انطلاق حافلة المجتمع المدني في مدينة القامشلي
يوسف شيخو
داخل شقة سكنية صغيرة، في أحد أحياء مدينة القامشلي، التابعة لمحافظة الحسكة السورية، يجتمع كل يوم، عدد من النساء والصبايا؛ يبحثن عن فكرة جديدة، يناقشن مدى فاعليتها وقابليتها للتطبيق ليخرجن بعد ذلك متحمسات للقيام بنشاط ثقافي، توعوي أو تنموي، وإن كان صغيراً، حيث يتوافق وحجم مؤسستهن، “شاوشكا”، التي لم يمض عام واحد على انطلاقها.
هذا النشاط مثال على الحراك المدني الذي تشهده القامشلي والمناطق المحيطة بها منذ سنتين. في هذه المنطقة، ذات الغالبية الكردية، ظهر العديد من المؤسسات غير الحكومية التي استفادت من ارتخاء قبضة النظام والوضع المستقر نسبياً حالياً، حيث السيطرة الفعلية على الأرض بيد قوات “وحدات الحماية الشعبية” (YPG) التابعة لـ “حزب الإتحاد الديمقراطي” الكردي، فعلياً، على المدينة، فهي تدير مراكز الشرطة وتشرف على سير عمل معظم المؤسسات الحكومية. ويقتصر تواجد قوات النظام السوري فيها على المربع الأمني في الوسط، دون امتلاك أية سلطة على الأرض. وقد اندلعت اشتباكات بين مقاتلي “الجيش الحر” والقوات الحكومية يوم الجمعة 12 نيسان/ أبريل، في محاولة من مقاتلي المعارضة للسيطرة على المطار الذي يقع في ضواحي المدينة، إلا أن هذه التطورات لا يبدو أنها، حتى لحظة إعداد هذا التقرير، ذات تأثير على الوضع الراهن في المدينة.
تتزامن حالة الاستقرار مع حاجة أبناء المدينة إلى التعويض عن عقود القمع الطويلة. فاستغل الكثير من الشباب الأكراد الظرف لإطلاق حافلة المجتمع المدني الذي بدأ يسد أيضاً الفراغ الناتج عن انسحاب الكثير من المؤسسات التابعة للنظام عن الساحة. وتتنوع المجالات التي تختص فيها هذه الجمعيات لتشمل حقوق الإنسان، وتنمية عمل المرأة والبيئة، وصولاً إلى تنمية الصحافة الكردية.
بدأت جمعية “شاوشكا” عملها في تموز/ يوليو الماضي، وتقدم نفسها كمؤسسة “اجتماعية مستقلة” تسعى للنهوض بالمرأة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، بحسب ما يفيد بيان تأسيسها. هذه الجمعية المستمد اسمها من اسم إلهة الحب في عهد مملكة ميتاني التي دامت بين القرنين السادس عشر والثالث عشر قبل الميلاد، والتي يعتبرها عدد كبير من الأكراد أصل حضارتهم، تعمل على نشر الوعي الاجتماعي والمساهمة في تقديم الرعاية الصحية المجانية وتنمية المواهب عند المرأة، إلى جانب تأمين فرص العمل للنساء عبر إقامة مشاريع صغيرة مثل الخياطة أو ورش التطريز. وتقول شيخة إبراهيم، وهي عضو في الجمعية، إن ما يميز هذه الجمعية عن غيرها من الجمعيات “هو العمل على الأرض”. وتضيف: “نحن نحاول جاهدين التخلص من التنظير السلبي والنزول إلى الشارع، محاولين تقديم ما بوسعنا”، لافتةً إلى أن المؤسسة تبتعد عن الحقل الحزبي السياسي. وتنظم “شاوشكا”، وهي تضم 60 عضواً، دورات في مجالات فنية مثل تعليم الموسيقى والتمثيل والمسرح، وكذلك دورات في تعليم اللغة الكردية والتمريض والأعمال اليدوية. كما تقيم حلقات إرشاد نفسي واجتماعي للمراهقين، وأيضاً محاضرات وندوات أسبوعية، تتناول مختلف المواضيع الثقافية والتوعوية.
