المجتمع السوري بعد الحرب تعدد الأحزاب والانتماءات
“أنا أكرهك يا أبي لأنك ما زلت تخدم النظام، الذي تسبّب لنا بالمآسي والآلام طوال السنوات الماضية”، هكذا يخاطب سليم (24 عاماً) والده عزيز (50عاماً) والذي ما يزال على رأس عمله في فرع المخابرات السورية. فينتقد يامن انحياز والده إلى النظام ووقوفه إلى جانبه في زمن الثورة.
يامن ووالده نموذج مصغَّر عن تشرذم المجتمع السوري، الذي بات في أغلبه ضحية تقسيم بحسب التوجهات والولاءات المختلفة. ما أدّى لبث التفرقة بين أفراد العائلة الواحدة والدين الواحد والطائفة الواحدة.
عزيز ليس مقتنعاَ بفكرة الثورة، ولن يترك عمله لدى النظام الذي يعتبره المصدر الأكيد والوحيد للحصول على مرتَّب يكفي حاجة عائلته، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد. أما يامن، فيؤكد بأنه مقتنع بالثورة وبالنصر القادم، الذي لا يتحقق إلا بالعمل بإخلاص. ينتسب يامن لجبهة النصرة، وهو بحسب اعتقاده “الفصيل الذي يعمل بجدية للتخلص من النظام”.
منير (62 عاماً) من كفرنبل، ينتمي لحزب الإخوان المسلمين منذ الثمانينات. يختلف بتفكيره وآرائه ومواقفه عن باقي أفراد عائلته، كتأييده للحكومة التركية وسياساتها في المنطقة.
أمّا سهى (25 عاماً) من قرية البارة في جبل الزاوية، تقول بأنها تشعر بالآلم والحزن، لأنّ والدها الذي ذهب إلى مدينة الرقة من أجل القتال ضد النظام والعيش هناك، لم يعد يعترف بهم كأبناء، فقاطَعهم بشكل كامل بعد أن انتسبَ لتنظيم الدولة .
فيما تتحدث فاطمة (45 عاماً) التي قدِمت من الرقة عبر طرق التهريب، عن صعوبات كثيرة تواجه مَن يريد الدخول أو الخروج من مدينة الرقة، تشابه الصعوبات الحدودية بين مناطق النظام والمعارضة. وتقول فاطمة: “لم أكن أتوقع أن توجد حدود داخل مناطق بلدي، مع أننا جميعا نحمل ذات الجنسية ونعيش في وطن واحد”. وتسأل: “ألا تكفينا الحدود التي وضِعت قديماً بين أبناء الوطن العربي حين قُسّمنا لدول، حتى أصبحنا الآن نضع حدوداً داخل كل وطن؟”
الأستاذ عبد العزيز الموسى (70 عاماً) كاتب روائي من كفرنبل حاصل على شهادة في الفلسفة، يقول أنَّ سبب التنوع في التوجهات في صفوف المعارضة بشكل خاص، يعود لأسباب خارجية وأخرى داخلية. “أما الأسباب الداخلية، فهي نتيجة القمع الذي تعرّض له الشعب على يد النظام، ما جعل بنيته النفسية غير واعية ومعقدة، فانفتح على الديمقراطية بشكل عشوائي وواسع. وهناك ما يتعلق بعدم وجود سلطة عادلة تتمتع بقانون واحد ينظّم المجتمع ويوحّده، وعدم فهم البعض لمعنى الحرية الحقيقي، معتقدين أنها تعني الفوضى، بالإضافة لمحاولة تغييب العقول الواعية والمثقفة في الساحة الثورية وسيطرة الفئات المتدينة.”
أما الأسباب الخارجية، بحسب الموسى: “تتعلق بتدخل الدول الخارجية بالشؤون الداخلية، يعدما وجدت بنية مفككة ومهزوزة، ما جعل بعض الدول الخارجية تتبني فئات معينة، وك
ل فئة أصبحت محسوبة على دولة محددة”.
