بين القصف والملاجئ، طفلٌ يتعلّم!
غرفة تدريس في مجمّع المدارس في بلدة حاس تصوير ريم الأحمد
“سيتوقف التدريس من يوم غد…” هذا ما نشره المجمّع التربوي في معرّة النعمان في ريف إدلب، بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 2016، عبر صفحة المجمّع في فيسبوك.
وأتى إيقاف التدريس لفترة في كافة مدارس المجمّع، على خلفية الغارات الجوية للنظام والطيران الروسي، التي استهدفت مجمّع المدارس في بلدة حاس في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2016. وقد راح ضحية الغارات على مدارس حاس ما يقارب الـ 40 شخصاً، بينهم العديد من الأطفال، فتم إغلاق المجمّع في المعرة، كما كافة مدارس مجمّعات كفرنبل ومدارس المجمّعات التربوية في مدن خان شيخون وأريحا وغيرها. ويشكّل استهداف المدارس أبرز المخاوف في محافظة إدلب.
مدير التربية الحرة في إدلب جمال الشحود (46 عاماً) يقول لـ حكايات سوريا، بالقول: “يوجد 1446 مدرسة في المحافظة، من بينها 357 مدرسة خرجت عن الخدمة ولم تعد صالحة للعملية التعليمية بسبب القصف الذي استهدفها، كما أنَّ هناك ما يقارب الـ 400 مدرسة، تتراوح فيها نسبة الأضرار بين 40 و60%، أي أنَّ الإجمالي هو تقريباً 800 مدرسة متضررة بسبب القصف، ما يعني نصف مدارس إدلب… هذا الواقع اضطرنا لاعتماد الدوامين الصباحي والمسائي، من أجل التغلب على الواقع المفروض في بقية المدارس التي تُعاني من ضغط عدد هائل من الطلاب”.
ويلفت الشحود أن مديرية التربية الحرة في إدلب، تشرف على ثمانية مجمعات تربوية للعام الدراسي 2016-2017، وقامت بتزويدها بالكتب والأدوات اللازمة. “ومع كل الصعوبات والتوقف لفترات بسبب القصف، إلا أنَّ العملية التربوية في المحافظة تحاول السير في خطى ثابتة وتتجه للأفضل”.
عن مجزرة حاس يقول الشحود: “الإستهداف ينبئنا بأن الإجرام يتقصد الطلاب الصغار، ورددنا عليه بتعليق الدوام في المدارس التابعة للمديرية لمدة أسبوع، ابتداءً من 29 تشرين الأول/أكتوبر 2016 ولغاية 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، كنوع من الإحتجاج والصرخة للمجتمع الدولي… وهناك تجمعات أوقفت التعليم فور الإستهداف”.
وعن المخاوف من تكرر الهجمات على المدارس في إدلب، ينوّه خالد المحمود (56 عاماً) وهو مشرف المجمّع التربوي في معرة النعمان، إلى أنّ هناك خطة سيتبّعها المجمع لحماية الأطفال في المعرة، وتتمثل بإنشاء الملاجئ، والإستعانة بالمراصد للتنبيه المبكّر قبل القصف، والعمل على تهيئة كوادر إخلاء مدّربة لإخلاء المجمّع من الطلاب والكادر التعليمي”.
أمّا كاسر الشيخ (50 عاماً) مدير المجمع التربوي في مدينة كفرنبل، فهو يضع مجزرة حاس واستهداف المدارس في إطار ضرب عملية التعليم في إدلب، والسعي لتهجير السكان من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. ويقول أنّ مديرية التربية ستجهّز دراسة هندسية للمدارس المهدّمة في حاس وتعرضها على المنظمات الداعمة، للمساعدة في عملية الترميم والإعمار، وإعادة الحياة التعليمية إلى البلدة.
وعن الحلول المؤقتة التي اتُبعت، يقول الشيخ: “قمنا بالإستعانة بـ 7 أقبية من أجل استكمال العملية التعليمية بعد توقف المدارس في حاس، وتوزعت الأقبية في البلدة وفقا لكثافة السكان. كما منحنا المدراء في هذه التجمعات حرية القرار في توقيف الدوام فور الشعور بأي طارئ”.
ويؤكّد الشيخ أنّ فكرة الأقبية والملاجئ ناجعة، وبأنَّ هناك خطة في المستقبل لإنشاء الملاجئ في كل مدرسة تتبع للمديرية الحرة في إدلب”.
بدورها خديجة الفرحات (40 عاماً) إحدى نساء بلدة حاس، وهي أم لطفلة كانت متواجدة في المدرسة أثناء القصف في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2016، تروي لـ حكايات سوريا ما حصل في ذلك اليوم: “ركضتُ كالمجانين بعد الغارة الأولى التي استهدفت تجمع المدارس، حيث كانت إبنتي في دوامها، وكان المشهد أشبه بفيلم عن النكبة، فالطرقات مكتظة بالناس والجميع متوجه إلى مكان الإستهداف”.
وتُضيف الأم: “من بين مئات الأطفال لمحتُ طفلتي الصغيرة وهي تركض باكيةً، إلى أن وصلتُ إليها وأخذتها بحضني وتوجهت نحو ملجأ قريب من المدرسة مع عددٍ كبير من الأطفال والأهالي، ذلك لأنّ المراصد أعلنت أنّ الطائرة ستعود لتقصف مجدداً. وما هي إلا لحظات، حتى سقط صاروخ آخر بالقرب من تجمع المدارس تبعه عدة صواريخ أودت بحياة ما يقارب الـ 40 شخصاً، من بينهم الأطفال”.
الطفل أحمد (10 سنوات) أحد طلاب مدارس حاس، يقول: “كنت في الصف أنا وأصدقائي عندما قصفت الطائرة مدرستنا، كان الصوت قوياً جداً حتى أني لم أعد أسمع صراخ أصدقائي! هربنا إلى الخارج، وأنا في طريقي إلى المنزل رأيت جثث أطفالٍ ورجالٍ لم أعرف أحداً منهم… كان الغبار يملأ المكان، وبعد عدة دقائق سمعت صوت صاروخ آخر يسقط بقربنا، فسقطتُ على الأرض ووضعت يدي على رأسي كي أحمي نفسي كما جرت العادة… ثمّ توقفت وأكملت سيري… وحين وصلت إلى المنزل، كانت الصواريخ ما تزال تتساقط… لم أتمكن هذه المرة من إحصاء عدد الصواريخ، فقد كانت كثيرة”!
مع هذا كله، تستمر محافظة إدلب في مسيرة التعليم، بين القصف والإستهداف، ورغم تخوف الأهالي والكادر التعليمي… وبين التوقف، والتعليم في الأقبية والملاجئ… ليبقى الأطفال هم الحلقة الأقوى، أطفال يُصرّون ألا يُحرَموا من حقهم في التعليم…