المقاتلون في المناطق البعيدة عن الجبهات عبء على المدنيين

عصام عبد الحميد

(سلقين، سوريا) – يسبّب التواجد المسلح لقوات المعارضة العديد من المشاكل، وخاصة في المناطق البعيدة عن الجبهات المباشرة مع قوات النظام. بينما لا تحتاج هذه المدن والقرى إلى المقاتلين المنتشرين بسلاحهم وعتادهم بعدد كبير، يتخوف المدنيون من القصف الجوي من قبل قوات الحكومة، بعد أن حُوٍّلت بعض البيوت داخل الأحياء السكنية إلى مقرات عسكرية. كما يتخوف السكان من تطور بعض الخلافات بين الفصائل إلى مواجهات مسلحة داخل هذه الأحياء.

أبو علي (47 عاماً) من سكان مدينة سلقين في محافظة إدلب، يقول: “بعد أن توحّد مقاتلو “الجيش الحر” لدحر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” من المدينة منذ شهرين تقريباً، عادوا وافترقوا من جديد بسبب خلافات بين الكتائب على إدارة المدينة أو لأسباب قد تكون شخصية”. يضيف أبو علي أن كثيراً ما يتحول هذا الخلاف إلى مواجهات مسلحة ضمن الاحياء السكنية، تتعرض خلالها حياة المدنيين للخطر. وأحياناً يكون هناك قتلى وجرحى بين الاطراف المتنازعة مما أدى لخلق أعمال انتقامية يصعب حلها سلمياً بين الكتائب المتواجدة في سلقين.

مقاتل من المعارضة في سلقين – تصوير: عصام عبد الحميد
مقاتل من المعارضة في سلقين – تصوير: عصام عبد الحميد

أما ياسر (37 عاماً)، الذي يعمل في بقالة، فيصف انزعاجه من اطلاق النار المتكرر، قائلاً: “عند سماعنا أصوات اطلاق نار نضع أحد الاحتمالين: إما اشتباك بين الكتائب أو ابتهاجاً بزفاف أحد شبان المدينة”.
لا يوجد في سلقين قوات للجيش الحكومي منذ اكثر من عام ونصف وتبعد عن أقرب وجود للجيش النظامي مسافة حوالي 40 كيلو متر عن المدينة، لذلك يُستبعد احتمال أن يكون الجيش النظامي طرفاً في اصوات اطلاق النار.
إحدى أبرز الحوادث الأمنية في سلقين كانت في شهر شباط/ فبراير. بحسب عناصر أمن المعارضة، اصدرت المحكمة الشرعية مذكرة استدعاء بحق أحد قادة الكتائب لاستجوابه بعد شكوى رفعت ضده، الا أنه لم يستجب وأشهر سلاحه في وجه الدورية ودار اشتباك أودى بحياة ثلاثة عناصر أمن. كما جرت محاولات إغتيال لمقاتلين في “الجيش الحر” وجرائم قتل بحق المدنيين مازالت غامضة.

الكثير من المقاتلين الشباب في حيرة من أمرهم بسبب الانفلات الامني وغياب عمل جماعي منظم يضبط المسلحين ويحاسب المخطئين. فالبعض سئم هذا الوضع وتراجع عن العمل المسلح، خوفاً من الوقوع في هذه الأخطاء.

أحمد من سلقين يبلغ من العمر 22 عاماً، انشق عن جيش النظام في تشرين الأول/ أكتوبر 2011 أي بعد اندلاع الثورة بثمانية شهور، وانضم لاحدى كتائب “الجيش الحر” في ريف دمشق. شارك بمعارك عدة ضد قوات النظام في الغوطة الشرقية قبل ان تسيطر المعارضة على سلقين بعد عام من انشقاقه، فقرر العودة ليكون بالقرب من عائلته والانضمام لاحدى كتائب “الجيش الحر”.