ناهد مدرِّسة تاريخ من معرة النعمان (27 عاماً) تقول: “قُتل إبن أخي (17عاماً) مع عدد من رفاقه، أثناء صدهم هجوماَ لجبهة النصرة على مقر الفرقة 13 التابعة للجيش الحر في معرة النعمان. ذلك حين أراد عناصر من الفرقة رفع علم الثورة في المظاهرات السلمية ضد النظام، فتدخلت النصرة وطلبت منهم رفع أعلامها بدلاً من علم الثورة… ما أدّى لشجار، تطور بينهم ليصبح اشتباكاً مسلحاً”. وتعتبر ناهد أن الإشتباكات المسلحة هي أخطر شيء في تعدد المليشيات. وتروي حوادث اشتباك عديدة تحصل، كالإشتباكات متكررة بين أحرار الشام وجند الأقصى والتي يقع فيها عددٌ من القتلى.
ما يحصل يُسبب استياء شعبي، نظراً للتعدد الذي بات لا يجلب برأي البعض إلا المشاكل والتفرقة وإضعاف الثورة، لدرجة أنّه أصبح أكبر هم البعض، كيفية إعادة الحياة إلى ما كانت عليه من انسجام بين أبناء المجتمع ولو بشكل نسبي.
أم سامر من كفرنبل (57 عاماً) تقول: “عندما كان زوجي موظفاً في مدينة اللاذقية، كنّا نعيش جنباً إلى جنب مع أبناء الطوائف الأخرى كأبناء وطن واحد. لكن بعد قيام الثورة، خرجت التقسيمات الطائفية إلى السطح، حتى بين أبناء الطائفة الواحدة. وتسأل أم سامر: “كيف يمكن للمعارضة أن تتوحد وتنتصر في ظل ذلك؟!”
القيادي في أحرار الشام التابع لجيش الفتح حسام أبو بكر (35 عاماً) يتحدّث عن أهم عوامل انتصارهم في حلب بقوله: “نحن شعب متى نلتحم ننتصر “.
تعتبر غالية الرحّال (43 عاماً) مديرة مركز مزايا النسائي في كفرنبل، أن التعدّد الفئوي والحزبي الحاصل أمر طبيعي، بسبب الحرية التي حصل عليها بعض أبناء الشعب بشكل مفاجىء. “فهي مرحلة طبيعية من الفوضى الخلّاقة، إلى أن يتعرّف الناس على الحقيقة والفكر الصحيح”. وتعتقد غالية أنَّ الجميع سيعود إلى الوطن بعد سقوط النظام.
وفي ظل هذه التجاذبات، برز العديد من المعارضين القدامى الذين يدعون إلى سوريا ديمقراطية تستوعب جميع الإنتماءات تحت راية وطنية واحدة. منهم وليد البني (52 عاماً) معارض سوري قديم من ريف دمشق.
يقول البني أنه يحلم بتجمُّع أو تيار، يجمع الوطنيين السورييين دون النظر إلى طبقتهم أو دينهم أو طائفتهم أو قوميتهم، وأن يؤمن أعضاؤه بالمساواة بين الرجل والمرأة وبالحرية الدينية والإقتصادية والإجتماعية لجميع السوريين، ويسعى لتحضير المجتمع الأهلي للتعاون، من أجل مساعدة الشرائح الأقل غنى وقوة وتعليم، كي لا يتبقى سوري واحد ينتمي لهذه الشرائح.
محمود (56 عاماً) من كفرنبل، يعمل كمدرّس لغة عربية، يقول: “وجود الأحزاب في المجتمع ظاهرة طبيعية، لكن كثرتها بالطريقة العشوائية أمر مقلق وخارج عن المآلوف لما له من آثار سلبية على وحدة وتماسك المجتمع والوطن”. ويجيب محمود مَن يسأله عن انتمائه الحزبي بالقول: “أنا عربي سوري فقط ولا أستطيع أن أكون غير ذلك”.