بين الخيمة والغرفة… ضاع الوطن
مخيم الخيرات في أطمة في ريف ادلب تصوير إيهاب البكور
“أقوم ببناء هذه الغرفة، لأنّ تلك الخيمة المهترئة لم تعد تقينا البرد ولا الحَر، ناهيك عن أنها لا تعطي شيئاً من الخصوصية”. هذا ما قاله زياد (38 عاماً) نازح من ريف حماه في أحد مخيمات الحدود الشمالية، وهو أب لأربعة أولاد.
تبدّل منظر الزيتون والتربة الحمراء في تلك الرقعة الكبيرة من الحدود. هنا كان يطغى اللون الأزرق بفعل الخيام التي بُنيت لاستيعاب النزوح، وقد بقي ذلك اللون لأربعة أعوام. أما اليوم فإنّ اللون الأزرق بدأ ينحسر، وقد بدأ يتبدّل بالرمادي، فالنازحون أصبحوا يستبدلون خيامهم الزرقاء بالغرف الباطونية والغرف البيتونية (غرف مسبقة الصنع).
كل ذلك يحصل، ضمن معاناة النزوح الداخلي في سوريا. وقد نشرت وزارة الإدارة المحلية والإغاثة واللاجئين في الحكومة السورية المؤقتة، أنَّ عدد النازحين السوريين داخل سوريا قد بلغ 7.8 مليون نازحاً حتى نهاية العام 2015.
يقدَّر العمر الإفتراضي للخيمة بعامٍ واحد، لكنّ العديد من النازحين مكثوا في ذات الخيمة ما يزيد عن أربعة أعوام، فصار ضرورياً استبدالها بعدما اهترأت نهائياً. ليتبدّل الحال اليوم في أكثر تجمعات مخيمات الشمال السوري… فالمخيم الذي كنت تدخله قبل أربعة أعوام، وكان يقتصر على عدد من الخيم، أضحى اليوم أشبه بالقرية، لما يشهده من حركة بناء باطوني وازدياد هائل في الأعداد.
وتتراوح تكلفة بناء غرفة من الباطون المسلّح مع مطبخ صغير ما بين 400 و600 دولاراً أمريكياً. لكن لا يوجد جهة تدعم هذا البناء، إلا في بعض الحالات القليلة، سواء في بناء الغرف الباطونية أو تزويد الناس بالغرف مسبقة الصنع.
ولذا فإنَّ معظم الأهالي باتوا يبيعون خيمَهم، ويجمعون بعض المال لاستبدالها بالغرف. ذلك بالرغم من أنَّ قوانين إدارة المخيمات تنص على عدم السماح باستبدال الخيمة بالغرفة، لأنّ ملكية الأرض تعود للمؤجِّر، وإنَّ التأجير لم يكن إلا بشرط تشييد الخيم، ليتم تمديد التأجير سنوياً.
إبراهيم (29 عاماً) يقول: “على الرغم من مكوثي في مخيم للنازحين منذ ثلاث سنوات، وقد استبدل جيراني خيامهم بالغرف الباطونية… إلا أنّي لم أستبدل سوى المطبخ، لأني لا أملك المال الكافي كي أبني غرفة. وأدرك أنني وعائلتي سنواجه صعوبة كبيرة مع قدوم فصل الشتاء، لكننا سنمضي الشتاء كما أمضيناه في الأعوام التي خلت… تحت سقف خيمة”.
أبو محمود (50 عاماً) مدير أحد المخيمات في تجمع الكرامة في ريف حماه، يقول: “عندما قمنا ببناء مخيماتنا، كانت التعليمات تنص على عدم السماح لأحد باستبدال الخيمة بالغرفة… لكن مع ازدياد فترة النزوح واهتراء الخيم، أصبح من غير الممكن منع الناس من استبدال خيامهم بالغرف، وهذا ما يفعله كل مَن يستطيع ذلك”.
أما بالنسبة لمخيم الجزيرة في أطمة، وبعض المخيمات التي تُبنى مؤخراً كمدينة عطاء السكنية، أصبحت تقتصر على الغرف بأكثرها دون الخيام، وذلك لوجود جهة داعمة للبناء.
عبد الله (28 عاماً) موظف في إحدى المنظمات، ولديه غرفة في مخيم الجزيرة، يحدّثنا قائلاً: “مخيم الجزيرة صار بأكمله عبارة عن غرف بيتونية، لأنَّ هناك جهة داعمة حوّلته من مخيم إلى أشبه بالقرية السكنية. وأتوقّع أن تنتشر هذه الظاهرة تباعاً في بقية المخيمات”.
ما قد تشاهده في بعض المخيمات من ورش عمل وبناء، يجبرك على أن تشارك الناس فرحتهم وهم يبنون الغرف ليتخلصوا من الخيم. لكنّ أبو رياض (40 عاماً) يقول بحسرة: “صحيح أنني استبدلت خيمتي بغرفة، ولكنني بنيتها وأنا حزين… فذلك يدفعني للتفكير إن كنا سنمكث هنا لفترة طويلة، وإن كنا على خطى اللاجئين الفلسطينيين”.
ويسأل أبو رياض: “هل ما نعيشه هو نزوح مؤقت داخل سوريا، أم توطين جديد داخل رقعة محددة… نسأل الله الفرَج…”