مؤسسة “روني للمرأة الكردية” التي تأسست أيضاً في عام 2012، تنشط بدورها في المجال النسائي في القامشلي. وتشرح رجاء رشكو، رئيسة الجمعية، أن “روني” وتعني “النور” باللغة الكردية، تهدف إلى “تكثيف الجهود للرقي بالمرأة فكرياً وثقافياً واجتماعياً، من خلال إقامة المحاضرات والندوات الاجتماعية والطبية والثقافية بشكل دوري، وأيضاً زيادة مدارك النساء والشباب من خلال فتح دورات اللغة الكردية، إلى جانب اللغات الأجنبية الأخرى كالإنكليزية والفرنسية”. وتشير إلى أنه “في ظل الظروف الراهنة والضغوط النفسية على الجميع نعمل على مشاريع دعم نفسية للنساء والاطفال”.
وتوضح رجا رشكو، بأن الجمعية تركز في عملها على دعم “الفئات المهمشة التي تعاني من الفقر والجهل والظلم وكذلك المرأة البسيطة البعيدة عن الأضواء والظهور، والفئات الأكثر حاجة إلى التثقيف والتوعية بحقوقهن والنساء المعيلات”، معتبرة أن “الفارق الذي حدث في حياة الفئات المستهدفة من قبل الجمعية، هو الإحساس بالحياة والثقة بالنفس، وباتت كل امرأة منتسبة إلى جمعيتنا، ترى نفسها مكملة للرجل ومن واجبها الإمساك بيده لتجاوز المحنة التي نعيشها”.
وترى أفين محمود، العضو في “مركز المجتمع المدني والديمقراطية في سوريا”، أن ظهور الكثير من الجمعيات الجديدة في المدن، ذات الغالبية الكردية، يعتبر حالة صحية وطبيعية بالنسبة لمجتمع “يخرج من حالة الاستبداد وكبت الحريات إلى الانفتاح. إذ من الطبيعي أن يبحث المواطن عن موقع له في المجتمع”.
الحاجة إلى الارتقاء بالعمل الإعلامي الكُردي في سوريا، دفع صحفيين أكراد في القامشلي إلى تأسيس “اتحاد الصحفيين الكورد في سوريا”. لوند حسين، رئيس “الإتحاد”، يقول إن فكرة هذه المؤسسة المستقلة جاءت على خلفية تشتت الإعلاميين الكرد في أطر غير مختصة بمهنتهم. ويأمل حسين في أن يتمكن الاتحاد الجديد من تجميع الكوادر الإعلامية الكُردية وخصوصاً “في خضم الثورة السورية التي ستغير الحياة العامة رأساً على عقب”.
ومن المعوقات التي تواجهها المؤسسات الوليدة، بحسب حسين، محاولة الأحزاب الكردية “فرض هيمنتها على الكثير من الجمعيات والهيئات المدنية”. ويرى حسين أن “تدخلات الأحزاب في شؤون المنظمات المدنية، أدت إلى تعدد التنظيمات المدنية”، مشيراً إلى أن “وجود أنصار مختلف الأحزاب ضمن تلك المؤسسات ساهم في انشقاقها وتعددها”.
وحول اختلاف المؤسسات المستقلة عن المنظمات الاجتماعية التي تتبع الأحزاب الكردية التقليدية، يقول لوند حسين: “نحن في “اتحاد الصحفيين الكُورد السوريين”، وعلى الرغم من وجود منتسبي الأحزاب الكُردية، إلا أن عملنا الإعلامي وميثاق الشرف الصحفي، وضع حداً لأي عضو في المحاولة لتحريف مسار الاتحاد عن هدفه”. ويمضي بالقول: “إننا ومنذ المؤتمر التأسيسي قررنا عدم الانضمام لأي إطار سياسي كردي حفاظاً على استقلالية الاتحاد، ولا يمكن معرفة حقيقة منظمات مستقلة أخرى إلا من خلال التواصل معها. فعمل أي منظمة مدنية هو الذي يثبت صحة استقلاليتها، كما أن موقف الأحزاب منها يظهر درجة موالاتها واستقلاليتها عن هذا الطرف أو ذاك”.