطن السوري”. ويشير أبو حسن إلى أن معظم الزبائن هم أنفسهم من النازحين الذين اضطروا لبيع أثاثاتهم في مناطقهم لصعوبة نقلها من منطقة إلى أخرى، لا سيما وأن حواجز النظام المنتشرة على الطرقات قد تقوم بمصادرتها إضافة إلى إعتقال صاحبها بحجة أنها مسروقة أو أنه إرهابي. بالتالي من باع أثاث منزله سيعمد إلى شراء مايلزمه في مناطق النزوح وبأسعار جيدة. ويؤكد أبو حسين أن من اشتروا منه حتى لو رغبوا بالنزوح ثانية أو العودة إلى مناطقهم فهو مستعد لشراء المفروشات والأدوات منهم وبقرابة السعر نفسه الذي اشتروه بها.
بالرغم من الإقبال الكبير على شراء الأدوات المنزلية المستعملة إلا أن البعض يحجم عن شرائها خوفاً من أن تكون مسروقة حتى لو اضطروا لشراء الأدوات الجديدة باهظة الثمن. وهذا الأمر هو الذي يدفع التاجر أبو عمر للسعي لشراء الأدوات المنزلية من أصحابها بشكل مباشر أو من مصادر موثوقة، خوفاً من أن تكون مسروقة. فاللصوص باتوا كثر في هذا الزمان على حد وصفه.
عاد إبراهيم الحموي (30 عاماً) إلى منزله بعد نزوحه عنه قرابة العام، ليجده وقد تمت سرقة كل الأثاث والأدوات التي كانت فيه. يتساءل الحموي بحسرة “لماذا لا يكون هناك جهة ثورية مسؤولة عن ضبط السرقات التي تحصل وتضرب بيد من حديد لتمنع حدوثها؟” هذا السؤال يجيب عليه حمود الأحمد (39 عاماً) أحد ضباط الشرطة الحرة في المنطقة قائلا “طبعاً نحن نعمل على منع السرقات ضمن مناطقنا المحررة، ولكن المناطق التي تدور فيها الاشتباكات يكون الوضع فيها صعباً، وهذا ما يفسح المجال للص ليقوم بسرقاته”. ويطمئن الأحمد بـ”أن الشرطة الحرة تقوم بدوريات ليلية مستمرة حفاظاً على أمن وأمان المواطن، وإذا ما لوحظ أمر مشبوه في أحد المنازل أو المحال التجارية فهم يسارعون إلى مداهمة المكان الذي تتم فيه السرقة، ويتم القبض على اللصوص. إن حاولوا الهرب يسارع جهاز الشرطة الحرة إلى تعميم الأمر عبر الأجهزة اللاسلكية مما يحول دون هروبهم ووقوعهم بيد الشرطة أو الحواجز الأمنية. وبالتالي تحويلهم للقضاء الحر لينالوا جزاءهم العادل” .
أبو يحيى (40 عاماً) من أهالي معرة النعمان يقول “لم أكن لأنسى ذاك الموقف الذي حدث أمامي، ما جعلني أعرض عن شراء الأدوات المنزلية المستعملة، حين تعرفت إحدى السيدات على بعض أدوات منزلها معروضة في أحد المحلات حيث أكدت بأنها لها من خلال العلامات الموجودة فيها. ومع ذلك رفض البائع إعادتها لها فغادرت المكان وهي تدعو عليه وعلى كل من يشتري من أدواتها التي جهدت في جمعها لسنوات”. إن كان هذا الأمر يهم أبو يحيى إلا أنه لايهم بالنسبة للكثيرين الذين يرجعون الذنب في هذا الأمر على من سرقها وباعها لا على من يشتريها. وعن هذا الأمر يقول سالم (25 عاماً) “نحاول أن نبرّر لأنفسنا كوننا مضطرين لشراء هذه الأدوات لعجزنا عن شراء ماهو جديد “.
لم تقتصر تجارة الأدوات المستعملة على الأثاث والأدوات الكهربائية وإنما أيضا ه النوافذ والأبواب، وهي تلقى رواجاً منقطع النظير، لأن سعر الباب المستعمل يقدر بـ 10 آلاف ليرة سورية، بينما سعر الباب الجديد من ذات النوعية يقدر بـ 80 ألف ليرة سورية. أي أن الفرق ثماني أضعاف بحسب أحد الباعة، كما أن الجودة لاتختلف كثيراً بين الجديد والمستعمل فبالرغم من أنها أدوات مستعملة إلا أنها أشبه بالجديدة كونها لم تستعمل بمعظمها إلا لفترات قصيرة.
أكثر من 40 محل لتجارة الأدوات المستعملة في مدينة معرة النعمان وحدها، يقصدها الفقراء ممن يريد أن يبيع أو يشتري أثاثا مستعملاً، وهذه المحلات قابلة للزيادة مع استمرار الحرب والفقر والنزوح في سوريا.