الهوية السورية للنازحين في وطنهم
مكتب الميزان يستقبل الكثير من المراجعات يومياً تصوير إيهاب البكور
مشكلة علي في طريقها إلى الحلّ، سيصبح لدى طفله أوراقاً ثبوتية،وسيكون قادراً على إدخاله روضة الأطفال. مشكلة علي هذه هي مشكلة الكثير من المواطنين في الشمال السوري الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية نتيجة الحرب أو بعض الولادات التي أثمرت أطفالاً لم يتم تسجيلهم لدى الجهات المختصة. وتفاقمت المشكلة حين قررت الدوائر والمنظمات رفض التعامل مع الأهالي الذين لا يملكون ما يؤكّد هويتهم.
علي (29 عاماً) يعمل صيدلاني في تجمع مخيمات أطمة، نجح في تسجيل طفله لدى مكتب التوثيق في تجمع مخيمات الشمال. هذا المكتب كان الحل المثالي لآلاف الأهالي في تلك المنطقة.
المحامي خالد إبراهيم (43عاما)والقاضي المنشق عن النظام مصطفى أقرع (45عاما) إضافة إلى قضاة آخرين أسسوا مكتب “ميزان” للدراسات القانونية والتوثيق في تجمع مخيمات أطمة. هذا المكتب الذي جاء بعد جهد مضني بذله ابراهيم وأقرع حيث كانا ينتقلان من خيمة الى خيمة. يقومان بتسجيل الأهالي والأطفال، للاستحصال على أوراق ثبوتية ووثائق.
المحامي ابراهيم حدثنا عن بدايات عمل المكتب، فقال: “بعد نزوح أعداد هائلة من المواطنين إلى الشمال السوري، وكان أغلب هؤلاء بدون وثائق ومستندات، تدل على ما يملكون أو مايثبت هويتهم. اضطر بعض المحامين والقضاة، وعلى رأسهم القاضي مصطفى اقرع لطرح فكرة إصدار أوراق ثبوتية للأهالي بجهود شخصية، لحل تلك المشاكل التي بدأت تتطور”.
وأضاف قائلاً “فعلا بدأنا بذلك العمل، وأصبحنا نتطور ونصدر لهم معظم الوثائق، وتزامن ذلك مع تشكيل مجلس قضاة سوريا الأحرار،وكان هناك اعتراف من المجلس بالمكتب، في الداخل والخارج. ومن ثم أصبح العمل يتطور، وتتزايد الأعداد المستفيدة من المكتب، حتى قمنا قبل نحو سنة ونصف، باعتماد مقر ثابت، وأصبحنا الجهة التي تصدر للأهالي مختلف الأوراق والوثائق المتعلقة بالسجل المدني، من إخراج قيد، وتثبيت زواج، وبيان عائلي، وشهادة ولادة وشهادة وفاة”.
لدى تواجدنا في المكتب إلتقينا صدفة بمواطن رفض ذكر اسمه، كان قد أتى من إحدى المحاكم الى المكتب، فسألناه عن سبب قدومه فأجاب: “كان لدي قضية في محكمة أطمة، ولكنهم لم يقبلوا مني المتابعة فيها حتى أتيهم بورقة إخراج قيد وبيان عائلي موثقة،وأنا ليست لدي تلك الأوراق، فأتيت الى مكتب ميزان لأحل مشكلتي. هنا حتى المحاكم لم تعد تقبل التعامل بدون أوراق ثبوتية موثقة”.
ولفت المحامي إبراهيم إلى أنه “ومع مرور الوقت أصبح للناس دراية بتلك الأمور ومدى حاجتهم لتلك الأوراق، حتى أننا نقدر أعداد عقود الزواج فقط في فترة ثلاثة أعوام بثلاثة آلاف عقد، وقمنا بالتنسيق مع المحاكم لنصبح الجهة الوحيدة التي تصدر الأوراق الخاصة بالسجل المدني”.
و أكد بدوره أنهم يتعاملون مع المجالس المحلية بصفتهم السجل المدني المعترف به في كافة تجمعات المخيمات، ولفت إلى “أن المجالس المحلية متوافقة مع هذا البروتوكول، وتعترف بشكل رسمي بأوراق المكتب، وتطالب الأهالي الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية أن يستخرجوها من المكتب”.
علي الصيدلاني كان أحد المستفيدين من المكتب. قال علي: “أصبحت أباً، ولا بد من أن أسجل ابني في قيد مدني، فهنا أصبحت المنظمات لا تتعامل معنا بدون أوراق ثبوتية. وحتى المحاكم لم تعد تقبل أي إجراء بلا تلك الوثائق، ولولا هذا المكتب، لكان ابني الآن غير موجود مدنياً، ولكنني قمت بتسجيله، وهو الآن يمكنه أن يدخل الروضة، ويستفيد من باقي حقوقه هنا”.
يعاني النازحون السوريون في كافة مناطق النزوح،حتى في دول الجوار نفس المشكلة، حيث لا يملكون أوراقاً ووثائق. خاصة وأن أعداداً كبيرة منهم غير مسجلة لدى الأمم المتحدة، وهذا يعني عدم حصولهم على حقوقهم حتى البسيطة منها. وجاء في تقرير يعود لموقع العربية “أن النازحين في لبنان نسبة 27% منهم أي قرابة 260 ألف فرد، بدون أوراق ثبوتية، وأنه في تركيا قرابة 62% منهم بدون أوراق ثبوتية، أي 487 ألفاً، وفي الأردن قرابة 36% منهم بدون أوراق ثبوتية، أي 263 ألفاً، وهذا ما دفع الأهالي للبحث عن حلول بديلة، كمكتب ميزان.
إبراهيم الحاج قاسم (38 عاماً) من بلدة كفر سجنا في ريف ادلب. كان في يزور مكتب ميزان للحصول على عقد تثبيت زواج. قال “نحن فقدنا الكثير من أوراقنا ووثائقنا، فأنا ليس لدي دفتر عائلي، وزوجتي ليس لديها بطاقة شخصية، وليس لدينا مايثبت أنها زوجتي، وعلى اعتبار أن المكتب موجود، ومعترف به في كافة المناطق المحررة، أتيت اليه لتثبيت زواجي”.
مكتب صغيربإمكانيات متواضعة، يقوم بعمل يفوق بكثير صغر حجمه. مدير المكتب خالد إبراهيم يقول: “في الأسبوع الماضي تلقى المكتب مراجعات من 700 مواطن، بشأن قضايا مختلفة، و نحن نعتبر أننا أعدنا الهوية للكثير الكثير من أهلنا هنا في هذا التجمع الكبير للأهالي والنازحين”.