المجلس المحلي في عربين: مكان المقاتلين على الجبهة وليس بين المدنيين
رزان زيتونة
ملاحظة: هذا التقرير هو الثاني عن المؤسسات الخدمية التي أسستها المعارضة في المناطق التي تسيطر عليها في الغوطة الشرقية.
العمل المدني في مدينة عربين يفصح عن نفسه بوضوح منذ اللحظات الأولى لدخول البلدة. خلت الطرقات من المظاهر المسلحة٬ لا حواجز لكتائب “الجيش الحر” إنما دوريات للشرطة العسكرية المكلفة بحفظ الأمن. بعض الشوارع زينت بالرسومات والعبارات الثورية بعد حملة نظافة نظمها الأهالي مؤخراً وشاركت فيها حتى الكتائب العسكرية.
عربين، أو عربيل باللغة السريانية، تقع على بعد سبعة كيلومترات شمال شرق مدينة دمشق. يمر عبرها أحد فروع نهر بردى ليسقي ما تبقى من حقول الزيتون والجوز. يبلغ عدد سكان المدينة نحو مئة الف نسمة بين أصليين ووافدين. عاد منهم في الوقت الحالي بعد حملات النزوح المتكررة نحو خمسين بالمئة٬ علما أنها لا تزال جبهة مفتوحة مع النظام منذ ستة أشهر٬ وتتعرض للقصف اليومي براً وجواً.
كغيرها من مدن وبلدات الغوطة الشرقية، انضمت عربين للحراك الثوري السلمي منذ الأشهر الأولى للثورة. وانتقلت بعدها للعمل المسلح مع دخوله مناطق الغوطة ولكن من غير التخلي عن جانبه المدني، حيث استمرت تنسيقيتها بالتغطية الاعلامية وتنظيم المظاهرات واستمر الأهالي بتشكيل المكاتب الخدمية بما يوائم التطورات على أرض الواقع.
ويبدو واضحاً للعيان أن جهوداً كبيرة بذلت من قبل الأهالي لإدارة شؤون مدينتهم، بالقدر الممكن من التنسيق وبجهود تلتقي جميعها في المجلس المحلي لمدينة عربين.
بدأ المجلس المحلي في عربين عمله فعلياً في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي. ويتألف حالياً من مكتب تنفيذي يضم سبعة أشخاص، وأمانة عامة تمثل لجان المجلس، هي أشبه “بوزارات مصغرة لإدارة الأمور الحياتية في البلدة”، وفقاً لرئيس المجلس السيد أبو أحمد.
تتألف الأمانة العامة من ممثلي 26 لجنة بينهم ممثلين عن تسع كتائب عسكرية٬ وهؤلاء يمثلهم في المكتب التنفيذي عضو واحد٬ والخطة المستقبلية وفقاً لرئيس المجلس أن لا يكون هناك تمثيل انتخابي للعسكر إنما عنصر ارتباط للتنسيق والتعاون وبما يحقق التواصل بين المقاتلين على الجبهة والمدنيين.
وهناك وثيقة موقعة من الكتائب في عربين تتعهد بالالتزام ودعم المجلس المحلي “في ما يتخذه من قرارات تخص شؤون البلدة٬ ومشاورته في الشؤون العسكرية التي تمس الشؤون المدنية للبلدة”، يقول رئيس المجلس ويضيف “نقوم باطلاعهم على سياسات المجلس وقراراته، ويقومون بالمثل في ما يتعلق بالأمور التي تمس حياة المدنيين”.
وعن عدم تواجد المظاهر المسلحة في البلدة يقول “المقاتل يتواجد حيث يقوم بواجبه على الجبهة٬ وفي أوقات استراحته مع عائلته لا يحمل السلاح بين المدنيين”.
حتى مقرات الكتائب جرى الاتفاق على أن تكون خارج التجمعات السكانية قدر الامكان، حيث تأسس مكتب تنسيق عسكري يضم قادة الكتائب، وهناك لجنة مراقبة على هذا المكتب مؤلفة من ممثلين عن المجلس المحلي والهيئة الشرعية.
مكتب آخر هناك نية لفصله عن المجلس هو مكتب العمل الثوري الذي يضم ممثل عن تنسيقية عربين ويهتم بالنشاط الثوري في المدينة من مظاهرات وسواها “نحن في مرحله انتقالية لفصل العمل الثوري عن العمل المدني والنحو باتجاه التخصص٬ لذلك ستنفصل لجنة العمل الثوري عن المجلس مع الابقاء على التعاون والتنسيق” كما يشرح السيد أبو أحمد.
تعنى بقية مكاتب المجلس بالأمور الخدمية للسكان٬ كتوفير مولدات كهرباء لتخديم الأحياء في منطقة لم تشهد الكهرباء منذ نحو ثمانية أشهر. وترحيل القمامة إلى مكبات مؤقتة حيث أن الترحيل للمكب الأساسي مكلف جدا٬ً ويدرس المجلس حالياً مشروعاً لتوليد الغاز من القمامة، بالإضافة إلى مشروع لتنظيف الأنهار التي سدت بفعل القصف وتراكم الأوساخ٬ وغير ذلك. لايزال المجلس في طور التجريب في ما يتعلق بالهيكلية وآليات العمل.
“لا توجد دراسات جاهزة يمكن الاعتماد عليها٬ حتى بالنسبة لتشكيل المجلس وعمله فهو يعتمد على التجربة ولم يتم تقديم أي تصور من الائتلاف الوطني أو غيره يمكن الاقتداء به،” وفقا لرئيس المجلس.
يبدو واضحاً أن المجلس تأسس بتوافق واسع بين المدنيين والمقاتلين من غير آليات انتخابية محددة حتى اللحظة، وهو الشيء الذي يحاول المجلس تلافيه في الدورة التشريعية القادمة من خلال دراسة تجارب بعض المجالس الأخرى.
كما يلاحظ شبه انعدام العناصر الشابة ضمن تشكيلات المكاتب٬ بسبب اتجاه الشباب للعمل الثوري والمسلح٬ بالإضافة إلى عدم وجود سيدات على الإطلاق٬ رغم توجه المجلس لتشكيل مكتب خاص بالمرأة والطفل.
وكالعادة٬ وكما هو الحال في كل مكان تقريباً٬ تبرز مشكلة الدعم المادي لأعمال المجلس، الذي يحتاج لدعم لا يزال نادراً حتى اللحظة٬ لتنفيذ مشاريعه الخدمية وبما يحافظ على استقلالية المجلس في الوقت نفسه.
يقول أبو عبادة عضو تنسيقية عربين “عندما تأسس المجلس كان هناك التفاف كبير من الأهالي حوله وتعاون من قبل جميع الأطراف لإنجاحه٬ لكن شح الدعم يحد من إمكانيات المجلس والخدمات التي يستطيع تقديمها للسكان”.