يقول أحمد إنه قد شارك بمعارك في مدينة حلب ومدينة جسر الشغور في محافظة إدلب ومنطقة جبل الاكراد في محافظة اللاذقية. ويصف الروح القتالية والمعنوية لدى جميع المقاتلين الذين شارك معهم هذه المعارك ضد قوات النظام بأنها كانت عالية. وبعد انحراف البعض من عناصر “الجيش الحر” عن القتال وانشغالهم بتهريب البضائع إلى تركيا أو تقاسم المناصب داخل المدينة، بدأ بعض المقاتلين بترك السلاح والعودة إلى الحياة المدنية تجنباً المشاكل مع أبناء المدينة.

يقول أحمد: “لم أتخلَّ عن الثورة ولكنني تجنبت الفتنة بين أهلي ومن شاركتهم المعارك ضد النظام الذي خرجنا لاسقاطه، ولا زلت مستعداً في أي وقت للعودة للقتال ضد قوات النظام إن عاد من انحرف عن مسار الثورة إلى صوابه مستخدماً سلاحه لنصرة الشعب السوري”.

يعيش أحمد حالياً وحيداً في منزل عائلته التي هاجرت إلى لبنان بسبب تعرض المدنية للقصف الجوي بشكل مستمر، و قد عاد قبل حوالي الشهرين إلى مهنته الأساسية كعامل بناء قبل أن يؤدي الخدمة العسكرية في الجيش الحكومي، وهو يعمل تسع ساعات يومياً مقابل 1500 ليرة سورية أي مايقارب 10 دولارات.

إلا إن أبو عبد الله (32 عاماً) من سلقين والذي يقاتل مع مجموعته في حلب، يقول إن من يتخلى عن سلاحه لاخطاء البعض لم يكن يوماً مع الثورة وانه حمل السلاح ليحمي نفسه وممتلكاته، مضيفا أن قتال نظام الأسد واجب على كل من يستطيع حمل السلاح والجبهات مفتوحة لمن يريد المشاركة. اصبح السلاح جزء من أبو عبد الله واسقاط النظام كل ما يتمناه، فهو لا يأتي لزيارة زوجته وطفله الوحيد إلا لأيام قليلة لتفقد احوالهم وتأمين حاجيات اسرته و الأطمئنان عليهم ثم يعود للقتال على جبهات حلب.

في وجه الوضع الأمني المتفلت، تبذل القوة الأمنية في سلقين جهداً للتواصل بشكل دائم مع سكان المدينة، لا سيما عبر موقع “فيس بوك”، للتعريف بمهامها وتلقي شكاوى الناس. إلا أن الواقع الأمني قد يكون أصعب من أن تحلّه حملة علاقات عامة.

أحد القادة العسكريين الذي عرّف عن نفسه باسم أبو حسن، يشرح الأسباب التي دفعته إلى ترك منصبه في “مخفر سلقين الثوري”، وهو مركز الأمن الذي شكلته مجموعات المعارضة في المدينة، لكنه مازال قائد كتيبة صغيرة ويشارك في المعارك خارج سلقين. يقول أبو حسن: “كلما تولّت مجموعة أو كتيبة إدارة المخفر للعمل بجدية محاولة بسط الأمن في المنطقة، بدون الانحياز إلى أي جهة، يأتي من يحتج ويطالب برحيلها وتسليم المخفر لمجموعة أخرى، وبالتالي من الصعب علينا ادارة المخفر والسيطرة على التجاوزات ومحاسبة المخطئين من العسكريين”.

يتابع المسؤول الامني السابق: “اجتمعنا كثيراً للتوصل إلى اتفاق بين الكتائب المتواجدة في سلقين للتوحد في إدارة المخفر لكن دون جدوى. كما طالبنا بتخفيف المظاهر المسلحة واخراج المقرات العسكرية من الاحياء لكن لم نستطِع تطبيق اي اتفاق على ارض الواقع”.