بعد تراجع الحديث عن الضربة العسكرية: حياة “طبيعية” واستمرار في اختلاف الآراء

راحيل ابراهيم*

(جرمانا، سوريا) – تتهيأ نور (38 عاماً) للتوجه من بلدة جرمانا في ضواحي دمشق إلى مسقط رأسها طرطوس، لتبدأ بالتحضيرات لزفاف ابنتها دعاء الذي ستعقده العائلة في نهاية أيلول/ سبتمبر. تأجل الزفاف بسبب القتال بين المعارضة والقوات الحكومية في محافظة اللاذقية في آب/ أغسطس، ثم تأجل مرة أخرى بسبب احتمال وقوع الضربة العسكرية الأميركية. كانت عائلة نور تشعر بالخطر في حال وقوع الضربة بسبب سكنها بالقرب من مقر أمني يعتقد إنه تابع للمخابرات الجوية، وحاجز لميلشيات “اللجان الشعبية” الموالية للنظام.   

الآن وقد تراجع الحديث عن الضربة العسكرية، تقول نور باطمئنان إن “الأوضاع الأمنية باتت أكثر استقراراً”، وإن ابنتها وزوجها سيعيشان بالقرب من العائلة في جرمانا وليس في طرطوس كما كان سيحدث لو نفذ تهديد التدخل العسكري في سوريا.

الصورة ملصق يروج لحفلة موسيقية في حي المالكي في دمشق –فيس بوك صفحة  "عدسة شاب دمشقي"
الصورة ملصق يروج لحفلة موسيقية في حي المالكي في دمشق –فيس بوك صفحة “عدسة شاب دمشقي”

غادرت العديد من العائلات السورية دمشق والمناطق المحيطة بها تخوفاً من الضربة الأميركية، واتجهوا إلى أماكن بعيدة، خاصة اللاذقية. ولكن مع بدء المحادثات الدبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة، لحل الأزمة الناتجة عن استعمال السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، عادت العديد من هذه العائلات إلى منازلها. في جرمانا عاد الكثير من السوريين الذين غادروا بسبب التخوف من الضربة العسكرية، إلا أنه كان ملفتاً مغادرة العديد من اللاجئين العراقيين إلى بلدهم.

تبدو الحياة طبيعية بحسب المعايير التي فرضتها حالة الحرب في سوريا. تزدحم مداخل البلدة بسبب حواجز التفتيش، أما في الأسواق، فيتجول الناس دون أن  يثير انتباههم صوت إطلاق النار الناتج عن الاشتباكات في بلدة شبعا القريبة والتي تقع على طريق المطار.

شهدت جرمانا مظاهرات ضد النظام في العام2011 ولكنها لا تزال تحت سيطرة النظام، واستقبلت آلاف النازحين السوريين من مختلف المناطق الساخنة منذ بدء المعارك في سوريا، كما بقيت البلدة آمنة نسبياً على الرغم من وقوع عدة تفجيرات لم يكشف عن فاعليها.

وتختلف الآراء في جرمانا حول الضربة العسكرية بين مؤيد ومعارض. تقول سعاد (34 عاماً) والتي تعمل ممرضة في مستشفى في دمشق إنها لا تعارض الضربة فحسب، بل كانت “مستعدة لأن تلتحق بصفوف الجيش السوري دفاعاً عن سوريا”. ولها مبرراتها، كما تقول: “نزحت مع أبي المشلول وعائلتي من منطقة الست زينب بعدما قتل “الجيش الحر” أخي. دخلوا المنزل بأسلحتهم، سرقوا وخربوا كل شيء، أطلقوا النار على رأس أخي وخرجوا”، تضيف: “لو ضربت سوريا كنا سنقتل جميعاً على أيدي مسلحي “الجيش الحر”، كنت أرى نهايتنا كل يوم وأتخيل المشهد. لقد عشت المأساة بنفسي”.

عصام، وهو  طبيب أسنان يبلغ من العمر 45 عاماً، يعارض الرئيس بشار الأسد ويقول إنه يؤيد العمل العسكري ضد النظام، لكنه في الوقت نفسه يصفه بـ”الكاذب والساقط” بسبب تخليه عن السلاح الكيميائي، ويضيف: ” في لحظة باع السلاح الكيماوي، كما باع الجولان من قبل… أشعر بتعرض أمننا الوطني للخيانة. أن نكون معارضين هذا لا يعني اننا لسنا مع أمن الوطن. السلاح الكيماوي الموجود هو السلاح الوحيد الذي يخلق التوازن في وجه عدو مدجج بالأسلحة هو إسرائيل” .

خضر، وهو يحمل شهادة في الأدب العربي ولكنه يعمل في يعمل في متجر لبيع الأجهزة الالكترونية، يضع نفسه على الحياد بين المعارضة ونظام الرئيس بشار الأسد، فهو لا يثق بأي من الطرفين. لا يؤيد خضر أي ضربة خارجية على سوريا، فهو، كما يقول، يعيش بين اللاجئين العراقيين ويرى ظروفهم ومعاناتهم، ويسمعهم يتحدثون عن خسارتهم وطنهم وتفكك جيشهم. يقول خضر إن العراقيين مضى على وجودهم في سوريا أكثر من عشر سنوات وكثيرون منهم ما زالوا ينتظرون الموافقة على طلب اللجوء إلى أميركا، ثم يضحك مضيفاً: “تضربنا أميركا ثم نطلب اللجوء إلى أميركا”.

يوافق خضر على ما قاله عصام عن خسارة سوريا السلاح الكيميائي قائلاً: “شعرت بالراحة لأن الضربة ألغيت، لكنني في الوقت نفسه شعرت بالخيبة، اخشى ان نكون قد قدمنا تنازلات كبيرة على حساب أمننا القومي. طوال ثلاثين سنة وسوريا تعمل على هذا البرنامج، وفي لحظة قررنا هدم كل ما بنيناه، من يضمن لنا أن لا يعاود الغرب التهديد كما في العراق؟”.

 فيحاء، التي تعمل مرشدة نفسية وتبلغ من العمر 35 عاماً، تقول إنها تعارض النظام، ولكنها تصف أي عمل عسكري خارجي بالـ “العدواني”، وإنه سيكون لمصلحة أميركا وإسرائيل، وتضيف: “نحن ضد الاستبداد الذي يضعف بلدنا لكننا أيضاً ضد أي عدوان خارجي على البلد”.

أما عامر (42 عاماً)، وهو نازح من حلب يعيش في جرمانا، فيشعر بخيبة الأمل بسبب تراجع احتمال الضربة العسكرية ضد “النظام المجرم الذي استخدم الكيماوي ضد شعبه”، وأن العالم “خذل السوريين” على حد وصفه. يعتقد عامر أن أي ضربة عسكرية خارجية لن يكون أثرها على السوريين أسوأ مما اقترفه النظام: ” برأيي لم يعد هناك فرق بين أن نضرب بصواريخ سكود أو صواريخ كروز”.

يلقي عامر باللوم على الرئيس بشار الأسد في ما يتعلق باستمرار الأزمة في سوريا، ويقول: “لو كنت رئيساً للجمهورية السورية وخيروني بين أن أتنازل عن كرسي السلطة وبين دمار بلدي، حتما كنت سأختار التنحي”.

* راحيل إبراهيم اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا.