اللجان الشعبية: هل تضمن أمن المناطق السكنية أم تهددها؟
صار حمل السلاح صفة تجمع معظم السوريين، إذ بات بإمكان أي مواطن أن يقتنيه، بغض النظر عما إذا كان ينتمي للمعارضة أو موالياً للنظام. مع ازدياد رقعة المواجهات بين الجيشين النظامي والحر بدأ يزداد اعتماد النظام على اللجان الشعبية لمنع الجيش الحر من مد سيطرته. هذه المليشيات المحلية التي ينتمي عناصرها إلى الأقليات الدينية بدأت بالظهور بعد اندلاع الإحتجاجات في منتصف آذار/ مارس 2011 بأسابيع قليلة.
ينتشر أعضاؤها، وهم من جميع الأعمار، في مناطقهم التي تخضع لسيطرة النظام، مدججين بالسلاح ودون الإلتزام بلباس موحد؛ يضعون الحواجز حين يشعرون بالخطر على منطقتهم ويفتشون المارة والسيارات.
“الإنتساب إلى اللجان الشعبية يتم بناء على المنطقة التي يسكن فيها الشخص، ويجب أن يكون من سكان الحي نفسه ويعرفه الجميع حتى يتم قبوله… كما أن البيانات الشخصية تؤخذ عن الشخص كاملة لاسترجاع السلاح منه بعد انتهاء الأزمة،” يقول أبو جعفر، العضو في إحدى اللجان الشعبية في حي تشرين الدمشقي.
يستطرد أبو جعفر قائلاً: “في بداية تشكيل اللجان لم يكن هناك أي تنظيم، فكل حارة يجتمع شبابها ليسهروا في الليل على مراقبة الطريق، ولم يكونوا وقتها يحملون أي سلاح ما عدا العصي. كانت تقوم هذه
اللجان بحماية الحي التي تنتمي إليه من العصابات المسلحة، المنتشرة بين الأحياء الشعبية خصوصاً، واتخذتها ملاذاً آمناً من الجيش والأجهزة الأمنية.” ويتابع بالقول إن اللجان تقيم حواجز على الطرق الرئيسية والفرعية، وتفتش كل من يدخل ويخرج من الحي للتأكد من هويته وأنه غير مطلوب أو مشتبه به وغير مسلح.
وبدا الدور الأمني التي تقوم به اللجان مؤخراً بشكل بارز، فقد بدأت تتزايد الأخبار عن اشتباكات بين أعضائها ومسلحي المعارضة في مختلف ضواحي دمشق.
اللجان الشعبية في مواجهة من؟
يؤكد أبو جعفر أن اللجان أوجدت صيغة معادلة مع “العصابات المسلحة”، كما يسميها، وخصوصاً في المناطق المتلاصقة حيث يمكن التنقل فيها من حي إلى حي ومن حارة إلى حارة مثل منطقتي تشرين والقابون في دمشق. ويرى أن اللجان حققت حالة أمان وراحة لدى سكان المنطقة لعلمهم أن هناك من يحميهم من مسلحي المعارضة بعد أن تمكنت اللجان من القبض على عناصر “إرهابيين” في عدة مناطق من دمشق وتسليمهم للجهات المختصة.
وينتقد أبو جعفر اللجان بسبب قلة التنظيم، وحالة العشوائية التي تحدث عند وقوع اشتباكات، ويبرر ذلك بالقول إن معظم من انتسب إلى اللجان لم يكن مدرباً على القتال بشكل ملائم كما أن البعض انتسب إليها للتمتع بالنفوذ، متمنياً أن يتم ضبط هذه اللجان تحت قيادة موحدة على شكل جيش شعبي.
من جهة أخرى، يقول أحمد، أحد الناشطين السلميين في دمشق، إنه لا فرق بين اللجان الشعبية والشبيحة، بل إن كان للجان دور في مساعدة أجهزة الأمن، قبل أن يخبو الحراك السلمي والمظاهرات، على قمع أي مظاهرة ومراقبة حركة الناشطين وحتى اعتقالهم.
ويُكمل حديثه قائلاً: “في إحدى المظاهرات العام الفائت هجم أعضاء اللجان علينا وكنا أكثر عدداً ودارت معركة بيننا وقتها بالأيدي والعصي، وتمكنّا من إلقاء القبض على أحدهم وكان يحمل بطاقة لجان شعبية وهي عبارة عن ورقة بيضاء عليها بيانات حاملها وأختام رسمية. وقتها تأكدنا أنهم هم نفسهم الشبيحة ولكن بتسمية أخرى مجمّلة.”
ويتساءل أحمد ماذا يعني أن تقوم القوى الأمنية بتسليم المواطنين أسلحة مع بداية الثورة السورية علماً أنها كانت سلمية ولم يتسلح المعارضون إلا بعد أشهر من انطلاقها وكيف ستتم عملية تنظيف البلد من السلاح.
في حمص أيضاً يقول ناشطو المعارضة إن اللجان الشعبية قد سبقت المعارضة في حمل السلاح.
يقول الناشط حازم إن اللجان الشعبية في حمص بدأت عملها مع بداية الإحتجاجات في المدينة العام الماضي بناءً على توجيهات أمنية سرية، حيث ظهرت إشاعات في الشوارع عن وجود “مندسين” قد يهاجمون الحارات، وبدأ الناس بالتجمع أمام حاراتهم حاملين السلاح للدفاع عن مناطق الزهرة ووادي الذهب والنزهة ومساكن الشرطة، وبدؤوا بإغلاق مداخل الحارات.
ويضيف: “بعدها بدأت اللجان تخرج مع رجال الأمن لقمع المعارضين في حاراتهم، والهجوم على المظاهرات لإخمادها واعتقال المتظاهرين والاعتداء على الناشطين السياسيين وطردهم من الحارات الموالية للنظام.”
يقول حازم إن تعديات اللجان طاولت حتى الجهات الأمنية التابعة للنظام، و”بعد مدة اضطرت الدولة إلى إزالة حواجز اللجان بسبب بعض التجاوزات والإساءات خاصة بحق الضباط.”
ويستمر عمل اللجان الشعبية في حمص حتى الآن، برغم قرار رسمي معلن يقضي بحلها، فقد كانت قيادة شرطة محافظة حمص قد دعت في نيسان/أبريل 2011 كافة المواطنين للتقيد بقرارها إنهاء العمل بتشكيل اللجان الشعبية، والاكتفاء بإعلام قيادة الشرطة عن أي مخالفة تخل بالأمن.