المجلس المحلي في حلب: طموح كبير بإمكانيات شحيحة

لينا الحكيم*

مع انقطاع الخدمات الأساسية عن معظم المناطق الخاضعة للمعارضة في حلب، تم انتخاب “المجلس المحلي” في المدينة مطلع شهر آذار/ مارس 2013 في مسعى لإيجاد الحلول العملية لهذا النقص، بالتعاون مع “مجالس الأحياء”، وهي هيئات محليّة معارضة تمثل المناطق السكنية الخارجة عن السلطة المركزية في دمشق.

يضم المجلس 29 عضواً، أغلبهم من الإسلاميين ويغيب عنهم العنصر النسائي، جرى انتخابهم في مدينة غازي عنتاب التركية التي تبعد نحو مئة كيلومتر تقريباً عن مدينة حلب. وقد شارك في الاقتراع 224 مندوباً عبروا الحدود للإدلاء بأصواتهم في هذه العملية الديمقراطية الأولى من نوعها.

مركز الدفاع المدني في "مساكن هنانو" في حلب - فيس بوك صفحة المجلس المحلي
مركز الدفاع المدني في “مساكن هنانو” في حلب – فيس بوك صفحة المجلس المحلي

بدأ مجلس مدينة حلب أولى نشاطاته بحملة أطلق عليها تسمية “خليها نظيفة” بالتعاون مع جمعية “أم القرى للإغاثة والتنمية”؛ وهي جمعية إغاثة مستقلة يشغل عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني محمد إبراهيم الدغيم منصب مديرها العام ومقرها بلدة جرجناز في منطقة معرة النعمان في محافظة إدلب. وتم خلال هذه الحملة إزالة تجمعات القمامة التي تراكمت في الأحياء، وأعقبها حملة رش للمبيدات بالتعاون مع الهيئة العالمية لأطباء عبر القارات (تأسست في العام 2003 وانضمت إلى رابطة العمل الإسلامي ومقرها في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية) وذلك للوقاية من داء الليشمانيات أو “حبة الليشمانيا” أو ما يعرف محلياً بـ”حبة حلب” التي بدأ ظهورها كوباء مقارنة بالسنوات السابقة في مدينة حلب، إضافة إلى حملة تلقيح للأطفال بين عمري الستة أشهر والسنتين ضد مرض الحصبة الآخذ بالإنتشار في تلك المناطق.

ويقوم المكتب الصحي في مجلس المدينة بالعمل على خطة شاملة للوضع الصحي ضمن الإمكانات المتاحة، وذلك عن طريق دعم النقاط الطبية في الأحياء لتقوم بدورها الضروري في مجال الرعاية الأولية ودعم المشافي العاملة حالياً، واستحداث بعض المشافي لتخدم بعض الإختصاصات الغائبة كالأمراض النسائية والتوليد والجراحة العينية. لكن “الوضع الصحي شائك جداً” على حد تعبير عضو المكتب الإعلامي لمجلس المدينة ضياء عبدالله وذلك “نتيجة الدعم الشحيح لهذا القطاع والنقص الكبير في الكوادر المختصة وغياب البنية التحتية للقطاع الصحي”.

ويتحدث عبدالله عن مخططات مجلس المدينة التي تشمل كافة النواحي الخدمية والصحية والتعليمية والإغاثية والإعلامية، مؤكداً أن هذه الخطط حقيقية ولكنه يقرّ بأنها “خطط طموحة وضعف الإمكانيات هو ما يعيق ويؤخر العمل”.

وفي إطار الخطط تعد دراسات عن الوضع الحالي للشبكات الكهربائية للوقوف على مدى الضرر الذي أصابها وما تحتاج إليه لإعادة تأهيلها، أما الأعطال اليومية البسيطة فيتم إصلاحها من خلال “مجالس الأحياء”.

وفي ما يتعلق بالمياه، تتم دراسة مشاريع لاستثمار الآبار الموجودة في الأحياء، في حالات انقطاع المياه لفترات طولة، وذلك عن طريق تأمين مولدات كهربائية لاستجرارها، وتأمين أجهزة تنقية وتكرير لكي تكون المياه صالحة للشرب.

على صعيد آخر، تنشط المكاتب الإغاثية في مجالس الأحياء وفق احتياجات كل حي، ويتم العمل حالياً على “تشكيل قاعدة بيانات موحدة لجميع المكاتب والهيئات الإغاثية، وهي خطة طموحة جداً تحتاج إلى التعاون من الجميع للوصول إلى دعم إغاثي مثالي تستفيد منه الشرائح الأكثر حاجة”، بحسب ضياء عبدالله.

