بيت الحكمة للتعويض عن أحلام ضائعة
من خلال مركز بيت الحكمة، حقَّق أحمد (22 عاماً) بعضاً من حلمه: “كنت أحلم في أن أصبح طبيبَ أمراض داخلية، لكنَّ الأوضاع الأمنية منعتني من تحقيق حلمي. وها أنا الآن في بيت الحكمة أتدرب على مهنة التمريض، لأنني أجد فيها شيئاً من حلمي الضائع”.
ففي ظل الواقع التعليمي المتردّي الذي يجتاح المناطق المحررة في سوريا، قام ناشطون من مدينة أريحا في ريف إدلب، بإنشاء مركز أطلقوا عليه إسم بيت الحكمة.
يهدف المركز للمساعدة في بناء الجيل الناشئ بشكل سليم، والعمل على تنمية قدرات الشباب في كافة المجالات، وأن يكونوا نواةً لمؤسسة ذات دلالة علمية لرعايتهم ورفع مستواهم المعرفي والثقافي والتعليمي وتعزيز إحساسهم بالمسؤولية، كي يُسهموا في بناء المجتمع.
إبراهيم التريسي (24عاماً) مدير بيت الحكمة، يقول: “انبثقت فكرة المركز عن المكتب الإعلامي التابع لمدينة أريحا، بهدف الحفاظ على المركز الثقافي القديم في المدينة وإعادة تأهيله وتدريب الكوادر وتمكينها في كافة المجالات الخدمية. ولاحقاً تطورت الفكرة ليصبح المركز مؤسسة ثقافية”.
ويقول التريسي: “انطلاقة المركز كانت في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2015. حينها قمنا بدورات تدريبة في فن التفاوض والوساطة، وندوة عن تاريخ الخط العربي والفنون المتعلقة به”.
ويضيف: “كان ذلك بعد شهرين من قصف الطيران الروسي لمقر المركز الثقافي القديم لمدينة أريحا، فقدّم لنا المجلس المحلي بناءً لإنشاء مركز جديد. وبالفعل، بعد أن تسلمنا البناء، قمنا بإزالة الأنقاض بالقرب منه، وفصّلنا مكتبات جديدة، تمّ نقل الكتب إليها وترتيبها وفق فهارس، لتسهيل البحث عليها من الروّاد”.
ويوضح التريسي أنّ القصف الذي تعرض له المركز، حال دون توسعه في مجالات عديدة. على سبيل المثال، قامت الإدارة بإعداد برنامج نشاطات مقرر للبدء به في 1 كانون الثاني/يناير 2016، لكنّ القصف حال دون ذلك.
يضم المركز اليوم أقساماً عدة ونشاطات مختلفة، ويتبع لهُ المركز النسائي الذي يقدّم نشاطات مختلفة تصب في توعية المرأة السورية وتعليمها وتثقيفها على كافة الأصعدة، الدينية منها والطبية وغير ذلك.
ويؤكد التريسي أنه كباقي النشاطات المدنية، هناك صعوبات تعترض عمل المركز من قبل فصائل مسلحة متواجدة في المنطقة. فهناك من يعترض على الأغاني التي تتم تأديتها ضمن مسرحيات الأطفال، بالإضافة إلى النادي السينمائي لعرض الأفلام. ويقول التريسي أنّ الإدارة قامت بما يجب، للحد من تدخل هذه الفصائل. وتم وضع ضوابط عامة لخطة العمل في المركز قصت بالتوقف عن إذاعة الأغاني وعرض أفلام تعتبرها الفصائل مخلّة بالشريعة الإسلامية.
نور الحلاق (28 عاماً) مسؤول قسم التدريب والتأهيل والموارد البشرية في مركز بيت الحكمة، يقول: “هناك دورات في اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية
والتركية، وتدريب مهني كالخياطة وغيرها من المهن، بالإضافة الى التدريب الطبي ودورات شرعية وجميعها مجانية. حيث أننا نقدم مشاريع لمنظمات، تدعم هذه النشاطات، ونحصل من خلالها على منح مالية”.
ويقول الحلاق أنه في خلل السنوات الأخيرة شهدت العملية التعليمية في سوريا تراجعاً كبيراً، خاصة بالنسبة للشباب الذين تزيد أعمارهم عن العشرين عاماً. ويؤكد أن فكرة المركز أيضاً، كانت لإيجاد مكان للشباب المثقف والحد من هجرتهم إلى أوروبا أو التحاقهم بالفصائل العسكرية.
يضيف الحلاق: “الفكرة ليست وليدة هذه المرحلة فقط، إنما هي قديمة منذ كنا في دمشق. فقد عملنا في مجال بناء قدرات الشباب في التدريب والإلقاء، ضمن نادي اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق. واليوم نقوم بتنمية قدرات الشباب والسعي إلى إعداد كادر قادر على العمل في منظمات المجتمع المدني، حتى إن لم يكن حاصلاً على شهادة دراسية، ذلك من خلال الخبرة التي يكتسبها من المركز”.
ويشير الحلاق إلى أن قسم التدريب والتأهيل في المركز يقسَّم إلى ثلاثة أقسام: مكتب مجتمعي يعمل على تدريب الشباب على الإدارة المحلية ومهارات مجتمعية مثل مهارة القيادة. مكتب التدريب الطبي. وتقام فيه دورات التمريض والإسعاف الأولي والعلاج الفيزيائي والدعم النفسي. قسم الإعلام والترويج. ويتم فيه تدريب الشباب على فن التصوير وإعداد التقارير الإخبارية وفنون المراسلة الصحفية.
أبو العز (34 عاماً) عضو في المجلس المحلي لمدينة أريحا، يقول: “حين اطلعنا على منهج عمل مركز بيت الحكمة، رأينا أنه مركز علمي أكاديمي لمجالات ونشاطات متنوعة، تخدم واقعنا الحالي وما نعانيه من نقص في بعض الكوادر العلمية والثقافية التي يمكن أن يقوم المركز ببنائها وإرفادها إلى الساحة سريعاً.”
ويضيف: “كان لزاماً علينا كمجلس إدارة مدينة أريحا، احتضان هذا الفكر والجهد الثوري وفتح مجالات العمل له ومساعدته، وتذليل الصعاب التي تقف حائلاً دون عمله. فنحن نؤمن أن هذا الفكر، لا ينضج ويعطي ثماره بنفسه فقط، إنما عندما يكون هناك تعاون بين جميع مَن هُم في ساحة العمل.
ويؤكد أبو العزيز أنَّ المجلس هيّأ للناشطين المكان المناسب للعمل وساعد في الترويج له، لما فيه من فائدة في الأيام القادمة ستعم على جميع مجالات العمل الإداري والثوري في مدينة أريحا.
أم محمد (55 عاماً) إحدى روّاد المركز النسائي التابع لـِ (بيت الحكمة)، تقول: “سررتُ جداً عندما علمت بوجود المركز في مدينتي، وقمت فوراً بالتسجيل فيه في دورة محو الأمية. فأنا لا أستطيع الكتابة والقراءة، وأمُل في المستقبل أن أتمكن من قراءة القرآن الكريم”.