بين ضريبة الإيجارات المرتفعة واللجوء إلى المخيمات

قالت الأمم المتحدة نقلاً عن الهلال الأحمر السوري، إن القتال في محافظة حماة تسبب بنزوح نحو 100 ألف مواطن في الفترة من 28 آب/أغسطس إلى الخامس من أيلول/سبتمبر من العام 2016. آلاف الأسر لم يكن أمامها الكثير من الخيارات، فإما مخيمات اللجوء التي أقيمت في ريف إدلب الجنوبي بشكل سريع ولا تمتلك أدنى مقومات الحياة، كما تتعرض للقصف الجوي من طائرات روسية وسورية، أو البحث عن منازل للإيجار في المدن والبلدات التي لجأوا إليها في ظللاارتفاع قيمة الإيجار الذي لا تتحمله معظم العائلات.

أم مازن (45 عاماً) معلمة مدرسية، أم لثلاثة أبناء، من مدينة طيبة الإمام بريف حماه. تركت مدينتها مرتين في العام 2012 وفي العام 2016. هي تدرك جيداً أن المرة الثانية مختلفة عن الأولى، حيث كان بجوارها زوجها الذي وقع على عاتقه البحث عن منزل للجوء إليه، كما كانت الأوضاع مختلفة في المرة الأولى حيث لم يكن النزوح بشكل كبير، أما الآن فقد فقدت أم مازن زوجها نتيجة غارة جوية في المعارك الدائرة في ريف حماه.

اختارت أم مازن الخيار الثاني على الرغم من صعوبته، وأخذت على عاتقها البحث عن منزل دون جدوى، فبعد ست سنوات من الثورة ارتفعت قيمة الإيجارات بشكل كبير، والأمل في إيجاد منزل فارغ هو ضرب من الخيال. ظلت أم مازن تبحث مدة 5 أيام، ووفقت أخيراً بإيجاد منزل مؤلف من غرفة واحدة كانت قيمة إيجاره مرتفعة بالنسبة لقدرة أم مازن المادية، ولكن لم يكن هناك من خيار آخر أمامها.

أثار ارتفاع قيمة الإيجارات في المناطق المحررة جدلاً كبيراً بين من يمتلك منزلاً أو محلاً تجارياً يريد الاستفادة منه كدخل إضافي في ظل ارتفاع مستوى المعيشة، وبين من يريد استئجار منزل ليأوي إليه بعد أن دمر منزله أو نزح إلى بلدة أخرى نتيجة الحرب. ويرى أصحاب العقارات أن قيمة الإيجارات طبيعية جداً إذا ما قورنت مع قيمتها في فترة ما قبل الثورة، الأمر الذي يرفضه المستأجرون الذين يعتبرون ذلك استغلالاً لحاجتهم في السكن.

تمتلك عائلة عمار البيوش (33 عاماً) منزلين في كفرنبل. ويقول البيوش “إذا قارنا إيجار المنزل قبل الثورة وبين الوضع حالياً نجد أنه حتى مع ارتفاع قيمة الإيجار، يبقى أدنى من قيمته قبل الثورة، فنحن كنا نؤجر منزلنا بقيمة خمسة آلاف ليرة سورية أي ما يعادل 100 دولار أمريكي في تلك الفترة، أما الآن ومع تدهور الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي نحن نؤجره بـ 25 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 50 دولار”.

بينما تعتقد أم مازن “أن الوضع يجب ألا يقاس بالمادة فقط”، وتعتبر “أن رأي البيوش صائب في حالة واحدة إذا تغير دخل من يريد استئجار المنزل، فأنا معلمة أتقاضى راتباً لم يتغير كثيراً منذ اندلاع الثورة”، وترى أم مازن “أن ما يجب أن يحكم العلاقة حالياً بين الناس هو الرحمة والصبر على الأوضاع الراهنة”.

توافق أم سعد سيدة منزل (42 عاماً) من مدينة حلفايا أم مازن وتزيد عليها “عندما تعرضنا للنزوح في بداية الثورة أصبح الناس في ريف إدلب يبحثون عن عائلة ليسكنوها معهم في نفس المنزل، أما الآن لا أحد يلتفت للنازحين، بل ويتسابقون في في رفع قيمة الإيجار”.

