النساء العلويات: “شبّيحات” أو “سبايا”، خياران أحلاهما مرّ
مريم عبدالله
ملاحظة: قام فريق التحرير بالاكتفاء بذكر الأسماء الأولى للمتحدثين حرصاً على سلامتهم
تعيش ردينة (32 عاماً) في حي عش الورور، وهو من العشوائيات الأكثر فقراً في ضواحي دمشق والتي تقطنها أغلبية علوية قادمة من الساحل. بالإضافة إلى عملها كموظفة حكومية، تحمل ردينة هم الاعتناء بأسرتها، محاولة تغطية مصاريف البيت بالاعتماد على 350 دولاراً هي مجموع مرتبها ومرتب زوجها، وهو موظف حكومي أيضاً.
في ظل هذا الواقع، بدأت الثورة في سوريا، التي تراها ردينة المناصرة للنظام، تهديداً مباشراً لها. تحتار اليوم ردينة بين البقاء في دمشق والعودة إلى قريتها في ريف مدينة مصياف، تقول وهي تبكي، متحدثة عن مناصري المعارضة: “إنهم يكرهوننا؛ يريدون قتل رجالنا واغتصابنا؛ يريدون أن يعيدونا الى أيام الفقر والخوف والرعب عندما كانوا يجبروننا على العمل كخادمات عندهم”، في إشارة إلى اختلال ميزان القوى بين السنة والعلويين قبل أن يتسلّم الرئيس الراحل حافظ الأسد السلطة في سوريا.
تذكر ردينة عدة حوادث اغتصاب سمعت بها، قام بها “سلفيون”، على حد تعبيرها، من أجل “تمريغ شرف العلويين في الوحل” وتردد هذه الروايات كدلالة على صحة مخاوفها، ولذلك فقد قبلت عرضاً بالتدرب على استعمال السلاح لكي تنضم إلى “اللجان الشعبية”.
كالكثير من النساء العلويات، تتخوف ردينة من المصير الذي ينتظرها في حال خسر النظام الحالي سيطرته على الدولة.
وترى الأخصائية الاجتماعية رنا محمد أن انتشار الروايات عن اغتصاب النساء العلويات ظاهرة لها خصائص الإشاعة وهي تعبير عن مخاوف كامنة في المجتمع الذي تنتشر فيه؛ فإن كان المجتمع ذا صبغة طائفية ستأتي أيضاً بصورة طائفية، حيث تتم صناعة الإشاعة باللعب على نقاط الضعف لدى أي مجتمع أو بناء سياسي. وتضيف محمد “وبالنسبة للمرأة العلوية فهي تحاط بالخوف من كل جوانبها، فهي امرأة تعاني من التمييز في حياتها ضمن مجتمعها لأنها امرأة، وبالوقت نفسه تعتبر أن النظام له فضل كبير عليها فهو الذي علّمها وفسح لها مجال العمل ولم يقيّد حريتها… وانتشلها من الماضي الذي كانت تخبرها عنه جدتها… وهو الخوف الموروث من أن تعود الى ما كانت عليه إن رحل هذا النظام الحامي لها ولمكتسباتها”.
تتناول لوسي، وهي أخصائية اجتماعية، الخوف الذي تتحدث عنه ردينة، وتقول إنه “ينتقل للأبناء بشكل آلي بسبب ما يحدث على أرض الواقع من بعض المظاهر المؤثّرة والمدمّرة، فترويع النساء تحديداً هو من المجهول القادم”. يتبدى هذا المجهول حالياً في عبارات تهديد تطلق في الشارع من الطوائف الأخرى “بكرا منورجيكم”، ليعني حالة من النفور من طائفة بشكل واضح وليتوقع المزيد من الانتقامات، كما تقول.
أما الفتيات العلويات اللواتي يتصدين للنظام ولا يؤيدنه فهن يقعن على حد السيف. تخشى سوزان (38 عاماً)، وهي معارضة علوية، من رد فعل عائلتها ومجتمعها في حال أشهرت ميولها السياسية، فهي لا تشارك في أي نشاط معارض.
وتقول سوزان “بسبب ممارسات الترهيب والخوف، فقد منعت الفتيات من المشاركة في الحراك وتم التشهير بمن تشارك وبعائلتها، وصل الأمر إلى حد الخطف والقتل على يد من هم من نفس الطائفة”.
الكاتب الصحفي علي ديوب يعزو سبب خوف النساء العلويات من الآخر إلى تركيبة النظام، الذي لا يقيم وزناً للمواطنين، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً. فهو يستخدم كل شيء لدوام تسلطه على البلاد وهو يقوم عملياً باستثمار كل شيء (حدثاً ، أو إشاعة، أو كذبة) لخدمة هدفه، فهو يتعامل مع الإنسان بوصفه شيئاً، من جملة أشياء، يضمن له استمرار التسلط على البلاد ونهب خيراتها.
ويقول ديوب إن النظام اخترع “كذبة” الحرب الطائفية، منذ الأيام الأولى للثورة، أي في مرحلتها السلمية، ليضمن استمرار سلطته. ولكن ديوب يلاحظ أنّ مخاوف النساء العلويات لم تعد هي مخاوف النظام نفسها؛ فمن فقدت ابناً تلو الآخر، بحسب ديوب، بدأت تدرك أنها وأبناءها قربان لأجل شخص وليس لأجل البقاء: “أنا لا أرى أن مخاوف أمهات قتلى الجيش النظامي حقيقية. بل هي مخاوف (يزيفها النظام)… لكن المجتمع في الأقليات مغلوب على أمره، ولا يمتلك عامل القوة الذي يتوفر لدى الطائفة السنية، وأعني (الاستعداد) للشهادة”.
إلا أن ردينة، التي تلقت تدريباً على استعمال السلاح، لا تمانع القتال دفاعاً عن النظام الذي ترى فيه دفاعاً عن وجودها، وهي تعتقد أن دور النساء قد جاء بعد أن قتل العديد من الشباب العلويين.
تقول ردينة “نعم ليسموني شبيحة كما يشاؤون، وهم يعتبروني كذلك لأني أرفض أي كلام ضد النظام، ولن أتوانى عن كتابة تقرير ضد من يتكلم بسوء لا بل إن استطعت سأسلمّه مباشرة لرجال الأمن فهذه بلادي تحترق أمام عيني، هذا الرئيس الذي أحبه تتآمر عليه كل دول العالم”.
وختمت ردينة قائلة: “سأدافع عنه حتى الموت فأنا وأولادي فداءً له، لن نعود كما كنا خدماً؛ لن أقبل أن أسبى على يد أحد هؤلاء الذين يرون فينا متعةً لهم”.