على الصعيد التربوي، حدّد مجلس مدينة حلب فترة ما بعد عيد الفطر المقبل، أي في منتصف شهر آب/ أغسطس 2013، موعداً نهائياً لامتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية. “سيتم اعتماد هذه الشهادات من قبل الحكومة القادمة، بناء على وعد شفهي على أن يترجم بشكل خطي في وقت قريب”، على حد قول المسؤول عن المكتب التعليمي والثقافي في المجلس عبد الكريم أنيس، وهو يرجّح ومن دون تحديد مصدر معلوماته أن تتم معادلة شهادة طلاب الداخل من جمهورية مصر العربية وشهادة الطلاب النازحين خارج الأراضي السورية من دولة ليبيا.

وبالنسبة لامتحانات المراحل الانتقالية ستتم بتاريخ 1تموز / يوليو 2013 .

وأعلن مكتب التربية والتعليم والثقافة في مجلس مدينة حلب عن إجراء دورات مكثفة للشهادتين الثانوية بفرعيها العلمي والأدبي وشهادة التعليم الأساسي، وستقام الدورات مجاناً لتمكين الطلبة من التقدم للإمتحانات. ولهذه الغاية يبحث المكتب، وبحسب ما ورد على صفحة المجلس على فيس بوك، عن “مدرّسين مجازين مختصين ومن ذوي الخبرة والتجربة لتعيينهم كمدرسين في دورات مكثفة… مدفوعة الأجر”.

واللافت في هذا الإطار أن المقررات التي سيتم تدريسها هي ذاتها المقررات المعتمدة من قبل الحكومة السورية، مع إغفال أي أمر يشير إلى النظام السوري المتمثل بحزب البعث الحاكم خاصة في كتب التاريخ. ويرجع اعتماد ذات المنهج إلى أن تعديل المناهج الدراسية “يحتاج إلى عدد كبير من الإختصاصيين والوقت، الأمر الذي ليس متوفراً حالياً”، بحسب عبد الكريم أنيس.

واستطلع موقع “دماسكوس بيورو” آراء المواطنين بنشاط مجلس المدينة ولدى سؤال أحمد (23 عاماً من منطقة السكري) حول هذا الأمر يقول “أشعر بالتفاؤل من المجلس، على الرغم من الأخطاء التي قامت أثناء تشكيله، لأنه يضم نسبة عالية من خريجي الجامعات وحاملي الشهادات”.

أما عارف (25 عاماً وهو من منطقة الكلاسة ويحمل شهادة جامعية) فيقول “إلى الآن لم يشاهد المواطن أي شيء قدمه المجلس؛  قراراته ما زالت حبراً على ورق، إلا في موضوع النظافة وبعض الأعطال الكهربائية”.

ومن جهته يستغرب غيث (27 عاماً من منطقة الأنصاري) كيف أن المجلس لم يقم سوى بحملة نظافة ورش مبيدات وتوزيع بعض السلال الغذائية، ويقول غيث “وعدونا بتأمين المنازل لبعض المتضررين وقالوا إنها متوفرة ومازلنا بالإنتظار”. ولكن غيث لا يفوته أن يثني على  التنظيم الحاصل عن طريق مجالس الأحياء والذي يستبشر فيه خيراً.

يبقى أن أغلب الذين تحدث إليهم موقع “دماسكوس بيورو” يشعرون بالتفاؤل حيال قرار المجلس التعليمي التربوي إقامة الامتحانات ومعادلة الشهادات. تقول سعاد (ربة منزل في الأربعين من عمرها في منطقة بستان القصر) “سررت كثيراً بفرصة الطلبة تقديم الإمتحانات، فلدي ولد في الشهادة الثانوية لن يتمكن من تقديم امتحاناته بشكل رسمي، فكان هذا القرار ساراً لي وله”. وتقصد سعاد “بالرسمي” السلطة المتمثلة بالحكومة التابعة للرئيس بشار الأسد.

ورغم التفاؤل يبدو التساؤل عن حجم الإنجازات التي تحققت على الأرض ظاهراً، وهو ما يجد تبريراً له كما أسباباً تخفيفية مردها قلة الدعم وعدم توافر الوقت الكافي لتحقيق الكثير، فلم يمر على تأسيس المجلس سوى قرابة الشهرين، وتنتهي دورته بعد أربعة أشهر لتُجرى انتخابات لمجلس جديد كما هو مأمول. وفي هذه الأثناء هناك الكثير من العمل الذي لا بد من إنجازه، وهو يتصل بحاجات المواطن الأساسية وظروف معيشته.

* لينا الحكيم هو اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا