بابا عمرو: جحيم النزوح يتجدد

 رهيف غانم

يروي عصام (40 عاماً)، وهو أحد سكان حي بابا عمرو في حمص، كيف استيقظ على أصوات التكبير والتهليل، فخرج مسرعاً إلى الشارع ليرى مصدرها. تفاجأ بعدد كبير من الرجال المسلحين؛ ظنهم في البداية عناصر من “الشبيحة” لكنه بعد أن رأى سياراتهم وشعاراتهم تأكد أنهم من “الجيش الحر”.

نازحون من حي بابا عمرو في أحد المساجد في حي كرم الشامي المجاور - تصوير رهيف الغانم
نازحون من حي بابا عمرو في أحد المساجد في حي كرم الشامي المجاور – تصوير رهيف الغانم

“بدأت بالصراخ  الله سوريا حرية وبس والجيش الحر الله يحميك ودموع الفرح تنهمر من عيني بشكل تلقائي وما هي إلا عشر دقائق حتى سقطت أول قذيفة على الحي وتوالى بعدها القصف،” يقول عصام. “الحي الآن أشبه بمدينة أشباح… الدمار في كل مكان ومنازله باتت ركاماً أما الأبنية والمنازل التي لم تدمر بعد فهي أشبه بلوحة مزخرفة بشتى أنواع الرصاص فهو بات خالياً كلياً من سكانه الذين خرجوا هرباً من القصف ولعلمهم المسبق بردة فعل النظام التي ستكون عنيفة جداً.”

عصام هو الآن نازح من بين المئات الذين فروا إلى حي الانشاءات المجاور، بعد أن تفجر القتال بين الجيشين “الحر” والنظامي إثر تمكن مسلحي المعارضة من الدخول مرة أخرى إلى بابا عمرو في بداية شهر آذار/مارس. وقد أعلن الجيش النظامي أنه استعاد السيطرة على الحي يوم الثلاثاء 26 آذار/مارس. إلا أن النازحين لم يعودوا إلى بيوتهم بعد، فهم ما زالوا موزعين بين حي الانشاءات وحي كرم الشامي والمساكن الشبابية، وهناك الكثير من العائلات منقسمة حيث النساء والاطفال يبيتون في المدارس بينما الرجال موزعون على المساجد. هذه الجولة الجديدة من القتال تأتي بعد أن أعاد الجيش النظامي سيطرته على الحي الذي كان من أوائل المناطق السورية التي تمردت على النظام، وقام الرئيس السوري بزيارة المنطقة الصيف الماضي كدلالة رمزية على قهر “الجيش الحر”.

ملامح الفرح بالنصر التي ارتسمت على وجه عصام لم تكن ظاهرة على وجه هنادي (30 عاماً).

“لا فرق بين الجيشين فكلاهما شريك بما نحن فيه وبما نعاني منه اليوم لا احد يهتم بالنساء والأطفال والشيوخ. الطرفان يتصارعان فيما بينهما من اجل (المكاسب السياسية) ونحن وحدنا ضحايا هذا الصراع،” تقول هنادي بحزن.

أما عمار (43 عاماً)، فعبر عن سخطه إزاء العالم الذي لا يزال يصمت على ما يقوم به جيش النظام.

“الجميع شريك للنظام بقتل السوريين،” يقول عمار. “في العام الماضي ارتكب (النظام) بحقنا أفظع المجازر التي تأبى حتى الحيوانات السكوت عنها ولم يحرك احد ساكناً؛ كل ما فعلوه ضجة إعلامية.” يضيف عمار قائلاً، “إن ما يجري حالياً أقسى… وأشرس بأضعاف مما جرى في العام الماضي والأسلحة التي يقوم النظام بقصفنا بها حالياً أثقل بعشرات المرات مما استخدمه في العام الماضي ومازال العالم صامت ومازالت حمص المحاصرة تقصف بمئات القذائف يومياً.”

النزوح الحالي كان بمثابة محطة من مسلسل طويل من التنقل من منطقة إلى أخرى.

“نزحنا العام الماضي من الحي بعد أن حوصرنا؛ لم يكن أمامي من خيار سوى النزوح مع زوجتي وأطفالي الأربعة إلى محافظة الرقة،” يقول سامي (36 عاماً). “بعد أن دخل “الجيش الحر” إلى مدينة الرقة وقصفها النظام بالطيران الحربي والصواريخ، عدت إلى بابا عمرو كونه ملاذاً أمنا وبعد عودتي بيومين دخلت كتائب “الجيش الحر” إلى بابا عمرو وعاد الجحيم من جديد وأنا الآن نازح للمرة الثالثة خلال عام واحد.”

يحاول متطوعو “الهلال الأحمر” تقديم العون الطبي للنازحين، بالإضافة إلى بعض المساعدات العينية.

“نقوم حالياً بمعالجة الإصابات الخفيفة ومعاينة حالات الإغماء من الخوف والهلع بينما نرسل الإصابات الأكثر خطورة إلى مستشفى “الأمين” الموجود في الحي،” يقول رامي (26 عاماً)، أحد متطوعي المنظمة.

يحاول هؤلاء المتطوعون جاهدين أن يخففوا آلام النازحين، ولكن على رغم هذه الجهود، لا غنى لأهالي بابا عمرو عن عودتهم إلى منازلهم.

في نهاية شارع البرازيل الذي يقسم حي الإنشاءات إلى قسمين، وحيث يوجد الثقل الأمني والعسكري للنظام، يفتش حاجز للجيش كل السيارات الخارجة من بابا عمرو ويدقق في بطاقات الرجال. خروج النازحين من الحي ليس بالأمر العسير فيما الدخول إليه بحاجة إلى معجزة، يأمل النازحون أن تتحق قريباً.