بالإرادة والتصميم حققت أحلامي
أطفال يحضرون دورة صيفية في أحد مدارس مدينة دوما، الصورة بتاريخ 16-08-2017.
"في السنة الثانيه في الجامعة لم أعد احتاج مساعدة. وكما أنني شعرت بتحسن وراحة أكثر أثناء الدوام، فكنت أقرأ دروسي بعد عودتي للمنزل بشكل يومي. واستطعت نيل العلامة الكاملة ببعض المواد. "
سأقولها وأمري إلى الله، لم يكن بناء المستقبل لشخص بتلك السهولة، ولكن إرادة الشخص وتصميمه وإصراره وعزيمته هو ما يجعله يحقق أحلامه ويصل إلى ما يريد.
في البداية ظننت أن أحلامي لا يمكن لها أن تتحقق. وبسبب تغيير مكان إقامتنا بشكل مفاجئ، من الجزائر إلى تركيا. استقرينا في ولاية تدعى مرسين. كانت خلابة الجمال وهادئة وأناسها طيبون جداً. أحببتها عند قدومنا اليها.
لم أكن أعرف شيئاً عن هذا البلد الجديد. كنت مرتبكة بعض الشيء، ولكنني بدأت بتحدي نفسي رغم خسارتي سنتين من الدراسة. في البداية انضممت إلى معهد لاتقان اللغة التركية. وحضرت كورسات لاجتياز امتحان القبول الجامعي ونجحت والحمد الله لم أعش فرحة مثل فرحتي بقبولي الجامعي، كانت الحياة مضيئة ومشرقة أمامي.
ولكن في السنة الأولى لم يكن ذلك سهلاً علي، فبدأت بالاختلاط بمجتمع مختلف بعض الشيء عنّي لا أنكر أن بعض الأتراك يحبون العرب، ولكن معظهم لا يحبون الاختلاط بالغرباء. بعضهم يجدون راحتهم مع أصدقائهم القدامى. كنت أخاف من رفض الأصدقاء لي لكوني غريبه، وأخاف من إحراج المدرسين لي. وخاصة أنني لم أكن أفهم سوى 70% من اللغة.
ولكن كما يقول المثل: “من يخاف من شيء سيواجهه”. وحدث كل ما خفت منه. ففي إحدى المحاضرات بينما أنا في اخر مقعد من الصف وحيدة ، وكان مدرسنا يشرح لنا عن مبادئ وأساسيات يجب تعلمها في الحاسوب وكيفية التطبيق، لم استطع فهم مصطلحات الحاسوب جيداً. ولكن لم أسأل حتى لا أواجه الإحراج أمام الأصدقاء. فإذا بالمحاضر يسألني. حقيقةً، لم افهم عن ما يسأل، فغضب مني كثيراً وصرخ بوجهي.
لم استطع أن اتمالك نفسي من البكاء. فدموعي بدأت تنهمر وشعرت بالخجل من نفسي. وخرجت مسرعة. لم أشعر بضيق في قلبي مثل ذاك الضيق. ولكن في المحاضرة التي تليها وبينما كنت أدخل القاعة ناداني الدكتور وقدم اعتذاره لي. وقال بأنه لم يتقصد إحراجي. وأخبرني بأنه عاش ما عشت خلال فترة دراسته في أميركا.
من المؤكد انني سامحته ولكن كان شعوري بالنقص تجاه نفسي وليس لوم للدكتور. هذا ما شعرت به في ذاك اليوم، وكانت معاناتي تتجدد مع كل درس جديد أحضره. كانت السنة الأولى صعبة علي جداً، فكّرت كثيراً كيف أستطيع أن أجتاز الامتحانات، ثم أنني لم أجد سوى أصدقائي الأتراك، فطلبت منهم المساعدة فتفاجأت بتقبّلهم للأمر جميعهم وساعدوني كثيراً بالملاحظات عن المحاضرات وملخصات.
ولكن في الفصل الثاني فجأة وبدون مقدمات لم يعد أحد منهم يتحدث معي. استغربت كثيراً. لم أعرف السبب وسألت نفسي هل بدر مني أي تصرّف خاطىء هل أزعجتهم بشيء. لم أتذكر قط إن أزعجت أحداً فأنا بطبعي هادئة، لم أعرف ما حدث. ذهبت إلى أكثر فتاة مقربة لي وأخبرتها بالأمر. فعلمت أنهم لا يرغبون بأصدقاء سوريين، لأنهم سمعوا بعض القصص التي حصلت في ذلك الوقت في ولاية أضنه.
تقبلت الأمر ولكن بقيت ألقي عليهم السلام من بعيد. لا أجالسهم في المقهى ولا نخرج معاً. بعد فترة كنت وحدي في المقهى أشرب القهوة وأقرأ، جاء صديقي في الصف وهو من أفغانستان سلّم علي وطلب أن يجلس معي لنتحدث عن وظيفتنا. كان لدينا وظيفة مشتركة اتفقنا على موعد للخروج لإنجاز الوظيفة. اتفقنا أن نذهب إلى مقهى قريب من الجامعة في مساء اليوم التالي.
لم نستطع إنهاء الوظيفة في يوم واحد. كان عرضنا التقديمي في الجامعة صعباً ، عملنا كثيراً على فترة أسبوع لإنهائه. وبعد انتهاء الوظيفة بقينا أصدقاء. كان جداً لطيفاً معي، ولكن في السنة الثانيه في الجامعة لم أعد احتاج مساعدة. وكما أنني شعرت بتحسن وراحة أكثر أثناء الدوام، فكنت أقرأ دروسي بعد عودتي للمنزل بشكل يومي. واستطعت نيل العلامة الكاملة ببعض المواد. والحمد لله لاستمراري وإصراري على أحلامي .
ريما القاسم (٢٣ عاماً) طالبة جامعية في كلية التربية وتعمل كمدرسة في روضة أطفال