النساء في “سجن عدرا” بين التعذيب والإهمال
: لقطة من فيديو يظهر ما يبدو أنه تعرض معتقلين ومعتقلات سوريات للضرب على أيدي جنود حكوميين. مصدر: يوتيوب/ hamza alzeidi
الانتهاكات في سجن دمشق المركزي تأخذ طابعاً منهجياً ضد النساء ومعتقلي الرأي السلميين بشكل خاص.
خاص “دماسكوس بيورو”
ملاحظة: جميع الأسماء مستعارة.
“كانت صدمتي بعد خروجي لا تقل شدة عنها يوم اعتقالي، وأنا أشاهد صوري والمناشدات المطالبة بحريتي قد احتلت صفحات “فيس بوك” لكثير ممن أعرفهم أو لا أعرفهم، علماً أنني لم أتلقّ المساعدة من القادرين منهم على تقديم دعم حقيقي عندما كنت بحاجتهم داخل السجن. اكتفوا برفع شعارات هزيلة وساذجة من أجلي”، تقول سارة (30 عاماَ)، غاضبة وهي التي قضت سبعة أشهر في “سجن دمشق
المركزي” المعروف بسجن عدرا. لكنها تعتقد أنها “محظوظة” لإطلاق سراحها بعد أن شملها العفو.
سارة موظفة سابقة في القطاع الخاص، اختفى زوجها قبل سنتين على طريق حمص- دمشق الدولي حين كان عائداً من عمله في إحدى الشركات الخاصة ولا يزال مصيره مجهولاً. تعتبر سارة أنها وزوجها كانا بعيدين عن أجواء السياسة واصطفافاتها. فنشاطهما ضمن تجمع مدني كان متركزاً على تقديم مساعدات مادية بسيطة تصل من متبرعين لعائلات عانت من فقدان معيلها، ولكن تهمة سارة كانت دعم الإرهاب، والعمل على تشكيل منظمة إرهابية.
يواجه المئات من السوريين رجالاً ونساء على مختلف أعمارهم وانتماءاتهم، ملاحقات قضائية بتهم دعم وتمويل الإرهاب، أو المشاركة في أعمال إرهابية استناداً إلى أحكام القانون رقم 19 الصادر العام 2012 والخاص بمكافحة الإرهاب. وينتهي الكثيرون ممن تُوجه إليهم هذه التهم في “سجن عدرا” في دمشق. وبحسب شهادات حديثة حصل عليها موقع “دماسكوس بيورو”، فإن النساء في هذا السجن يعانين من ظروف إنسانية مأساوية.
تقول سهاد (32 عاماً) وهي محامية متابعة عن كثب لقضايا المعتقلين: “هناك فرق بين المعتقلات والمعتقلين في الفروع الأمنية، وبين نظرائهم في سجن دمشق المركزي (عدرا)، أو المسجونين في سجن صيدنايا أو المحكمة الميدانية. الوضع أشد فظاعة داخل الفروع الأمنية، ولكن هذا لا يقلل حكماً من سوء الأوضاع في السجون المذكورة”.
ميادة (28 عاماً) خريجة كلية الحقوق، اعتقلت مدة خمسة أشهر متواصلة بتهمة سارة نفسها، وسبق لها أن قضت عدة أيام قبل سنتين في أحد الفروع الأمنية إثر خروجها بمظاهرات مع أصدقائها، وقد خرجت أيضاً بموجب العفو الرئاسي الأخير في حزيران/ يونيو 2014. تؤكد ميادة وجهة نظر سارة وتقول: “كانت هناك مشاهد نعتقد أنها مأخوذة من فيلم ما، كأن يمسك السجان امرأة مريضة ويدفع بها بوحشية من باب العنبر لترتطم بالحائط أو الأرض لمجرد أنها طالبت بالمساعدة”. وتضيف ميادة: “غياب الرعاية الصحية جملة بسيطة ولكنها تحمل في طياتها انتهاكاً كبيراً لمن يحتاج إلى الرعاية ولا يلقاها إلا بتقديم الرشوة، أو يحرم منها، وهذا أبسط ما عشناه في سجن عدرا للنساء”.
حسب وصف سارة وميادة، فإن نزيلات “سجن دمشق المركزي” (عدرا) توزعن بين ناشطات سياسيات معارضات، وبين مؤيدات متهمات بجنايات وجرائم متنوعة، ولكن الإهمال لم يميز بينهن، فغياب الخدمات الصحية، وقلة النظافة، والإهانات كانت من نصيب الجميع عموماً، وإن كان القسط الأكبر من سوء المعاملة من نصيب المعارضات.
