النظام السوري في موسم الشائعات: تكتيك “نبذ العنف”؟

عبد الله ساحلي

المفارقة كبرى بين ما تفعله الآلة الإجرامية للنظام وبين ما يقوله الإعلام الرسمي. الفجوة تتسع بين الحقيقة والميديا. فكلما ازداد القتل والإجرام ازداد الكذب والتضليل، وكلما تفاقم التضليل والخداع ازداد القتل. علاقة جدلية بين الكذب والقتل . نقتل ثم نكذب لنبرر القتل، نكذب من جديد تمهيداً لقتل جديد.في أجواء الخوف والرعب تزيد القابلية لتصديق الشائعات التي يزدهر سوقها، لا سيما ما يركّب منها بتبسيطية شديدة منافية للمنطق أحياناً، والتي لو أُعمل فيها العقل فيها لدقائق لظهر زيفها بسهولة. لكن الخوف والقلق يعمي العقل عنها و يجمّلها للنفس، بحيث تصبح حقيقة غير قابلة للتكذيب.

هذا هو القاسم المشترك بين كافة أكاذيب الآلة الإعلامية للنظام، والتي تبثها قنواته التلفزيونية والإذاعية: قصص مفبركة، قلب للحقائق.

يثبت الإعلام من جديد كم أنه آلة قتالية فعّالة في الشارع وفي السياسة، يستخدمها النظام ببراعة تؤدي إلى مزيد من تبرير القتل، وبالتالي إلى مزيد من المذابح والشهداء. من ناحية ثانية، دخلت قناة “الجزيرة” وفضائيات عربية أخرى على الخط، لتكبح آلة القتل الجهنمية من خلال تكرار صور ومقاطع فيديو فظيعة، الأمر الذي ربما ساهم بمرور التظاهرات في غير مدينة سورية من دون المزيد من القتل.

خرج عشرات الآلاف من السوريين يوم الجمعة في 15 نيسان 2011، اليوم الذي استحق تسمية “الجمعة العظيمة”، من دون إطلاق رصاص باستثناء ما وقع في اللاذقية. خرجت سورية عن بكرة أبيها. فهل يلجأ النظام إلى الخديعة؟ هل هو نهج جديد للنظام؟ تكتيك جديد؟ يحتاج النهج إلى الوقت ليثبت أنه كذلك. سنكتفي الآن بالقول أنه تكتيك، لجأ إليه النظام بعدما أدرك أنه يواجه حركة شعب، وتمّ فضحه في الإعلام، ولربما تعرض أيضاً لضغط دولي إضافي ما إثر تناقل وسائل الإعلام صور إجرامه البشع.

النظام الذي نعرفه في سورية هو في حقيقته نظام أمني. واهم من يعتقد أن النظام بدأ يمارس السياسة بمرونة جديدة تتمثل بنبذ العنف. السياسة عند النظام هي تالية وتابعة للأمن. يلجأ إليها عندما يشعر بالحرج جراء فضيحة تمسّه. بل يلجأ إلى السياسة نزولاً عند ضغط خارجي فقط. السياسة عند النظام في دمشق تكتيك، أما الأستراتيجية فهي القبضة الأمنية الحديدية. الأولى متحولة، والثانية ثابتة.

أما الحالة الجديدة، التي استغربها كثيرون يوم “الجمعة العظيمة”، فهي اعتراف الإعلام السوري، للمرة الأولى، بأن ما يجري في الشارع السوري هو “تظاهرة”، وليس” مؤامرة” و”أعمال تخريب” كما دأب على تسميتها حتى يومين سابقين على 15 نيسان. هذه حالة تابعة لموقف السلطة الجديد من التظاهرات. موقف ترقّب، يغيب عنه العنف المفرط في مواجهة المتظاهرين، كما يجرى كل أسبوع في درعا واللاذقية، وتكرّر في دوما وفي حمص يوم عيد الجلاء.

بالكاد استطاعت القوى الأمنية منع مسيرة آتية من جوبر، باتجاه ساحة العباسيين، من الوصول إلى الساحة الشهيرة في العاصمة السورية. لك ماذا عن المقبل من الأيام؟ هل يتكرّر موقف النظام وإعلامه يوم الجمعة المقبل؟ لا نملك من القرائن ما يدفعنا للتأكيد على ذلك، لكننا على ثقة بأن هذا النظام لا يتحدث سوى لغة القوة، وأنه إن لجأ إلى التهدئة فلأن الأمر خارج عن إرادته، وتجارب السوريين مع النظام في دمشق مليئة بالخيبات وعدم الثقة.

لقد بدأت مرحلة جديدة في الثورة السورية.