تأهيل المباني المهجورة لإيواء النازحين

"الحصول على منزل هو صراع الحياة بالنسبة للكثيرين في بلد فقد الأمن والأمان، وشعب لم يتبق له حتى منزل يأويه ، باتت البيوت المهدمة والمهجورة طوق النجاة لكثير من الأسر المنهكة "

ابو محمد

“ما إن هربنا من جحيم النار والبارود حتى وجدنا الصقيع ينتظرنا” يقول أبو سامر عن معاناته بعد أن نزح من ريف حماه إلى ريف إدلب، حيث وجد نفسه بمواجهة معاناة جديدة في البحث عن مأوى لاتقاء برد الشتاء. اتخذ من منزل مهجور مأوى له ولأطفاله بعد أن شعروا داخله بشيء من الأمان .
المجلس المحلي في مدينة كفرتخاريم بالتعاون مع الشرطة الحرة ودعم من منظمة عدل وأمان بدأ بمشروع تأهيل الأبنية المهجورة والمهدمة داخل المدينة، لمواجهة أزمة النزوح والتدمير الواسع في المباني السكنية الذي خلفه سلاح الجو التابع للنظام السوري وحلفائه.
رئيس المجلس المحلي لمدينة كفرتخاريم بدر الدين الصرمة (42 عاماً) يقول لحكايات سوريا متحدثاً عن المشروع: “أردنا تأمين مساكن مؤقتة تتلاءم ومتطلبات النازحين ممن لم يتوفر لهم إيجاد مأوى يقطنون فيه، لذلك عملنا على إنشاء مراكز إيواء مؤقتة لاستقبال النازحين في حالات الطوارئ والتهجير الجماعي”.
ويضيف الصرمة: “نعمل على مساعدة النازحين حتى في أوقات قصف الطيران واشتعال المعارك، لأن من أكثر ما يعاني المجتمع في هذه الأيام هو عدم القدرة على استيعاب أعداد كبيرة من الأسر النازحة خلال وقت قصير، لذلك توجهت أنظارنا إلى المباني العامة المهجورة والمهدمة لتجهيز إيواء أكثر من 300 شخص، كما تم تخديمها بكافة الخدمات الضرورية والأساسية من مياه وكهرباء وتمديدات صحية”.
ويؤكد الصرمة بأن كل بناء سكني في المشروع يحتوي على 23 غرفة يمكن أن تستوعب 23 عائلة، كما يضم كل بناء طابقاً أرضياً يمكن أن يستخدم كملجأ في حالات القصف .
ويلفت الصرمة خلال حديثه إلى أن المشروع ساعد في تقليل حالات الاستغلال للنازحين وتقليل نسبة الاكتظاظ والفوضى بين الأهالي والنازحين، كما ساعد المشروع على توفير فرص عمل للكثيرين من خلال تشغيل ورش البناء، من إعمار وسقف وبلاط وتأهيل المباني من الداخل، حيث بلغ عدد الورش حوالي 30 ورشة .
أبو توفيق (45 عاماً) من مدينة كفرتخاريم هو عامل بناء في المشروع يتحدث عن استفادته قائلاً: “خلّف القصف اليومي على إدلب دماراً واسعاً، لذلك عمل المشروع على تأهيل المباني المهدمة، حيث قمنا بسد الثغرات والفتحات في الجدران والأسقف في بعض المباني وإعادة بنائها من جديد في مبان أخرى، كما قمنا بطليها من الداخل بطبقة إسمنتية وتركيب أبواب ونوافذ إضافة إلى تخديمها بكافة الاحتياجات”.
يضيف أبو توفيق بتفاؤل: “لقد أتاح لي المشروع الحصول على فرصة عمل في مهنتي بعد أن كنت عاطلاً أعاني من البطالة، تمكنت من خلال عملي من إعالة أسرتي ومواجهة الواقع المعيشي الصعب الذي تفرضه الحرب .”
نزح أسعد الابراهيم (46 عاماً) مع أسرته من ريف حلب تاركين خلفهم كل ما يملكون. وبعد رحلة بحث مضنية عن مأوى استقرت الأسرة في حقل زيتون. داخل خيمة تميل مع الرياح وتغمرها الثلوج والأمطار شتاء في وضع كارثي لايليق بالكرامة الإنسانية.
الإبراهيم وصل إلى كفرتخاريم حيث وجد السكن المريح والكريم وعن ذلك يقول: “نزحنا من بيتنا تحت وابل من الرصاص والقذائف. هربنا بأرواحنا دون أن نصطحب أمتعتنا، كما استغل بعض الأشخاص حاجتنا الملحة للسكن فقاموا برفع إيجار البيوت بما يفوق قدراتنا المالية، لذلك لم نجد أمامنا سوى العراء، فأرشدني بعض الناس إلى مراكز الإيواء في كفرتخاريم التي بقينا فيها حتى وجدنا سكناً مناسباً”.
أم غيث (35 عاماً) من مدينة التمانعة في ريف إدلب تشيد بالمشروع الذي أمن المأوى المؤقت لعشرات الأسر النازحة. تقول أم غيث: “تتعرض مدينتنا لقصف متواصل بكافة الأسلحة، لذلك اضطررنا للنزوح إلى مدينة إدلب بعد أن تحول منزلنا إلى ركام، حالفنا الحظ مع تأمين منزل فارغ لكن سعادتنا لم تكتمل فقد عاد صاحبه فجأة من السفر وطالبنا بإخلائه. قصدنا مراكز الإيواء في كفرتخاريم ريثما نوفق بإيجاد منزل يأوينا “.
الطفل جمال (11 عاماً) نزح مع أسرته من حماة ليتخذوا من مراكز كفرتخاريم سكناً مؤقتاً لهم. عسى أن يتمكنوا من العبور إلى الأراضي التركية. يغمض الطفل عينيه متذكراً منزله الذي تركه وكأنه في حلم ويقول: “المنزل في هذه المدينة جميل ومريح يشبه إلى حد كبير منزلنا الذي أجبرنا على تركه هاربين من الحرب والموت، على أمل أن تنتهي معاناة نزوحنا لنعود مجدداً.”
أبو محمد (37 عاماً) من عناصر الشرطة الحرة في كفرتخاريم يلفت إلى أهمية المشروع قائلاً: “تشهد مدينة إدلب حالات نزوح متتالية، في حين يعيش الكثير من النازحين حياة يهددها الوضع الإنساني المتفاقم، فمنهم من تقطعت بهم السبل في البراري والحقول، ومنهم من اتخذ من الخرب القديمة سكناً له”.
ويضيف أبو محمد: “وجدنا في المشروع حلاً جزئياً لأزمة السكن الخانقة، وتلافي الأوضاع الكارثية التي يعاني منها الكثيرون، من خلال استقبال النازحين وإيوائهم وانتشالهم من التشرد في المخيمات العشوائية. حيث يحق لكل نازح لم يوفق بسكن أن يقيم بهذه المراكز ريثما يتم تأمينه”.
ويختم أبو محمد بالقول وقد بدا عليه التأثر: “بين ليلة وضحاها وجدوا أنفسهم أمام حقيقة مريرة وهي النزوح والتشرد، ليصبح الحصول على منزل هو صراع الحياة بالنسبة للكثيرين في بلد فقد الأمن والأمان، وشعب لم يتبق له حتى منزل يأويه ، باتت البيوت المهدمة والمهجورة طوق النجاة لكثير من الأسر المنهكة .”