يمتد الإهمال والإساءة ليطالا الأطفال الذين ولدوا في السجن، فحسام ذو السنة والنصف لم يتلق أي لقاح، وأمه التي حملت به سفاحاً قبل أن تسجن بتهمة السرقة، لا تتوانى عن ضربه وتعنيفه حتى أنها تعلن صراحة رغبتها بموته لتخلي والده عنها بعد سجنها، ووصول تهديدات لها بالقتل من قبل أهلها. تقول سارة: “للأسف لم تهتم إدارة السجن بتأمين لقاحات لهذا الطفل الذي يعاني من الجرب والربو، والخدمات الخجولة التي تقدمها “جمعية رعاية المساجين“، أو “جمعية راهبات الراعي الصالح”، لا تلبي إلا اليسير من الاحتياجات وهي عبارة عن بعض الأدوية والألبسة”.
“كلكنّ عاهرات، لكن لكل عاهرة نوع مختلف من الزبائن” هكذا كان يصرخ الشرطي في وجه السجينات عندما كن يتشاجرن لسبب ما حسبما تذكر سارة، وتضيف: “لا عجب أن يصدر سوء المعاملة عن الشرطة أو القُضاة، طالما أن معظم الجهات (جمعيات أو منظمات محلية أو دولية) تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، لكنها لا تقوم حقيقة إلا بما يخدم الترويج لنفسها لزيادة تمويلها”.
وتوافق ميادة على هذا وتؤكده قائلة: “لم نشاهد من أحد دعماً مادياً لمعتقلين فقراء أو مرضى، ولم نشهد متابعة للأداء السيئ لبعض المحامين المكلفين بالدفاع عن المعتقلين، وخاصة من لا يكلفون أنفسهم عناء زيارة موكليهم كما حدث معي، فالمحامي المكلف بالدفاع عني لم أره إلا مرة واحدة، وبدأت محامية متطوعة أخرى بزيارتي ومتابعة قضيتي”.
تنقل سارة وميادة سخرية المعتقلات في السجن من اقتصار جهد هذه الجهات بمطالبة الإفراج عنهن من داخل الفنادق الفاخرة، أو خلال حملات “فيسبوكية” لا تغني من جوع. ورغم إقرارهما بالخطر المحدق بأي شخص يتواصل مع معتقلي الرأي، إلا أنهما تؤكدان إمكانية إيصال المال للمحتاجات داخل السجن بدون التعرض لأية خطورة.
حتى داخل السجن يلعب المال والشهرة دوراً، هذا ما تؤكده المحامية سهاد: “في سجن عدرا وجود المال يجعل المرء يعيش وكأنه في بيته. هناك منظمات ترسل للمعتقلين مساعدات، لكن المؤكد أن شهرة المعتقل تلعب دوراً في جلب اكبر دعم مالي له. والعديد من المعتقلين تنفق عليهم جهات مختلفة في وقت لا يجد آخرون أي شكل من الدعم، كما أن الوضع المادي لأسرهم لا يتيح مساعدتهم”.
تؤكد تقارير حقوقية أن سوء الأوضاع في السجون السورية لم يكن وليد الأزمة، فهو مأساوي من قبل انطلاق الثورة بكثير، ولكنه ازداد سوءاً وأصبحت الانتهاكات فيه تأخذ طابعاً منهجياً ضد النساء ومعتقلي الرأي السلميين بشكل خاص.
يوثق تقرير أعدته “الشبكة الأوروبية-المتوسطية لحقوق الإنسان” شهادات نساء سوريات تعرضهن لعمليات اعتقال تعسفية واختفاء قسري وتعذيب على يد القوات الحكومية، ونساء عانين الخطف والتعذيب من قبل الجماعات المعارضة المسلحة أيضاً. ويشير التقرير إلى أن “الجرائم المرتكبة ضد النساء السوريات تغيب عن أجندات السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان، مع ميل وسائل الإعلام إلى تجاهل الأبعاد المعقدة لمعاناتهن”.
تقول سارة: “كل ما سمعته سابقاً عن الافتراءات والتهم المفبركة في السجون وفروع الأمن، نسيته أثناء تجربتي. الحقيقة أصعب بما لا يقاس، ومشاعر الإنسان عندما يظلم ويساء إليه لا يمكن للكلمات أن تصفها”.