يرى البعض أن عدم التزام الأهالي بقيمة واحدة للإيجار يعود لعدم تدخل المجلس المحلي في المدينة بضبط قيمة الإيجارات، في الوقت الذي يبدو فيه المجلس المحلي عاجزاً عن التدخل في ضبط هذه القيمة لعدم امتلاكه أداة تنفيذية تجبر الناس على الالتزام بقراراته.

رئيس المجلس المحلي في مدينة كفرنبل مصطفى علي الشيخ (45عاماً) يقول: “يحاول المجلس التدخل الإيجابي والسيطرة على قيمة الإيجارات للمحلات وبيوت السكن بتحديد القيم”، ولكن الشيخ يعزو عدم تدخل المجلس في تحديد قيم الإيجارات لأن “هذه القيم تحدد بالعرض والطلب ولا يمكن تحديد القيم إلا بالإلزام، وهذا يبدو غير ممكناً لأن المجلس المحلي لا يملك قوة تنفيذية تلزم الناس بالقرارات التي يصدرها المجلس”.

لا تختلف معاناة الباحثين عن منزل للإيجار في مدينة كفرنبل عن الراغبين في استئجار محل تجاري في المدينة. سائر الشعبان (35 عاماً) ترك عمله ومنزله في دمشق بسبب مشاركته في المظاهرات، واضطر للعودة إلى قريته حاس المجاورة لكفرنبل يقول: ” في قريتي لا أمتلك منزلاً، فقد عشت حياتي في أحياء دمشق، وعندما اضطررت للعودة إلى قريتي كان همي الأول هو البحث عن منزل للإيجار، بعد ذلك كان علي أن أبحث عن محل تجاري أمارس به عملي في بيع الخضروات والفواكه”، ويضيف الشعبان: “بحثت طويلاً عن محل تجاري في مدينة كفرنبل، كانت قيمة الإيجار مرتفعة جداً ما اضطرني لعدم الموافقة، ولكن كنت بحاجة للعمل فقبلت باستئجار محل بالاشتراك مع اخوتي الثلاثة، مع هذا وبعد مرور عام على استئجارنا للمحل، يطالبنا اليوم صاحب المحل بقيمة أكبر لتصل إلى 100 دولار شهرياً، وهو ما لا يتناسب مع حجم إنتاج محلي، ولكنني مضطر فالمحل مصدر رزق لي ولأخوتي”.

 الطلب على المنازل أدى إلى ارتفاع كلفة الإيجار تصوير مريم محمد.
الطلب على المنازل أدى إلى ارتفاع كلفة الإيجار تصوير مريم محمد.

شقيق الشعبان باسل (38 عاماً) يعتقد “أن سبب تحكم أصحاب المحال التجارية بقيمة الإيجارات المرتفعة يعود لعدم تدخل المجلس المحلي في تحديد قيمة موحدة للأسعار لكل سوق في المدينة، ما يجعل كل صاحب محل يتحكم بسعر محله بحسب حاجته”.

محمد العزيز (31 عاماً) الذي يعمل في صيانة الثلاجات والغسالات بجميع أنواعها يقول: “توفّقت في إيجار محل، فلم يطلب مني صاحبه سوى 20 دولار شهرياً، وهذ يعود لكون المحل على أطراف السوق وليس في السوق الرئيسي”.

في ظل عجز المجلس المحلي عن التدخل في ضبط قيمة إيجارات المحال التجارية والمنازل، وارتفاع مستوى المعيشة والواقع المتردي للمواطن السوري، وتحكم البعض في حاجة الناس للبحث عن مأوى لهم، تبقى الخيارات نفسها أمام النازحين، فإما العيش في مخيمات اللجوء في المناطق التي نزحوا إليها مع ما تحمله من خطر القصف والتعرض لأمراض جديدة، أو تحمل قيمة إيجارات مرتفعة في المناطق المحررة.